الولاية لانّها المنظور من كلّ منظور ، والمطلوب من كلّ مطلوب (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) عن الله ورسوله فلا يرد عليه شين من ذلك (فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وقد بلّغ رسالته أو احكام رسالته أو ولاية خليفته (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) لانّ الايمان يقتضي الإقرار بان لا مبدء لحادث من الحوادث الّا الله ، وهذا الإقرار يقتضي التّوكّل عليه والتّوسّل به ؛ وترك التّوسّل والتّوكّل على غيره ، ولمّا كان الاشتغال بالكثرات مطلقا مانعا للقلب عن التّوجّه الى الله والاشتغال بطريق الولاية وكان الايمان بالنّور الّذى هو الولاية امرا مهمّا مرغوبا فيه ، وكان الاشتغال بما يكون القلب متعلّقا به من الكثرات اشدّ منعا وأكثر تأثيرا في ذلك خصوصا الأزواج والأولاد لشدّة تعلّق القلب بهما نادى المؤمنين تلطّفا بهم وحذّرهم عن التّعلّق بهما ، ثمّ أمرهم بالعطوفة عليهما فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ) يعنى انّ بعض الأولاد والأزواج يكونون معينين لكم في امر آخرتكم ويكونون محبّين لكم في ذلك ، لكنّ البعض الآخر يكونون أعداء لكم في امر آخرتكم لا سيّما إذا كانوا مخالفين أو موافقين في جهة الدّنيا لا في جهة الآخرة سواء ظهر منهم عداوة في الظّاهر أو لم يظهر (فَاحْذَرُوهُمْ) ولا تخالفوا امر الله في رضاهم ولكن لا تدعوهم الى أنفسهم وادعوا الله لهم واطلبوا من الله المغفرة لهم (وَإِنْ تَعْفُوا) عن مسيئهم (وَتَصْفَحُوا) بتطهير القلوب عن الحقد عليهم (وَتَغْفِرُوا) مساويهم يغفر الله لكم ويرحمكم أو يغفر الله لكم ولهم ويرحمكم وايّاهم (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) نسب الى الباقر (ع) في هذه الآية ، انّ الرّجل كان إذا أراد الهجرة الى رسول الله (ص) تعلّق به ابنه وامرأته وقالوا : ننشدك الله ان تذهب عنّا وتدعنا فنضيع بعدك ، فمنهم من يطيع اهله فيقيم فحذّرهم الله أبناءهم ونساءهم ونهاهم عن طاعتهم ، ومنهم من يمضى ويذرهم ويقول : اما والله لئن لم تهاجروا معى ثمّ يجمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة لا أنفعكم بشيء أبدا ، فلمّا جمع الله بينه وبينهم امره الله ان يحسن إليهم ويصلهم فقال : (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ) الّتى امر الله بحفظها (فِتْنَةٌ) لكم اى اختبار أو فساد أو عذاب لكم (وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) لمن آثر طاعة الله على محبّة الأموال والأولاد ، أو لمن حفظهما بأمر الله وتوجّه إليهما لله وتحمّل مشاقّ حفظهما ومشاقّ تربية الأولاد وتنمية الأموال لله ، عن أمير المؤمنين (ع) : لا يقولنّ أحدكم : اللهمّ انّى أعوذ بك من الفتنة لانّه ليس أحد الّا وهو مشتمل على فتنة ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلّات الفتن فانّ الله يقول : (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) وقد مضى هذه الآية في سورة الأنفال (فَاتَّقُوا اللهَ) في تعلّق القلب بالكثرات وفي ترك الكثرات وطرحها وفي الانتقام من الأزواج والأولاد أو الحقد عليهم ، أو إذا كان الله عنده أجر عظيم فاتّقوا الله في جميع أوامره ونواهيه (مَا اسْتَطَعْتُمْ) فانّ الله لا يكلّف نفسا الّا وسعها (وَاسْمَعُوا) منه أوامره ونواهيه على السنة خلفائه (وَأَطِيعُوا) رسوله (ص) (وَأَنْفِقُوا) من أموالكم واعراضكم وقواكم ونسب الأفعال والأوصاف الى أنفسكم وانانيّاتكم (خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ) صفة مفعول مطلق ، أو هو مفعول به لانفقوا ، أو مفعول لمحذوف اى أنفقوا وأدركوا خيرا ممّا تنفقون لأنفسكم وهو النّعيم الباقي الاخروىّ ، أو خبر لكان محذوفا اى أنفقوا يكن الإنفاق خيرا لأنفسكم (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) قد سبق هذه الآية في سورة الحشر (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) قد مضى الآية مع بيانها