(فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ) اخبار عن حالهم بانّهم قاتلهم الله عن الحيوة الانسانيّة ، أو اخبار عمّا يفعل بهم بعد لكنّه ادّاه بالماضي لتحقّق وقوعه ، أو دعاء عليهم بمقاتلة الله لهم (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) كيف يصرفون عن الحقّ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) كناية عن الإنكار والاستكبار (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ) يعرضون أو يمنعون (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) عن الإتيان والاعتذار والاستغفار (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) تعليل لاستواء الاستغفار وعدمه ومبالغة في بأسهم عن مغفرة الله فانّ عدم مغفرته مع استغفار الرّسول (ص) دليل ان ليس فيهم ما يمكن المغفرة لهم (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) تعليل آخر والمقصود عدم الهداية الى الجنّة أو الى الحقّ (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) يتفرّقوا (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) جملة حاليّة (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ) الّذين يقولون لا تنفقوا حتّى ينفضّوا (لا يَفْقَهُونَ) اى لا يدركون ذلك إدراكا اخرويّا (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) كنّوا عن أنفسهم بالاعزّ وعن المؤمنين بالأذلّ (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) انّ العزّة الدّنيويّة والاخرويّة لله وعند الله ولمن كان من حزب الله وان كانوا بحسب الانظار الظّاهرة مغلوبين ، نزلت الآيات كما عن القمّىّ ، في غزوة بنى المصطلق في سنة خمس من الهجرة وكان رسول الله (ص) خرج إليها فلمّا رجع منها نزل على بئر وكان الماء قليلا فيها وكان سيّار حليف الأنصار وكان جهجاه بن سعيد الغفارىّ أجيرا لعمر بن الخطّاب فاجتمعوا على البئر فتعلّق دلو سيّار بدلو جهجاه فقال سيّار : دلوي وقال جهجاه : دلوي ، فضرب جهجاه يده على وجه سيّار فسال منه الدّم فنادى سيّار بالخزرج ونادى جهجاه بقريش فأخذ النّاس السّلاح وكاد ان تقع الفتنة فسمع عبد الله بن ابىّ النّداء فقال : ما هذا؟ ـ فأخبروه بالخبر فغضب غضبا شديدا ثمّ قال : قد كنت كارها لهذا المسير انّى لا ذلّ العرب؟! ما ظننت انّى أبقى الى ان اسمع مثل هذا فلا يكون عندي تغيير ، ثمّ اقبل على أصحابه فقال : هذا عملكم ، أنزلتموهم منازلكم وواسيتموهم بأموالكم ، ووقيتموهم بأنفسكم وأبرزتم نحوركم للقتل ، فأرمل نساءكم وأيتم صبيانكم ، ولو أخرجتموهم لكانوا عيالا على غيركم ، ثمّ قال : لئن رجعنا الى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الاذلّ ، وكان في القوم زيد بن أرقم وكان غلاما قد راهق وكان رسول الله (ص) في ظلّ شجرة في وقت الهاجرة وعنده قوم من أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فجاء زيد فأخبره بما قال عبد الله بن ابىّ ، فقال رسول الله (ص): لعلّك وهمت يا غلام؟ ـ قال : لا والله ما وهمت ، فقال : لعلّك غضبت عليه؟ قال : لا والله ما غضبت عليه ، قال : فلعلّه سفّه عليك؟ ـ قال : لا والله ، فقال رسول الله (ص) لشقران مولاه فأحدج (١) فاحدج راحلته وركب وتسامع النّاس بذلك ، فقالوا : ما كان رسول الله (ص) ليرحل في مثل هذا الوقت فرحل النّاس الى ان قال : فسار رسول الله (ص) يومه كلّه لا يكلّمه أحد فأقبلت الخزرج على عبد الله بن ابىّ يعذلونه فحلف عبد الله انّه لم يقل شيئا من ذلك ، فقالوا : فقم بنا الى رسول الله (ص) حتّى نعتذر اليه فلوّى عنقه ، فلمّا جنّ اللّيل سار رسول الله (ص) ليله كلّه والنّهار فلم ينزلوا الّا للصّلوة ، فلمّا كان من الغد نزل رسول الله (ص) ونزل أصحابه وقد أمهدهم الأرض من السّهر الّذى أصابهم ، فجاء عبد الله بن ابىّ الى رسول الله (ص) فحلف انّه لم يقل ذلك وانّه ليشهد ان لا اله الّا الله وانّك لرسول الله وانّ زيدا قد كذب علىّ ، فقبل رسول الله (ص) منه وأقبلت الخزرج على زيد بن أرقم يشتمونه (الى ان قال) فنزل الوحي عليه فلمّا نزل جمع أصحابه وقرأ عليهم سورة المنافقين ففضّح الله
__________________
(١) الحدج كالضرب والاحداج شدّ الحمل على البعير ، والحدج بالكسر الحمل.