فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ (١) عليهالسلام ، قَالَ بِيَدِهِ : « السَّلَامُ عَلَيْكُمْ » فَعَمَّهُمْ جَمِيعاً بِالسَّلَامِ ، ثُمَّ جَلَسَ ، فَازْدَادَ هِشَامٌ عَلَيْهِ حَنَقاً (٢) بِتَرْكِهِ السَّلَامَ عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ ، وجُلُوسِهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ ، فَأَقْبَلَ يُوَبِّخُهُ ، ويَقُولُ ـ فِيمَا يَقُولُ لَهُ (٣) ـ : يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ، لَايَزَالُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ قَدْ شَقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ (٤) ، ودَعَا إِلى نَفْسِهِ ، وزَعَمَ أَنَّهُ الْإِمَامُ سَفَهاً وقِلَّةَ عِلْمٍ ، وَوبَّخَهُ بِمَا أَرَادَ أَنْ يُوَبِّخَهُ ، فَلَمَّا سَكَتَ أَقْبَلَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ رَجُلٌ بَعْدَ رَجُلٍ يُوَبِّخُهُ حَتَّى انْقَضى آخِرُهُمْ ، فَلَمَّا سَكَتَ الْقَوْمُ نَهَضَ عليهالسلام قَائِماً ، ثُمَّ قَالَ : « أَيُّهَا النَّاسُ ، أَيْنَ تَذْهَبُونَ؟ وَأَيْنَ يُرَادُ بِكُمْ؟ بِنَا هَدَى اللهُ أَوَّلَكُمْ ، وبِنَا يَخْتِمُ آخِرَكُمْ ، فَإِنْ يَكُنْ لَكُمْ مُلْكٌ مُعَجَّلٌ ، فَإِنَّ لَنَا مُلْكاً مُؤَجَّلاً ، ولَيْسَ بَعْدَ مُلْكِنَا مُلْكٌ ؛ لِأَنَّا أَهْلُ الْعَاقِبَةِ ؛ يَقُولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ : ( وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (٥) ».
فَأَمَرَ بِهِ إِلَى الْحَبْسِ ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى (٦) الْحَبْسِ تَكَلَّمَ ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْحَبْسِ رَجُلٌ إِلاَّ تَرَشَّفَهُ (٧) وحَنَّ إِلَيْهِ (٨) ، فَجَاءَ صَاحِبُ الْحَبْسِ إِلى هِشَامٍ ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنِّي خَائِفٌ عَلَيْكَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَنْ يَحُولُوا (٩) بَيْنَكَ وبَيْنَ مَجْلِسِكَ هذَا ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِخَبَرِهِ ،
__________________
(١) في « ف » : ـ « أبو جعفر ».
(٢) « الحَنَق » : الغيظ أو شدّته. والجمع : حِناق. القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١١٦٥ ( حنق ).
(٣) في « ج » : ـ « له ».
(٤) « قد شقّ عصا المسلمين » : فرّق جماعتهم وأوقع الخلاف بينهم وشوّش ائتلافهم والتيامهم واجتماعهمومنعهم منها. وأصل العصا الاجتماع والائتلاف. وقد يراد بالعصا الجماعة ؛ لأنّ المسلمين بمنزلة العصا للإسلام ، فالإضافة بيانيّة. راجع : لسان العرب ، ج ١٥ ، ص ٦٦ ( عصا ).
(٥) الأعراف (٧) : ١٢٨ ؛ القصص (٢٨) : ٨٣.
(٦) في « ب ، بف » : « في ».
(٧) في « بح » : « يرشفه ». و « تَرَشَّفَهُ » : أي مصّه. هذا في اللغة. وأمّا المراد هنا ، فالمعنى : مسّه تبرّكاً ، أو قبّل يديهورجليه ، قاله المازندراني. أو هو كناية عن المبالغة في أخذ العلم عنه عليهالسلام ؛ قاله المجلسي. أو هو كناية عن شدّة الحبّ لو كان بمعنى المصّ بحيث يدخل الريق في الفم ؛ وقال الفيض : « وظنّي أنّه بالسين المهملة ؛ يعني مشى إليه مشي المقيّد يتحامل برجله مع القيد ». راجع : القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٠٨٤ ( رشف ).
(٨) « حنّ إليه » ، أي ترع واشتاق. وأصل الحنين : ترجيع الناقة صوتها إثْر ولدها. راجع : النهاية ، ج ١ ، ص ٤٥٢ ( حنن ).
(٩) في « بح » : « أن يكونوا ».