الّذى نزل من السّماء السّابعة ليلة المعراج ، وعن ابن عبّاس انّه قال : صلّينا العشاء الآخرة ذات ليلة مع رسول الله (ص) فلمّا سلّم اقبل علينا بوجهه ثمّ قال : انّه سينقضّ كوكب من السّماء مع طلوع الفجر فيسقط في دار أحدكم ، فمن سقط ذلك الكوكب في داره فهو وصيّي وخليفتي والامام بعدي ، فلمّا كان قرب الفجر جلس كلّ واحد منّا في داره ينتظر سقوط الكوكب في داره وكان أطمع القوم في ذلك ابى العبّاس ، فلمّا طلع الفجر انقضّ الكوكب من الهواء فسقط في دار علىّ بن ابى طالب (ع) فقال رسول الله (ص) لعلىّ (ع) : يا علىّ والّذى بعثني بالنّبوّة لقد وجب لك الوصيّة والخلافة والامامة بعدي ، فقال المنافقون عبد الله بن ابىّ وأصحابه : لقد ضلّ محمّد في محبّة ابن عمّه وغوى ، وما ينطق في ساعته الّا بالهوى ، فأنزل الله هذه الآية (الى آخر الحديث) (إِذا هَوى) سقط وغرب ، أو إذا صعد وارتفع ، فانّه يستعمل فيهما (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ) يا قريش (وَما غَوى) يعنى ما ضلّ عن طريق الحقّ في الأعمال والأقوال الظّاهرة وما ضلّ في العلوم والعقائد الباطنة (وَما يَنْطِقُ) بالقرآن أو بالولاية أو بمطلق ما ينطق به أو بالاحكام الشّرعيّة (عَنِ الْهَوى) اى هوى نفسه من دون امر ربّه (إِنْ هُوَ) اى نطقه أو القرآن أو امر الولاية (إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) يعنى انّه خرج من انانيّته وصار انانيّته انانيّة الله فلم يكن منه فعل أو قول أو خلق الّا بوحي من الله وانانيّته (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) جمع القوّة مقابلة الضّعف ، ولمّا كان قوّة جبرئيل في جميع ماله من أنواع الإدراكات والتّصرّفات جمع القوى (ذُو مِرَّةٍ) ذو متانة في عقله وثبات من امره ، فانّ صاحب المرّة يكون صاحب ثبات في الأمر ولذلك ورد انّه : ما بعث نبىّ قطّ الّا كان ذا مرّة سوداء (فَاسْتَوى) اى فاستقام على صورته الحقيقيّة الّتى خلقه الله عليها ، قيل : ما رآه أحد من الأنبياء في صورته غير محمّد (ص) نبيّنا فانّه رآه على صورته مرّتين ، مرّة في السّماء ومرّة في الأرض ، وقيل : فاستوى على جميع ما في الأرض أو على ما امره الله به ، وقيل : فاستوى محمّد (ص) اى استقام في امره وتمكّن ، وعلى اىّ تفسير فالإتيان بالفاء كان في محلّه ، وقيل : كان جبرئيل يأتى النّبىّ (ص) في صورة الآدميّين فسأله رسول الله (ص) ان يريه نفسه على صورته الّتى خلق عليها ، فأراه نفسه مرّتين ، مرّة في الأرض ومرّة في السّماء ، امّا في الأرض فانّ محمّدا (ص) كان بحراء فطلع له جبرئيل من المشرق فسدّ الأفق الى المغرب فخرّ النّبىّ (ص) مغشيّا عليه ، فنزل جبرئيل في صورة الآدميّين فضمّه الى نفسه (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) اى جبرئيل بالأفق الأعلى وهو أفق عالم العقول الّذى هو عالم الجبروت من جهة اللّاهوت ، وكان جبرئيل حين النّزول ينزل من أفق المشرق وهو أعلى من أفق المغرب ، أو المراد انّ محمّدا (ص) كان حين نزول الوحي والتّعليم بالأفق الأعلى يعنى أفق عالم العقول الى اللّاهوت ، أو عالم النّفوس الى العقول ، أو عالم المثال الى النّفوس ، أو أفق عالم الطّبع الى عالم المثال ، فانّه (ص) كان يوحى اليه في جميع تلك الآفاق (ثُمَّ دَنا) جبرئيل من الأفق الأعلى من محمّد (ص) (فَتَدَلَّى) في الهواء ، أو ثمّ دنى محمّد (ص) من الأفق الأعلى من الله ، فتدلّى من أنانيّته وتدلّى تحت العرش ، فلم يبق له مقام ومكان ولا انانيّة يعتمد عليها بل صار تدليّا من غير ذات متدلّية ، وقرئ فتدانى ، وسئل الكاظم (ع) عن قوله دنى فتدلّى ، فقال : انّ هذه لغة في قريش إذا أراد الرّجل منهم ان يقول : قد سمعت يقول قد تدلّيت وانّما التّدلّى الفهم (فَكانَ) الامتداد والمسافة بينهما (قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) اى بل ادنى وقاب القوس ما بين مقبضها الى رأسها ، ولكلّ قوس قابان ، ولذلك قيل : انّه على القلب والأصل قابى قوس لكن ليس هذا على القلب وليس المقصود انّه كان بينهما مقدار قابى القوس بل المقصود انّه كان بينهما مقدار قاب واحد من القوس إذا انعطفت لا إذا كانت مستقيمة ، فانّ القوس قطعة من الدّائرة ولكلّ