فيه (فَإِنْ أَعْرَضُوا) صرف الخطاب عنهم الى محمّد (ص) (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) يعنى لا تغتمّ باعراضهم لانّا ما أرسلناك عليهم حفيظا (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) وقد بلّغت (وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) نعمة دنيويّة أو نعمة اخرويّة من العلوم والإلهامات والمكاشفات (فَرِحَ بِها) اى بالرّحمة من حيث صورتها لا من حيث أنعامنا لانّ نفس الإنسان ما دامت حاكمة في وجوده لا تنظر الى المنعم وانعامه في النّعمة بل تنظر الى صورة النّعمة ونسبتها الى نفسها لا نسبتها الى المنعم والّا لم يفرح بصورة النّعمة بل بالمنعم أو يغتمّ بصورة النّعمة لاحتمال استدراجه تعالى بالنّعمة (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) للنّعمة السّابقة ولا يتذكّرها ولا يشكرها ، وتكرار الإنسان للاشارة الى انّ ذلك من مقتضى خلقته ، ولا يخفى وجه تخالف الفقرتين فانّ الرّحمة لمّا كانت ذاتيّة لمشيّته تعالى أتى في جانبها بالتّأكيدات وبأداة التّحقيق ونسب اذاقتها الى نفسه ونسب الرّحمة أيضا الى نفسه ، وأتى في جانب المصيبة بأداة الشّكّ ولم يأت بالتّأكيد ولم ينسب المصيبة الى نفسه وجعل سبب وصولها إليهم ما كسبت أيديهم (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : فما لله في المصائب من صنع (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) من خير وشرّ ورحمة ومصيبة (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) نكّر الإناث وعرّف الذّكور للاشارة الى انّ الإناث لتنفّر الاناسىّ منهنّ كأنّهنّ منكورات عند نفوسهم ، وانّ الذّكور لحبّهم لهم معهودون عندهم حاضرون في أذهانهم (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً) يعنى يعطى لبعض الإناث فقط ، ولبعض الذّكور فقط ، ويجمع بينهما لبعض (وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) فكلّ ذلك بإعطاء الله ومنعه لا بأسباب طبيعيّة كما يقوله الطّبيعىّ والّذين ينظرون الى الأسباب الطّبيعيّة (إِنَّهُ عَلِيمٌ) بصلاح كلّ وما يصلحه وما يفسده فيعطى ما يصلحه ويمنع ما يفسده (قَدِيرٌ) على ذلك سواء وافقه الأسباب الطّبيعيّة أم لم توافقه (وَما كانَ لِبَشَرٍ) ما ينبغي له وما كان في سجّيّته (أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ) لانّ البشريّة لتحدّدها بحدود كثيرة سفليّة لو سمعت كلام الله من دون تنزّله الى مقام البشريّة المحدودة لفنت وهلكت لانّه كالشّمس وحدود البشريّة كالفيء (إِلَّا وَحْياً) الوحي في اللّغة الاشارة والكتابة والمكتوب والرّسالة والإلهام والكلام الخفىّ وكلّما ألقيته الى غيرك لكنّ المراد معه هنا معنى اعمّ من الإلهام والكتابة اى الكتابة في الألواح الغيبيّة والرّسالة لكن رسالة الملك مثل جبرئيل (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) مثل تكلّمه مع موسى (ع) من الشّجرة ومثل تكلّمه مع محمّد (ص) ليلة ـ المعراج من وراء السّتر (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) اى الّا ان يرسل رسولا بشريّا (فَيُوحِيَ) ذلك الرّسول البشرىّ (بِإِذْنِهِ) اى يتكلّم مع سائر البشر بكلام خفىّ البطون جلّى الظّهور فانّ كلام ذلك الرّسول البشرىّ لكونه نائبا عن الله تعالى شأنه ومظهرا له كلام الله ، ولكلامه بمضمون ما ورد في الاخبار الكثيرة انّ حديثهم صعب مستصعب وسرّ مستسرّ ومقنّع بالسّرّ بطون خفيّة غاية الخفاء وظهر جلّى غاية الجلاء ، وقرئ يرسل ويوحى بالنّصب عطفا على وحيا بجعله تميزا أو مفعولا مطلقا من غير لفظ الفعل ، وقرءا بالرّفع عطفا على وحيا بجعله حالا بمعنى الفاعل (ما يَشاءُ) الرّسول أو الله تعالى أو ما يشاء ذلك البشر الّذى أرسل الله اليه بلسان استعداده (إِنَّهُ عَلِيٌ) فلا يقدر على سماع كلامه بشر دان (حَكِيمٌ) لا يدعهم من غير تكلّم معهم لاقتضاء حكمته إلقاء الحكم والمصالح إليهم واقتضائها جعل الوسائط في ذلك الإلقاء حتّى لا يهلكوا حين الإلقاء (وَكَذلِكَ) التّكلّم بالانحاء الثّلاثة (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) اى أرسلنا