قوس إذا انعطفت قوسان ما بين مقبضها ورأس كلّ طرف منها ، وعن الصّادق (ع): انّه سئل كم عرج برسول الله (ص)؟ ـ فقال : مرّتين فأوقفه جبرئيل موقفا فقال : مكانك يا محمّد (ص) فقد وقفت موقفا ما وقفه ملك ولا نبىّ قطّ ، انّ ربّك يصلّى ، فقال : يا جبرئيل ، وكيف يصلّى؟ ـ قال : يقول سبّوح قدّوس انا ربّ الملائكة والرّوح ، سبقت رحمتي غضبى ، فقال : اللهمّ عفوك عفوك ، قال : وكان كما قال الله : قاب قوسين أو ادنى ، قيل : ما قاب قوسين أو ادنى؟ ـ قال : ما بين سيتها (١) الى رأسها ، قال : فكان بينهما حجاب يتلألأ يخفق ولا أعلمه الّا وقد قال : زبرجد ، فنظر في مثل سمّ الإبرة الى ما شاء الله من نور العظمة ، فقال الله تبارك وتعالى : يا محمّد (ص) ، قال : لبّيك ربّى ، قال : من لامّتك من بعدك؟ ـ قال : الله اعلم ، قال : علىّ بن ابى طالب (ع) أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وقائد الغرّ المحجّلين ، ثمّ قال الصّادق (ع): والله ما جاءت ولاية علىّ (ع) من الأرض ولكن جاءت من السّماء مشافهة ، وقال في الصّافى ، وفي التّعبير عن هذا المعنى بمثل هذه العبارة اشارة لطيفة الى انّ السّائر بهذا السّير منه سبحانه نزل واليه صعد ، وانّ الحركة الصّعوديّة كانت انعطافيّة وانّها لم تقع على نفس المسافة النّزوليّة بل على مسافة اخرى كما حقّق في محلّه فسيره كان من الله والى الله وفي الله وبالله ومع الله تبارك وتعالى (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) أبهم الموحى للتّفخيم وقد مضى في آخر البقرة انّه كان فيما اوحى اليه قوله تعالى (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) (الآية) وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم (ع) الى ان بعث الله محمّدا (ص) وعرضت على الأمم فأبوا ان يقبلوها من ثقلها ، وقبلها رسول الله (ص) ، وعرضها على أمّته فقبلوها ، وقد مضى في آخر البقرة بيان هذه الآية وعدم منافاتها لما ورد انّه تعالى : لا يؤاخذ العباد على الخطرات والوساوس وعزم المعاصي (ما كَذَبَ) قرئ بتخفيف الذّال وتشديدها (الْفُؤادُ) اى فؤاد محمّد (ص) ولم يضفه اليه لإيهام ان ليس فؤاد غير فؤاده ، وانّ المطلق ينصرف اليه (ما رَأى) في بعض الاخبار انّ محمّدا (ص) رأى ربّه بفؤاده لا بالبصر ، وفي بعض : لقد رأى من آيات ربّه الكبرى وآيات الله غير الله ، أو رأى خلافة علىّ (ع) وعلىّ أكبر الآيات ، أو رأى جبرئيل على صورته الّتى خلق عليها ، ولم يره أحد كذلك (أَفَتُمارُونَهُ) أفتجادلونه ، وقرئ أفتمرونه من مرى بمعنى أتغلبونه في المحاجّة وتنكرونه؟! فانّهم كانوا يجادلونه في خلافة علىّ (ع) (عَلى ما يَرى) كان الأوفق ان يقول على ما رأى لكنّه ادّاه بالمضارع للاشعار باستمرار الرّؤية منه فانّه كان كلّما نظر بفؤاده رأى خلافة علىّ (ع) وولايته بعده ، وسئل رسول الله (ص) عن ذلك الوحي ، فقال: اوحى الىّ انّ عليّا (ع) سيّد المؤمنين ، وامام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، واوّل خليفة يستخلفه خاتم النّبيّين (ص) ، فدخل القوم في الكلام فقالوا : امن الله أو من رسوله؟ ـ فقال الله جلّ ذكره لرسوله قل لهم : ما كذّب الفؤاد ما رأى ثمّ ردّ عليهم فقال : أفتمارونه على ما يرى فقال لهم رسول الله (ص): قد أمرت فيه بغير هذا ، أمرت ان أنصبه للنّاس ، فأقول : هذا وليّكم من بعدي ، وانّه بمنزلة السّفينة يوم الغرق ، من دخل فيها نجا ، ومن خرج عنها غرق (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) في نزول أخر من عرش الرّبّ أو مرّة اخرى من غير اعتبار النّزول فيها فانّها تستعمل في معنى المرّة من غير اعتبار معنى مادّته (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) اى عند سدرة الواقعة في منتهى مقامات الإمكان ، وتسمية الشّجرة النّوريّة الواقعة في منتهى المقامات بالسّدرة لانّها ليس عندها الّا الحيرة والدّهشة ، والسّادر هو المتحيّر وهي شجرة عن يمين العرش فوق السّماء السّابعة ينتهى إليها علم كلّ ملك ، وينتهى إليها اعمال الخلائق من الاوّلين والآخرين ، وإليها ينتهى الأرواح الصّاعدة ، ولا يتجاوز عنها من كان مقيّدا بقيود الحدود ، ولذلك قال جبرئيل في هذا المقام : لو دنوت أنملة لاحترقت ، وهي شجرة طوبى ، وهي شجرة النّبوّة
__________________
(١) السّية كالعدة من الوعد القوس ما عطف من طرفيها.