وقال الفضل (١) :
أما ما ذكر أنّ عمر نهى أبا هريرة عن تبليغ الرسالة ؛ فاتفق العلماء على أن ذلك يدلّ على كمال علم عمر ، وعلق منزلته عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ حيث مكنه بعد الاعتراض ، وذلك أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعث أبا هريرة مبشراً للناس بأنّ التيقن في الشهادة كاف في دخول الجنّة على أي عمل كان خيراً أو شرّاً ، وهذا يوجب أنّ الفاسق يعتمد ولا يتوب : ويقول أنا متيقن بالشهادة وقد بشرني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بدخول الجنة ، فلا أرتدع من الفسق والذنوب ، وكان يؤدي هذا إلى ترك الأعمال .
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث يبلغ هذا في مقام البسط والثقة بالتوحيد ، وأنّه كاف في النجاة إذا حصل كماله ، فإنّ كمال اليقين بالتوحيد ينفي درن الذنوب ، ولا يبقى معه شيء.
ولكن هذا المعنى لم يفهمه العامة ؛ لأنّهم يفهمون من اليقين ماهم عليه ، والحال أن اليقين حال المشاهدة ، ولهذا الكلام بسط لا يليق بهذا المقام ، فلمًا سمع عمر هذا الكلام من أبي هريرة علم أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان في مقام البسط ، والعامة لا يفهمون ضيقه هذا ، ولا يدركون ماهية اليقين ، وأنّه كيف يتحقق في المرء ، فيحسبون أن ماهم عليه من الشهادة بالتوحيد هو اليقين الذي بشر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن صاحبه يدخل الجنّة إذا كان متصفاً به ، وهذا يوجب أن يتكلوا ويتركوا العمل .
__________________
(١) إبطال نهج الباطل المطبوع ضمن إحقاق الحق : ٦٣٨ ( حجري ) .