والهداية العامة التكوينية ما أعدها الله تعالى في طبيعة كل موجود ، فهي تسري بطبعها أو باختيارها نحو كمالها ، الفارة تفر من الهرَّة ولا تفر من الشاة ، والنمل يهتدي إلى تشكيل جمعية وحكومة ، والطفل يهتدي إلى ثدي أمه. وهكذا ، قال تعالى : (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)(١).
والهداية التشريعية العامة هي افاضة العقل على الإنسان ثم ارسال الرسل وانزال الكتب.
وأما الهداية الخاصة ، فهي عناية ربانية خصَّ الله بها بعض عباده حسب ما تقتضيه حكمته ، فيهيئ له ما به يهتدى إلى كماله ويصل إلى مقصوده ، ولو لا تسديده لوقع في الغي والضلالة ، ومع ذلك لا يكون مجبورا في ذلك.
وفي امثال هذه الآية أشير إلى نكتة لطيفة ، وهي الرد على القائلين بإله الخير وإله الشر ، أي المجوس الملتزمين بأن وسائل الشر انما تكون متحققة بايجاد إله الشر ، وان الله تعالى لايهيأ تلك الوسائل ، وتدل على ان الأسباب كلها من الله تعالى.
وأما الآية الثالثة : وما بمضمونها فإنما تدل على أن جميع الأفعال واقعة تحت المحاسبة ، سواء أكانت ظاهرة أم لا ، غاية الامر لله تعالى أن يغفر لمن يشاء.
وأما الرابعة ، والخامسة : وما بمضمونهما من الآيات فغاية ما تدل عليه أنه حيث يحتمل من يريد أن يعمل عملا أن يحدث ما يمنع عنه ، فعليه أن يتوجه إلى
__________________
(١) الآية ٥٠ من سورة طه.