سورة النّساء
مدنيّة كلّها وقيل سوى آية (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا) ، وآية
(يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) لمّا كان تلك الحكاية وأمثالها من مرموزات الأوائل من الأنبياء والأولياء والحكماء التّابعين لهم وحملها العوامّ من النّاس على ظواهرها اختلف الاخبار في تصديقها وتقريرها وتكذيبها وتوهينها فانّ في كيفيّة خلقة آدم (ع) وحوّاء (ع) وتناسلهما وتناكحهما وتناكح أولادهما ، وكذا في قصّة هاروت وماروت وقصّة داود (ع) وغير ذلك اختلافا كثيرا في الاخبار واضطرابا شديدا بحيث يورث التحيّر والاضطراب لمن لا خبرة له ، حتّى يكاد يخرج من الدّين ولكنّ الرّاسخين في العلم يعلمون انّ كلّا من معادن النبوّة ومحالّ الوحي صدر ولا اختلاف فيها ولا اضطراب ؛ جعلنا الله منهم والله ولىّ التّوفيق ، ولمّا كان المقصود الوصاية في امر الأيتام والاهتمام بهم وبأموالهم اكّد الأمر بالتّقوى بالتّكرير فقال تعالى (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) وعلّقه اوّلا على وصف الرّبوبيّة المقتضيّة للتّقوى عن مخالفته ووصفه أيضا بما يقتضي التّقوى وعلّقه ثانيا على وصف الإلهيّة ووصفه بما يقتضي تعظيمه وقرن الأرحام به بالعطف على الضّمير المجرور أو على الله مبالغة في حفظ الأرحام وتمهيدا لإظهار المقصود من حفظ الأيتام فانّ الحافظ للأيتام في الأغلب ذوو الأرحام ومحافظة الرّحم وتعظيمه ممّا يحكم به العقل والعرف وورد في الشّريعة ما لا يحصى في الاهتمام به.
اعلم انّ الله تعالى شأنه خلق الإنسان ذا نشأتين وبحسب كلّ نشأة جعل له أصولا وفروعا ويسمّى أصوله وفروعه ومن انتهى معه الى أصل واحدا رحاما لانتهائهم الى رحم واحد والتّفاضل بين أرحامه الجسمانيّة وأرحامه الرّوحانيّة كالتّفاضل بين الرّوح والجسم ، وفضل صلة الأرحام الرّوحانيّة على الجسمانيّة كفضل الرّوح على الجسم لا يقال : من انتسب الى الشّيطان كان نسبته الرّوحانيّة الى الشّيطان وكان المنتسب الى الشّيطان رحما له فيلزم له مراعاته وصلته مع انّه مأمور بمباغضته وقطيعته لانّا نقول : كما اسّس الله تعالى لصحّة النّسبة الجسمانيّة في كلّ ملّة وشريعة ما تبتنى عليه ومن لم تكن نسبته مبتنية على ما اسّسه كان لغيّة وحاله مع أصوله وفروع أصوله كحال الاجنبىّ من غير فرق ومن لم يكن رحما لهم كما لم يكونوا أرحاما له كذلك اسّس الله تعالى