وأعجب من ذلك قوله : وإنّهم يدعون أن فاطمة كانت مغضبة على أبي بكر ، فإنّ هذا ليس دعوى مجردة منا ، فقد صرّحت به صحاح أخبارهم كرواية البخاري في باب فرض الخمس من كتاب الجهاد ، قال : غضبت ، فهجرت أبا بكر ولم تزل مهاجرته حتى توفيت (١) .
وروى البخاري ومسلم (٢) أنّها وجدَت على أبي بكر فهجرته ، فلم تكلمه حتى توفيت (٣) .
وقوله : فلِمَ لم تأمره بالخروج ، خطأ ؛ لعلمها بأنه إمامها ولا يعمل إلا بأمر الله تعالى ، مع أنّه لم يخف عليها استضعاف القوم له ، حيث اغتصبوه منصبه واغتصبوها إرثها ونحلتها .
ولكن ذلك سعت معه إلى بيوت وجوه المسلمين ليلاً ؛ إتماماً للحجّة عليهم ، كما سبق في المبحث الرابع من مباحث الإمامة (٤) .
وأما قوله : «ويساعده الأنصار».
ففيه : إنّهم فريقان ؛ فريق يطلب الإمرة لنفسه ، وفريق أنصار أبي بكر ، فكيف يساعدون عليّاً ؟ هذا قبل تمام الأمر لأبي بكر ، وأما بعده فالأمر أظهر .
وأما قوله : «ولا شك أنّ أبا بكر كان أضعف منه »
فإن أراد أنّه أضعف منه نفساً وبيتاً ، فهو مما لا ينكره ذو إدراك ، ولكن لا أثر له في المقام .
__________________
(١) صحيح البخاري ٤ / ١٧٧ ــ ١٧٨ ضمن ح ٢ .
(٢) في باب قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا نورث ما تركناه صدقة من كتاب الجهاد . منه قدسسره .
(٣) صحيح البخاري ٥ / ٢٨٨ ضمن ح ٢٥٦ ، صحيح مسلم ٥ / ١٥٣ ــ ١٥٤ .
(٤) راجع ٤ / ٢٨٢ من هذا الكتاب .