وجعلوا قوله : [الكامل]
٥٢٦٣ ب ـ ........... |
|
يبغي جوارك حيث ليس مجير (١) |
أي : في الدنيا ، ضرورة ، ووجه من منع من ذلك أنه قال : صار الخبر مطلوبا من جهتين: من جهة كونه مخبرا به ، فهو أحد جزئي الإسناد ، ومن حيث كونه منصوبا بالفعل ، وهذا منتقض بمفعولي ظن ، فإن كلّا منهما فيه المعنيان المذكوران ومع ذلك يحذفان ، أو أحدهما اختصارا ، وأما الاقتصار ففيه خلاف وتفصيل وتقدم ذكره.
وقوله : (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ) متعلق ب «لم يكن» أو ب «منفكّين».
فصل
قال الواحديّ : هذه الآية من أصعب ما في القرآن نظما وتفسيرا ، ولم يبين كيفية الإشكال قال ابن الخطيب (٢) : ووجه الإشكال أن تقدير الآية : لم يكن الذين كفروا إلى أن تأتيهم البينة التي هي الرسول ، ثم إنه تعالى لم يذكر الشيء المنفكّ عنه ، والظاهر أن المراد لم ينفكوا عن كفرهم ، حتى تأتيهم البينة التي هي الرسول ، فانفكوا عنه لأن «حتّى» لانتهاء الغاية ، فهذه الآية تقتضي أنهم صاروا منفكين عن كفرهم عند إتيان الرسول صلىاللهعليهوسلم ، لكن قوله تعالى : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يقتضي زيادة كفرهم عند مجيء الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فحينئذ يحصل التناقض ، والجواب من وجوه :
أحدهما : وهو أحسنها ، ما لخصه الزمخشريّ (٣) : أن الأول حكاية ما كانوا يقولونه من أنهصلىاللهعليهوسلم الموعود به لا ننفك عما نحن عليه من ديننا.
والثاني : إخبار عن الواقع ، يعني أنهم كانوا يعدون الاتّفاق على الحق إذا جاءهم الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، والمعنى أن الذي وقع فيه كان خلافا لما ادعوا.
وثالثها : المعنى : لم يكونوا منفكين عن كفرهم ، وإن جاءتهم بينة ، قاله القاضي. إلا أن جعل «حتى» بمعنى «أن» بعيد في اللغة.
ورابعها : المعنى لم يكونوا منفكين عن ذكر محمد صلىاللهعليهوسلم بالمناقب والفضائل ، حتى أتتهم البينة ، والمضارع هنا بمعنى الماضي كقوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ) [البقرة : ١٠١] ، أي ما تلت أي : ما كانوا منفكين عن ذكر مناقبه ، ثم لما جاءهم محمد تفرقوا ، ونظيره (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) [البقرة : ٨٩].
وخامسها : أنهم كانوا متفقين على الكفر قبل البينة ، فلما جاءتهم البينة تفرقوا ، وتكفي هذه المغايرة.
__________________
(١) تقدم.
(٢) الفخر الرازي ٣٢ / ٣٧.
(٣) ينظر : الكشاف ٤ / ٧٨٢.