فانقدح بذلك أن مجرد العلم بتحريم شيء لا يوجب لزوم الاجتناب عن أفراده المشتبهة ، فيما كان المطلوب بالنهي طلب ترك كل فرد على حدة ، أو كان الشيء مسبوقا بالترك ، وإلا لوجب الاجتناب عنها عقلا
______________________________________________________
مشغولا بشرب الخمر ولو كان ذلك لعذر ، إلّا انه لما كان قد انتقض يقينه بترك شرب الخمر فلا يمكنه استصحاب تركه للخمر ، وعلى هذا الفرض لا يجوز له شرب المائع المردد ، لما عرفت من لزوم احرازه لترك شرب الخمر ، وحيث لا اصل عنده يحرز له ذلك ، فلا بد من ان يكون احرازه لامتثاله لترك الخمر منحصرا في احرازه بالقطع ، ومع شرب المائع المردد لا يكون محرزا لذلك ، لفرض احتماله لكون ما شربه خمرا ، ولا مناص له من احراز امتثال هذا النهي الواصل اليه المتعلق بشيء واحد غير منحل الى نواه متعددة.
والى الاحراز بالاصل اشار بقوله : ((فلا يجوز الاتيان بشيء يشك معه)) أي يشك مع الاتيان به ((في تركه)) لامتثال النهي الواصل اليه ((إلّا اذا كان مسبوقا به)) أي مسبوقا بالترك له ، فانه اذا كان كذلك جاز له الاتيان بشيء يشك مع الاتيان به في الامتثال ، لانه يمكنه ان يحرز استمرار امتثاله باستصحاب الترك المتيقن سابقا ، فيعتمد على هذا اليقين ((ليستصحب)) بقاؤه على استمرار الترك ((مع الاتيان به)) أي مع الاتيان للفرد المشكوك.
ثم اشار الى جريان البراءة فيما اذا كان النهي انحلاليا ، لما عرفت من عدم الوصول في فرض الانحلال بقوله : ((نعم لو كان النهي بمعنى طلب ترك كل فرد منه)) أي من متعلق النهي ((على حدة)) فيكون النهي منحلا الى نواه متعددة بمقدار افراد المتعلق للنهي ((لما وجب الا ترك ما علم انه فرد)) لذلك المتعلق ، لوضوح انه لا يعلم بوصول النهي الا حيث يصل متعلقه ، ولذا قال (قدسسره) : ((وحيث لم يعلم تعلق النهي إلّا بما علم انه مصداقه فاصالة البراءة في المصاديق المشتبهة محكمة)).