لَمَّا أُوقِفُوا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ ـ الْبَابِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ : بَابُ جَبْرَئِيلَ ـ أَطْلَعَ (١) عَلَيْهِمْ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليهالسلام ـ وعَامَّةُ رِدَائِهِ مَطْرُوحٌ بِالْأَرْضِ ـ ثُمَّ أَطْلَعَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ : « لَعَنَكُمُ اللهُ يَا مَعَاشِرَ (٢) الْأَنْصَارِ ـ ثَلَاثاً ـ مَا عَلى هذَا عَاهَدْتُمْ رَسُولَ اللهِ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولَا بَايَعْتُمُوهُ ، أَمَا واللهِ إِنْ (٣) كُنْتُ حَرِيصاً ، ولكِنِّي غُلِبْتُ ، ولَيْسَ لِلْقَضَاءِ مَدْفَعٌ ».
ثُمَّ قَامَ وأَخَذَ إِحْدى نَعْلَيْهِ ، فَأَدْخَلَهَا رِجْلَهُ ، والْأُخْرى فِي يَدِهِ ، وعَامَّةُ رِدَائِهِ يَجُرُّهُ فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ دَخَلَ بَيْتَهُ (٤) ، فَحُمَّ عِشْرِينَ لَيْلَةً لَمْ يَزَلْ يَبْكِي فِيهَا (٥) اللَّيْلَ والنَّهَارَ حَتّى خِفْنَا عَلَيْهِ. فَهذَا حَدِيثُ خَدِيجَةَ.
قَالَ الْجَعْفَرِيُّ : وحَدَّثَنَا (٦) مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَسَنِ :
أَنَّهُ لَمَّا طُلِعَ (٧) بِالْقَوْمِ فِي الْمَحَامِلِ ، قَامَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليهالسلام مِنَ الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ أَهْوى إِلَى الْمَحْمِلِ (٨) الَّذِي فِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَسَنِ يُرِيدُ كَلَامَهُ ، فَمُنِعَ أَشَدَّ الْمَنْعِ ، وأَهْوى إِلَيْهِ الْحَرَسِيُّ (٩) ، فَدَفَعَهُ ، وقَالَ : تَنَحَّ عَنْ هذَا ؛ فَإِنَّ اللهَ سَيَكْفِيكَ (١٠) ويَكْفِي غَيْرَكَ ، ثُمَّ
__________________
(١) ظاهر النسخ هو الاتّفاق على الإفعال في الموردين ، ويجوز الافتعال لغةً أيضاً. والتفصيل بين الموردين ـ كمافي شرح المازندراني ، ج ٦ ، ص ٣٠١ ، ومرآة العقول ، ج ٤ ، ص ١٣٢ ـ لا ملزم له.
(٢) في « بح » والبحار : « معشر ».
(٣) في « ب » : « إنّي ». وقوله : « إن » : مخفّفة من المثقّلة ، وضمير الشأن محذوف ، يعني قد كنت حريصاً على دفع هذا الأمر عنهم بالنصيحة لهم. راجع : الوافي ، ج ٢ ، ص ١٦٢ ؛ مرآة العقول ، ج ٤ ، ص ١٣٣.
(٤) في البحار : « في بيته ».
(٥) هكذا في النسخ التي قوبلت والوافي والبحار. وفي المطبوع : « فيه ».
(٦) في « ه » : « فحدّثنا ».
(٧) في « ض » : « اطلع ».
(٨) « أهوى إلى المحمل » ، أي مدّ يده نحوه وأمالها إليه. راجع : النهاية ، ج ٥ ، ص ٢٨٥ ( هوا ).
(٩) قال ابن الأثير : « الحَرَسِيُّ بفتح الراء : واحد الحُرّاس والحَرَس ، وهم خَدَم السلطان ، المرتّبون لحفظهوحِراسته. والحَرَسِيُّ واحد الحَرَس ، كأنّه منسوب إليه ، حيث قد صار اسم جنس. ويجوز أن يكون منسوباً إلى الجمع شاذّاً ». النهاية ، ج ١ ، ص ٣٦٧ ( حرس ).
(١٠) في « ف » : « يكفيك ».