فَأَمَرَ بِهِ ، فَحُمِلَ عَلَى الْبَرِيدِ (١) هُوَ وأَصْحَابُهُ لِيُرَدُّوا إِلَى الْمَدِينَةِ ، وأَمَرَ أَنْ لَايُخْرَجَ (٢) لَهُمُ الْأَسْوَاقُ ، وحَالَ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ الطَّعَامِ والشَّرَابِ (٣) ، فَسَارُوا ثَلَاثاً لَايَجِدُونَ طَعَاماً وَلَاشَرَاباً حَتّى انْتَهَوْا إِلى مَدْيَنَ ، فَأُغْلِقَ (٤) بَابُ الْمَدِينَةِ دُونَهُمْ ، فَشَكَا أَصْحَابُهُ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ.
قَالَ : فَصَعِدَ جَبَلاً لِيُشْرِفَ (٥) عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ ـ بِأَعْلى صَوْتِهِ ـ : « يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ، أَنَا بَقِيَّةُ اللهِ ، يَقُولُ اللهُ : ( بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ) (٦) ».
قَالَ : وكَانَ فِيهِمْ شَيْخٌ كَبِيرٌ ، فَأَتَاهُمْ ، فَقَالَ لَهُمْ : يَا قَوْمِ ، هذِهِ ـ واللهِ ـ دَعْوَةُ شُعَيْبٍ النَّبِيِّ ، واللهِ ، لَئِنْ لَمْ تُخْرِجُوا إِلى هذَا الرَّجُلِ بِالْأَسْوَاقِ ، لَتُؤْخَذُنَّ مِنْ فَوْقِكُمْ ، وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ، فَصَدِّقُونِي فِي هذِهِ الْمَرَّةِ وأَطِيعُونِي ، وكَذِّبُونِي فِيمَا تَسْتَأْنِفُونَ ؛ فَإِنِّي نَاصِحٌ لَكُمْ (٧)
قَالَ : فَبَادَرُوا ، فَأَخْرَجُوا إِلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وأَصْحَابِهِ بِالْأَسْوَاقِ ، فَبَلَغَ (٨) هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ خَبَرُ الشَّيْخِ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ ، فَحَمَلَهُ ، فَلَمْ يُدْرَ (٩) مَا صَنَعَ (١٠) بِهِ. (١١)
١٢٨٠ / ٦. سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ والْحِمْيَرِيُّ جَمِيعاً ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ ، عَنْ أَخِيهِ
__________________
(١) قال ابن الأثير : « البريد كلمة فارسيّة يراد بها في الأصل البغل ، وأصلها « بُرِيدَه دُمْ » ، أي محذوفة الذَنَب ؛ لأنّبغال البريد كانت محذوفة الأذناب كالعلامة لها ، فاعربت وخفّفت. ثمّ سمّي الرسول الذي يركبه بريداً ، والمسافة التي بين السكّتين بريداً ». النهاية ، ج ١ ، ص ١١٦ ( برد ).
(٢) في « ب ، بف » : « لا تخرج ».
(٣) في « بح » : « الشراب والطعام ».
(٤) في « ج » : « واغلق ».
(٥) في « ب ، ج ، ض ، ف ، بر ، بس » والوافي : « يشرف ».
(٦) هود (١١) : ٨٦.
(٧) هكذا في « ف ، بح ، بر ، بس ، بف » والوافي. وفي سائر النسخ والمطبوع : « لكم ناصح ».
(٨) في « ب ، بر ، بف » والوافي : « فأخبر ».
(٩) في « ب ، ج » : « ولم يدر ».
(١٠) يجوز فيه المبنيّ للمفعول. وفي « ف » : « صنعوا ».
(١١) الوافي ، ج ٣ ، ص ٧٧١ ، ح ١٣٩٦.