وأقول :
من المضحك اعتذاره عنهم بشدّتهم في الدين ، فإنّ الشدّة فيه إنما تكون باتباع أمر الله ورسوله ، والتسليم لهما في كل ما يقولان ويفعلان ، لا بالتنديد برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والاستخفاف بشأنه.
وكل عاقل إذا سمع مثل كلامهم لا يفهم منه إلا الطعن بالنبي ، والتوهين لمقامه ؛ بأنّ عمله ناشئ عن الميل إلى قومه ، لا عن أمر الله تعالى ، كما يشهد لإرادتهم الاستخفاف بشأنه ، تعبيرهم عنه : بالرجل ، لا بأوصافه الجليلة.
كما عبر الخصم عن المصنف رحمهالله في هذا المقام وغيره بالرجل استخفافاً به ، به ، للإشارة إلى أنّه من سائر الرجال ، ولا مزية له على غيره .
وهذا في الحقيقة من أكبر منافيات الدين ، إن لم يدخل في قسم الكفر برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، على أن الاعتذار عنهم بالشدة في المقام شهادة عليهم بالنقصان ، فإنّ هذه الشدّة مع تأمين النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لمن دخل دار أبي سفيان ، ومن ألقى سلاحه ، لا تكون إلا ممّن يرى نفسه أشدّ من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الدين ، ويجهل وجه الحكمة في فعله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهل الدين إلا الإيمان بالله ورسوله والتسليم والرضا بفعلهما ؟ ! ومما ذكرنا يعلم ما في العذر بالخوف من أن يرغب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الإقامه بمكة ، فإن خوفهم لا يسوّغ لهم ذلك الكلام السَّيِّئ والطعن والاستخفاف بنبيهم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكلامنا فیه.
وأما قوله : « والكريم من تُعدّ هفواته» ، ففيه :