(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) فيقولون : انّ الملائكة بنات الله (وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) ذمّهم اوّلا على تسمية الأشرف باسم الاخسّ ثمّ على القول بعدم العلم ثمّ على اتّباع الظّنّ (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) قد فسّر الحقّ هاهنا بالعلم ، أو المراد به نفس الأمر ، أو المشيّة ، أو الحقّ الاوّل تعالى ، وشيئا مفعول مطلق ، أو هو مفعول به ومن الحقّ حال منه (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا) لمّا ذكر حال المشركين وانّهم اعرضوا عن اليقين وتمسّكوا بالظّنّ والتّخمين قال : إذا كان حالهم على هذا ولم يتوجّهوا إليك والى ما به اليقين ، أو لم يتوجّهوا الى علىّ (ع) الّذى بالتّوجّه اليه يحصل اليقين ، فأعرض عن مجادلتهم وعن النّصح والتّذكير لهم ، أو اعرض عن مكافأتهم على سوء فعالهم ، والمراد بالذّكر هو ما به ذكر الله للعباد وهو العقل والقلب الّذى هو طريق العقل والقرآن والرّسول وصاحب الولاية وجملة الآيات الآفاقيّة والانفسيّة ، أو المراد ما به ذكر العباد لله وهو المذكورات مع الاذكار اللّسانيّة والقلبيّة لكنّ المنظور الاعراض عمّن أنكر الولاية فانّه المستحقّ للاعراض سواء كان قابلا للرّسالة أو لم يكن (وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) فانّ من اعرض عن القلب وصاحبه لا يكون له ارادة من جملة أفعاله وأقواله وعلومه الّا الانتفاع في جهة الحيوة الدّنيا فانّه ان صلّى صلّى لئلّا يحدث له حادثة تضرّه في حيوته ، وان صام فكذلك ، وان حصل له علم لا يكون وجه علمه الّا الى الدّنيا فيكون علمه جهلا مشابها للعلم (ذلِكَ) المبلغ اى الحيوة الدّنيا ، أو طلب الحيوة الدّنيا (مَبْلَغُهُمْ) محلّ بلوغهم أو بلوغهم (مِنَ الْعِلْمِ) لا يتجاوز علمهم عنها الى الآخرة (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى) جواب سؤال في مقام التّعليل لقوله اعرض (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) اى لله السّماوات والأرض وما فيهما كما مرّ مرارا (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا) علّة غائيّة لأعرض يعنى انّك ما دمت مقبلا عليهم لم يعذّب الله أحدا منهم فاعرض عنهم حتّى يجزى الّذين أساؤا (بِما عَمِلُوا) أو غاية لقوله : هو اعلم بمن ضلّ عن سبيله أو علّة لاثبات قوله هو اعلم بمن ضلّ عن سبيله يعنى قلنا انّه اعلم لما ترى انّه يجزى الّذين أساؤا أو غاية لقوله لله ما في السّماوات وما في الأرض ، أو علّة لإثباته (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) بالخصلة أو العاقبة أو النّعمة الحسنى (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) صفة أو بدل من الّذين أحسنوا أو خبر مبتدء محذوف أو مبتدء خبره جملة انّ ربّك واسع المغفرة بتقدير العائد ، أو الخبر محذوف بقرينة انّ ربّك واسع المغفرة اى مغفور لهم ، ويكون قوله : انّ ربّك واسع المغفرة تعليلا له وقد مضى بيان الكبيرة والصّغيرة في سورة النّساء عند قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) (وَالْفَواحِشَ) عطف على كبائر الإثم أو على الإثم ، والفاحشة أقبح الإثم أو هو الزّنا (إِلَّا اللَّمَمَ) اللّمم محرّكة صغار الذّنوب الّتى يتنزّل الإنسان عن مقامه عليها ولم يكن مقامه مقام تلك الصّغار من الذّنوب ، فانّه قد مضى في بيان الكبائر انّه إذا لم يكن الإنسان متمكّنا في طريق النّفس فكلّما صدر منه من الآثام كان صغيرة ، ولم يكن مقام ذلك الإنسان مقام تلك الصّغيرة (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) جواب سؤال مقدّر في مقام التّعليل لقوله تعالى ليجزي الّذين أساؤا (إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) تعليل لقوله اعلم بكم أو ظرف له يعنى ان كان اعلم بكم في وقت انشائكم من الأرض