كما انّ فوقها شجرة الولاية (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) الّتى لا يتجاوز عنها الممكن بخلاف سائر الجنّات فانّها معبر غير مأوى لبعض النّفوس وان كانت مأوى لبعض آخر (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) لفظ ما في أمثال هذه الكلمة يفيد التّفخيم ، قيل : يغشاها الملائكة أمثال الغربان ، وقيل : يغشاها من النّور والبهاء ، وقيل : فراش من الذّهب ، وقيل : لمّا رفع الحجاب بينه وبين رسول الله (ص) غشي نوره السّدرة (ما زاغَ الْبَصَرُ) حتّى لم يكن يبصر ما هو الواقع ويكون مخطئا في ابصاره يعنى ما زاغ بصر محمّد (ص) حين رأى عند السّدرة (وَما طَغى) وما جاوز عن حدّ القصد في الأبصار حتّى يكون مخطئا في الأبصار (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) مثل سدرة المنتهى وجبرئيل على صورته الّتى خلق عليها ، وقيل : سمع كلاما لو لا انّه قوّى ما قوى ، وقيل : رأى رفرفا أخضر من رفارف الجنّة قد سدّ الأفق ، وقيل : رأى ربّه بقلبه ، وقيل : رأى عليّا (ع) فانّه الآية الكبرى الّتى لا أكبر منها ، وروى عن النّبىّ (ص) انّه قال لعلىّ (ع): يا علىّ انّ الله أشهدك معى في سبع مواطن وعدّ من ذلك ليلة الإسراء (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) اى أخبرونا عن هذه الآلهة الّتى تعبدونها يضرّونكم أو ينفعون؟! أو هي بنات الله؟! وقيل : انّهم زعموا انّ الملائكة بنات الله وصوّروا أصنامهم على صورهم وعبدوها من دون الله واشتقّوا لها أسماء من أسماء الله فقالوا : اللّات من الله ، والعزّى من العزيز ، وقيل : انّ التّاء في اللّات اصليّة ، وقرئ اللّاتّ بتشديد التّاء ، قيل : كان صنما نحتوه على صورة رجل يلتّ السّويق ويطعم الحاجّ ، وقيل : انّ اللّات كان صنما لثقيف ، والعزّى صنم ، وقيل : انّها كانت شجرة يعبدها الغطفان فبعث إليها رسول الله خالد بن الوليد فقطعها ، ومناة كانت صنما بقديد بين مكّة والمدينة ، وقيل : ثلاثتها كانت أصناما في الكعبة يعيدونها ، والثّالثة نعت لمناة وكذلك الاخرى وكانتا نعتين بيانيّين (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) ذات جور ، وضيزى قيل : انّه فعلا مضموم الفاء سواء جعل واويّا أو يائيّا لعدم وجود الوصف على فعلى مكسور الفاء ، وقرئ بالهمزة من ضازه إذا ظلمه (إِنْ هِيَ) اى الأصنام (إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) قد سبق الآية في سورة الأعراف مع تفاوت يسير في اللّفظ وقد سبق تحقيق لها هناك وفي سورة البقرة أيضا عند قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) (إِنْ يَتَّبِعُونَ) في جعل هذه الأسماء الّتى ليست لها حكم فضلا عن ان تكون معبودات مسمّيات وفي النّظر إليها والسّجدة لها ، وقرئ تتّبعون بالخطاب وبالغيبة (إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) عطف على الظّنّ ويجوز ان يكون ما نافية أو استفهاميّة (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) ما به الهدى واليقين فأعرضوا عنه واتّبعوا الظّنّ وما به الضّلالة والمراد بالهدى الرّسول وكتابه وشريعته (أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى) فيكون لهم ما يتمنّونه من حسن الحال في الدّنيا وحسن المآل في الآخرة ، أو من شفاعة الأصنام في الآخرة فانّه لا دليل لهم على ذلك سوى تمنّيهم وليس كذلك (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) الفاء للسّببيّة يعنى إذا كان الآخرة والاولى لله فلم يكن للإنسان ما تمنّى بل كان له ما أراد الله (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) من الإغناء ، أو شيئا من عذاب الله (إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ) لهم في الشّفاعة (لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) ومن يشاء ويرضى ليس الّا من تولّى عليّا (ع) فانّ ما به الرّضا هو انفحّة الولاية فما لهم يعبدون الملائكة من دون الله ويسمّون الملائكة بما لا يرضاه الله