ينحر النّبىّ (ص) قبل ان يصلّى فامر ان يصلّى ثمّ ينحر ، وقيل : كان أقوام يصلّون لغير الله وينحرون لغير الله فأمره ان يصلّى لله وينحر لله ، وقيل : صلّ الصّلوة المكتوبة واستقبل القبلة بنحرك فانّه يقول العرب : منازلنا تتناحر يعنى بعضها يستقبل بعضا ، وفي خبر قال ابو عبد الله (ع) في قوله : فصلّ لربّك وانحر هو رفع يديك حذاء وجهك ، وفي خبر قال النّبىّ (ص) لجبرئيل : ما هذه النّحيرة الّتى أمرني بها ربّى؟ ـ قال : ليست بنحيرة ولكنّه يأمرك إذا تحرّمت للصّلوة ان ترفع يديك إذا كبّرت ، وإذا ركعت ، وإذا رفعت رأسك من الرّكوع ، وإذا سجدت ؛ فانّه صلوتنا وصلوة الملائكة في السّماوات السّبع (إِنَّ شانِئَكَ) اى مبغضك (هُوَ الْأَبْتَرُ) اى المنقطع عن الخير أو عن الولد أو عن الصّيت في النّاس أو عن الدّين ، قيل : انّ العاص بن وائل التقى رسول الله (ص) عند باب المسجد وتحدّثا وأناس من قريش جلوس في المسجد فلمّا دخل العاص قالوا : من الّذى كنت تتحدّث معه؟ ـ قال : ذلك الأبتر فسمّاه أبتر لانّه كان له ولد اسمه عبد الله وكان من خديجة فمات ولم يكن له ابن غيره ، وكانوا يسمّون من لم يكن له ولد أبتر.
سورة الكافرون
مكّيّة ، وقيل : مدنيّة ستّ ايات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) روى انّ نفرا من قريش اعترضوا لرسول الله (ص) فقالوا : يا محمّد (ص) هلمّ نعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد فنشرك نحن وأنت في الأمر؟ فقال : معاذ الله ان أشرك به غيره ، قالوا : فاستلم بعض الهتنا نصدّقك ونعبد إلهك ، فقال : حتّى انظر ، فنزلت السّورة فأيس قريش من محمّد (ص) وتصديقه ، وقد مضى في الفصل السّادس من فصول اوّل الكتاب انّ القارى ينبغي ان يجاهد حتّى يشاهد أو يتّحد مع خلفاء الله أو مع فعل الله فيصير لسانه لسان الله أو لسان خلفائه ، فيصير حين قراءة أمثال هذه السّورة عن مخاطبات الله آمرا من الله بل يصير امره امر الله ؛ فاعلم انّ الإنسان لكونه مختصرا من جميع العوالم وفيه لطائف جميع العوالم ولطائف جميع مقامات الأنبياء والأولياء (ع) ينبغي ان يجاهد وقت قراءته حتّى يصير لسانه لسان الله أو لسان وسائط الوحي ويصير سمعه سمع اللّطيفة النّبويّة فاذا قال : قل ، يصير ذلك القول امرا من الله باللّسان المنسوب الى الله أو الى الملك المبلّغ من الله ويصير المستمع لطيفته النّبويّة فيتمثّل الأمر ويخاطب كفّار وجوده من القوى البهيميّة والسّبعيّة والشّيطانيّة بعد إبائهم عن اتّباعه وإصرارهم على كفرهم وعبادتهم أصنامهم الّتى هي اهويتهم وبعد دعوتهم نبيّهم الّذى هو لطيفته النّبويّة الى موافقتهم فيقول : يا ايّها الكافرون (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) اى لا اعبد في المستقبل لانّ لا لا تستعمل في الحال (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ) في المستقبل فانّ الصّيغة وان كانت مشتركة بين الازمنة الثّلاثة لكنّها مخصّصة بالاستقبال بقرينة ما قبلها (ما أَعْبُدُ) في الحال أو في الحال والاستقبال (وَلا أَنا عابِدٌ) في الماضي بقرينة ما بعده ، أو في الماضي والحال أو مطلقا (ما عَبَدْتُّمْ) في الماضي (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) وأشار بتغيير الصّيغة في جانب الكفّار الى انّهم كانوا عابدين لاهويتهم بعبادة الأصنام واهويتهم غير ثابتة بل هي متغيّرة متبدّلة فكان معبودهم في الأمس غير معبودهم في الحال والمستقبل ، وبتوافق الصّيغة في جانب محمّد (ص) الى انّ معبوده كان في الماضي والحال والآتي واحدا غير متعدّد ولا مختلف ولا يحصل تلك