فكيف لا يعلم حالكم حين حيوتكم الدّنيويّة أو حين بعثكم (وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) يعنى لا تظهروا طهارة أنفسكم ولا تمدحوها عند الله وعند رسوله فانّه اعلم بحالكم منكم بل اتّقوا سخط الله ، أو اتّقوا الشّرك ، أو اتّقوا الشّرك بالولاية عند أنفسكم فلا تظهروا تقويكم فانّه اعلم بتقويكم (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطى قَلِيلاً) قال في المجمع ، نزلت الآيات السّبع من قوله : أفرأيت الّذى (الى سبع آيات) في عثمان بن عفّان كان يتصدّق وينفق ماله فقال اخوه من الرّضاعة عبد الله بن سعد بن ابى سرح : ما هذا الّذى تصنع؟ يوشك ان لا يبقى لك شيء : فقال عثمان : انّ لي ذنوبا وانّى اطلب بما اصنع رضا الله وأرجو عفوه ، فقال له عبد الله : أعطني ناقتك برحلها وانا أتحمّل عنك ذنوبك كلّها ، فأعطاه وأشهد عليه وأمسك عن الصّدقة ، فنزلت : أفرأيت الّذى تولّى اى يوم أحد حين ترك المركز ، وأعطى قليلا ثمّ قطع نفقته الى قوله : وانّ سعيه سوف يرى فعاد عثمان الى ما كان عليه ، وقيل : نزلت في الوليد بن المغيرة ، ونقل نظير ما نقل لعثمان ، وقيل : نزلت في العاص بن وائل السّهمىّ ، وقيل : في رجل قال لأهله : جهّزونى حتّى انطلق الى هذا الرّجل ، يريد النّبىّ (ص) ، فتجهّز وخرج فلقيه رجل من الكفّار فقال له مثل ما قيل لعثمان ، وقيل : نزلت في ابى جهل وذلك انّه قال والله ما يأمرنا محمّد (ص) الّا بمكارم الأخلاق فذلك قوله اعطى قليلا (وَأَكْدى) اكدى بمعنى بخل ، أو قلّ خيره ، أو قلّل عطاءه (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى) ببصيرته انّ غيره يتحمّل عنه ذنوبه ، أو يرى انّه صار مطهّرا من الذّنوب ، أو يرى انّه لا عقوبة عليه (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) مبالغة في الوفاء والإيفاء والمعنى بالغ في الوفاء بعهد الله الّذى أخذ منه ، وتقديم موسى (ع) لكونه أقرب الى المخاطبين المعاتبين ولكون صحفه أشهر وأظهر (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) وجدّ ، لفظة ما مصدريّة ، أو موصولة ، أو موصوفة ، وما ورد من انتفاع الأموات بالتّصدّقات والخيرات من الأحياء ليس من قبيل الانتفاع بسعى الغير بل الانتفاع بالمحبّة الّتى دخل منهم في قلوب الأحياء من سعيهم في الدّنيا (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ) اى يجزى السّاعى بسعيه (الْجَزاءَ الْأَوْفى وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) انتهاء الكلّ وانتهاء أعمالهم فيجزيهم بنفسه الجزاء الأوفى فما لهم يعبدون غيره (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى) اسرّوا حزن أو انّه أضحك السّماء برفع الغيم وابكى السّماء بالمطر (وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى) إذا تتحوّل من الدّم منيّا ، أو إذا تنزّل الى الرّحم (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى) اى اغنى بالأموال وجعلهم مدّخرين بأصول الأموال وبضاعاتهم ، وقيل : اقنى بمعنى اخدم ، وقيل : اقنى بمعنى ارضى ، وقيل : اغنى بالكفاية واقنى بالزّيادة ، وقيل : اقنى بمعنى حرم (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) كوكب في السّماء كانت قريش وقوم من العرب يعبدونه (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى وَثَمُودَ فَما أَبْقى) منهم أحدا (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ) اى من قبل عاد وثمود (إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى) اى أسقطها ، والمراد بالمؤتفكة قرى قوم لوط ائتفكت بأهلها اى انقلبت (فَغَشَّاها ما غَشَّى) بالعذاب فما لهم ينظرون الى غيره ويستمدّون من غيره ويعبدون أو يتّبعون غيره (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى) الخطاب عامّ أو خاصّ بمحمّد (ص) على : ايّاك اعنى واسمعي يا جارة ، يعنى كلّ هذه المذكورات من النّعم والنّقم من آلاء ربّك ، لانّ هذه النّقم أيضا نعم لمن كان بعد الماضين