الكاظم (ع) من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه النّاس لم يغتبه ، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه ممّا لا يعرفه النّاس اغتابه ، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته ، وفي حديث : قولوا في الفاسق ما فيه كى يحذره النّاس ، وفي اخبار عديدة مضمون قول النّبىّ (ص): ايّاكم والغيبة فانّ الغيبة اشدّ من الزّنا ، ثمّ قال : انّ الرّجل يزني ويتوب فيتوب الله عليه ، وانّ صاحب الغيبة لا يغفر له الّا ان يغفر له صاحبه ، والغيبة المحرّمة تكون للمؤمن أو للمسلم مطلقا أو لمن قبل صورة الإسلام منتحلا كان أو مسلما أو مؤمنا ، قال بعض أهل المعرفة : غير المؤمن حكمه حكم الانعام فكما لا غيبة للانعام لا غيبة لغير المؤمن ، ولغير المتّصف بالإسلام حقيقة فانّ منتحل الإسلام كمنتحلى التّهوّد والتّنصّر لا حرمة له انّما الحرمة لمن اتّصل بمظاهر الله بالبيعة العامّة أو الخاصّة ، والتّحقيق انّ رؤية العيب من العباد بل من مطلق خلق الله ليست الّا من نظر ردىّ خسيس وهو النّظر الى الأشياء مباينة للحقّ المقوّم الصّانع لها مع الغفلة عن الحقّ تعالى وصنعه ، ومع النّظر الى النّفس والاعجاب بها ، أو مع الغفلة عنها وعن عيوبها ، وإذا أراد الله بعبد شرّا بصرّه عيوب غيره وأعماه عن عيوب نفسه ، وذكر الأشياء وتعييبها في الحقيقة راجع الى تعييب الصّنع ، والغفلة عن الصّانع وصنعه حين النّظر الى المصنوع كفر للصّانع ، والغفلة من النّفس وعيوبها مذموم ، ورؤية النّفس والاعجاب بها أصل جميع الشّرور ، فرؤية السّوء من غير الإنسان قبيحة ، ورؤيته من الإنسان أقبح ، ومن المنتحل للإسلام اشدّ قبحا ، ومن المسلم اشدّ قبحا ، ومن المؤمن اشدّ قبحا ، وذكره في غيابه أو حضوره بسوء لا قبيح أقبح منه حتّى نسب الى الخبر انّه اشدّ من سبعين زنية مع الامّ تحت الكعبة ، ولذلك نسب الى عيسى (ع) انّه مرّ مع الحواريّين على جيفة كلب منتنة فقال الحواريّون : ما أنتنه ..! فقال عيسى (ع) : ما ابيض أسنانه ..! وروى انّ نوحا مرّ على كلب كريه المنظر فقال نوح : ما أقبح هذا الكلب فجثا الكلب وقال بلسان طلق ذلق : ان كنت لا ترضى بخلق الله فحوّلنى يا نبىّ الله ، فتحيّر نوح واقبل يلوم نفسه بذلك وناح على نفسه أربعين سنة حتّى ناداه الله تعالى الى متى تنوح يا نوح؟ فقد تبت عليك ، وعن النّبىّ (ص): المؤمن إذا كذب بغير عذر لعنه سبعون الف ملك وخرج من قلبه نتن حتّى يبلغ العرش ، ويلعنه حملة العرش وكتب الله عليه بتلك سبعين زنية أهونها كمن يزني مع أمّه ، والكذب قبيح من كلّ أحد خصوصا من المؤمن لكن غيبة المؤمن أقبح منه بمراتب ، وعنه (ص): من آذى مؤمنا فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فهو ملعون في التّوراة والإنجيل والزّبور والفرقان ، وهو ما ذكرنا في سورة البقرة من انّ غيبة المؤمن وذكره بسوء في غيابه وحضوره وايذاءه كلّها راجع الى صاحبه ، فمن اغتاب مؤمنا وذكره بسوء كان كمن اغتاب صاحبه وذكره بسوء ، واغتياب صاحبه الّذى هو أعظم آيات الله وذكره بسوء فوق جميع المعاصي وغايتها كما قال تعالى : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) واستهزؤا بها ، وقال (ص): من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنّة أبدا ، ومن اغتاب مؤمنا بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما ، وكان المغتاب في النّار خالدا فيها وبئس المصير ، فالغيبة بما ليس في المؤمن تجمع خواصّ الغيبة والكذب جميعا ، وقال (ص): انّه يؤتى بأحد يوم القيامة يوقف بين يدي الله ويدفع اليه كتابه فلا يرى حسناته فيقول : إلهي ليس هذا كتابي! لانّى : لا ارى فيها طاعتي! فيقول له : انّ ربّك لا يضلّ ولا ينسى ، ذهب عملك باغتياب النّاس ، ثمّ يؤتى بآخر ويدفع اليه كتابه فيرى فيه طاعات كثيرة فيقول : ما هذا كتابي! فانّى ما عملت هذه الطّاعات! فيقول : لانّ فلانا اغتابك فدفعت حسناته إليك ، وقال (ص): كذب من زعم انّه ولد من حلال وهو يأكل لحوم النّاس بالغيبة واجتنبوا الغيبة فانّها ادام كلاب النّار ، ونعم ما قال المولوىّ قدسسره :
عيب بر خود نه نه بر آيات دين |
|
كى رسد بر چرخ دين مرغ گلين |
پس تو حيران باش بى لا وبلى |
|
تا ز رحمت پيشت آيد محملي |
عيب باشد كو نبيند جز كه عيب |
|
عيب كى بيند روان پاك غيب |
اى خنك جانى كه عيب خويش ديد |
|
هر چه عيبى ديد آن بر خود خريد |