لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) من الإغناء أو من عذاب الله (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً) ظرف لقوله تعالى لن تغني أو ليحلفون ، على ان يكون الفاء زائدة أو بتقدير امّا أو توهّمها (فَيَحْلِفُونَ لَهُ) اى لله في القيامة (كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) في الدّنيا (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ) حيث يقولون انّما أردنا بذلك تقوية الدّين ونشر سنّة سيّد المرسلين (ص) ويحلفون لله ظنّا منهم انّ هذا منهم كان حقّا وانّ الله يقبل منهم بحلفهم (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) البالغون في الكذب لانّ كذبهم مثل جهلهم مركّب لا علاج له لانّهم اعتقدوا انّهم صادقون فلا يمكن ارتداعهم من كذبهم.
اعلم ، انّ كلّ من اتّصف بصفة وطلب امرا يعتقد انّ اتّصافه بتلك الصّفة محمود مرضىّ لله وطلبه لذلك الأمر المطلوب مرضىّ الّا من شذّ كما انّ علماء العامّة الّذين أرادوا إصلاح الدّين وحفظه بالقياس والرّأى والظّنّ والاستحسان الّتى ابتدعوها وليس هذا الّا هدم الدّين وصدّ العباد عن الائمّة (ع) والعلماء يحسبون انّهم مهتدون وانّهم مصلحون للدّين وللعباد ، وانّ للمصيب منهم أجرين وللمخطى اجرا واحدا بل قال المصوّبة منهم ان لا خطاء في آرائهم وانّ حكم الله تابع لآرائهم وهكذا كان الحال فيهم الى يومنا هذا (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) استولى وغلب عليهم بحيث تمكّن منهم (فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ) الفطرىّ أو الاختيارىّ (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) لاتلافهم بضاعتهم الّتى هي فطرتهم الانسانيّة ومدّة أعمارهم الشّريفة وأخذ العذاب المؤبّد عوضها وعوض النّعيم الأبديّ الّذى كان مقرّرا لفطرتهم وعوضا لأعمارهم ، وقيل في قوله يوم يبعثهم الله إذا كان يوم القيامة جمع الله الّذين عصبوا آل محمّد (ص) حقّهم فيعرض عليهم أعمالهم فيحلفون له انّهم لم يعملوا منها شيئا كما حلفوا لرسول الله (ص) في الدّنيا حين حلفوا ان لا يردّوا الولاية في بنى هاشم* وحين همّوا بقتل رسول الله (ص) في العقبة فلمّا اطلع الله نبيّه (ص) وأخبره حلفوا له انّهم لم يقولوا ذلك ولم يهمّوا به حين انزل الله على رسوله (ص) (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) ، ونقموا الّا ان أغناهم الله ورسوله (ص) من فضله فاذا عرض الله عزوجل ذلك عليهم في القيامة ينكرونه ويحلفون له كما حلفوا لرسول الله (ص) (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) يغاضبونه أو يناهضونه في الحرب أو يخالفونه (أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) في جملة من هو اذلّ الخلق (كَتَبَ اللهُ) تعليل للسّابق (لَأَغْلِبَنَ) لمّا اجرى كتب مجرى القسم في الإتيان به للتّأكيد أتى له بجواب مثل جواب القسم (أَنَا وَرُسُلِي) في الدّنيا بالحجّة والدّين وعلى جنود الشّياطين الّذين كانوا في مملكتهم وان صاروا مغلوبين بحسب أجسامهم بعض الأحيان (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) تعليل للسّابق (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) وذلك لانّ نسبة الايمان الى صاحب الايمان إذا ظهرت وقويت غلبت على النّسب الجسمانيّة لانّ الإنسان بالبيعة الخاصّة الولويّة ودخول الايمان والصّورة الولويّة في قلبه بالبيعة يصير فعليّته الاخيرة هي فعليّة الايمان ويكون الحكم لتلك الفعليّة لا للفعليّات السّابقة الّتى هي كالمادّة ويكون محبّته ناشئة عن تلك الفعليّة ، وتلك الفعليّة مضادّة لمن حادّ الله ورسوله فلا يصير محبّته النّاشئة عن صورة ولىّ الأمر متعلّقة بمن ضادّ تلك الفعليّة (أُولئِكَ كَتَبَ) اى كتب الله ، وقرئ كتب مبنيّا للمفعول اى ثبت ورسخ (فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) وهو الصّورة الدّاخلة في قلوبهم من ولىّ أمرهم (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) المقصود من الرّوح هو ربّ النّوع الانسانىّ وتأييده بالرّوح بان يوكّل عليه ملكا من جنود هذه الرّوح يؤيّده ويسدّده به