.................................................................................................
______________________________________________________
فاذا عرفت هذا ... نقول : ان الحكم الشرعي اذا تعلق بما يدرك العقل مصلحته الداعية لحسنه او مفسدته الداعية لقبحه كان الحكم الشرعي حكما عقليا ايضا ، واذا تعلق بما لا يدرك العقل مصلحته او مفسدته ، او تعلق الحكم الشرعي بوجوب ما لو خلي وطبعه لكان ممنوعا عنه عند العقل ، او تعلق بحرمة ما لو خلي وطبعه لكان حسنا ومأمورا به عند العقل ولم يطلع العقل على العنوان الغالب على مصلحة الفعل ولا على العنوان الغالب على مفسدته ـ لا يكون ذلك الحكم الوجوبي او التحريمي حكما عقليا بل حكما شرعيا محضا ، وان كان لو اطلع العقل على ذلك الامر الغالب لحكم بوجوب ما اوجبه الشارع وبحرمة ما حرمه الشارع ، إلّا انه حيث لم يطلع فلا حكم له فيه كما له حكمه في الموارد المنكشفة له.
ومما ذكرنا يتّضح : انه لا يجب ان يكون الحكم الشرعي ملازما لما حكم به العقل ويدركه ، فانه ربما ادرك مصلحة في شيء ولم يطلع على مفسدة فيه اهم من مصلحته ، او ادرك مفسدة في شيء ولم يطلع على مصلحة فيه اهم من مفسدته.
ومنه يتضح ان الاحكام الشرعية التي لم يصل العقل الى مصالحها ومفاسدها هي الاحكام المولوية ، ولكنها هي بحيث لو اطلع عليها العقل لرآها لازمة ايضا.
وقد اتضح ـ مما ذكرنا كله ـ المراد من قولهم الواجبات الشرعية الطاف في الواجبات العقلية ، وان المراد منها انها تابعة لمصالح ومفاسد لو اطلع عليها العقل لرآها لازمة ، وليس المراد ان الواجبات الشرعية داخلة في قاعدة الحسن القبح العقلي.
وقد عرفت ايضا ان الاحكام الشرعية مقربات الى المصالح والمفاسد المترتبة على المأمور به والمنهي عنه ، والى ذلك تشير جملة مما ورد في علل الاحكام كقوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)(١) وقوله عليهالسلام : الصوم جنة من النار ، والزكاة نمو في المال ، والصدقة تطيل العمر ، وعقوق الوالدين منقصة فيه .. وامثال ذلك.
__________________
(١) العنكبوت : الآية ٤٥.