فأما المسلم فيزداد يقينا وبصيرة في دينه ، وأمّا الكافر فاستهزاء وسخرية ، وعلى سبيل إيراد الشكوك ، والشّبهات.
قال ابن الخطيب (١) : ويحتمل أنهم يسألون الرسول صلىاللهعليهوسلم ويقولون : ما هذا الذي تعدنا به من أمر الآخرة؟.
قوله : (عَنِ النَّبَإِ) يجوز فيه ما جاء في قوله تعالى : (لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) في البدليّة ، والتعلّق بفعل مقدر ، ويزيد عليه هاهنا أنّه يتعلق بالفعل الظاهر ، ويتعلق ما قبله بمضمر كما تقدم عن الزمخشري.
وقال ابن عطية : قال أكثر النحاة : (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) يتعلق ب «يتساءلون» الظاهر كأنه قال : لم يتساءلون عن النبأ ، وقوله : «عمّ» هو استفهام توبيخ وتعظيم.
وقال المهدوي : «عن» ليس تتعلق ب «يتساءلون» الذي في التلاوة ؛ لأنه كان يلزم دخول حرف الاستفهام ، فيكون «أعن النبأ العظيم»؟ كقولك : كم مالك أثلاثون أم أربعون؟ فوجب لما ذكرنا امتناع تعلقه ب «يتساءلون» الذي في التلاوة ، وإنما يتعلق ب «يتساءلون» آخر مضمر ، وحسن ذلك لتقدم «يتساءلون».
قال القرطبي (٢) : «وذكر بعضهم أن الاستفهام في قوله : «عن» مكرر إلا أنّه مضمر كأنه قال : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) ، فعلى هذا يكون متصلا بالآية الأولى ، والنبأ العظيم ، أي : الخبر الكبير ، (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) أي : يخالف فيه بعضهم بعضا فيصدق واحد ويكذب آخر».
قوله : (مُخْتَلِفُونَ) خبر «هم» والجار متعلق ب «هم» ، والموصول يحتمل الحركات الثلاث إتباعا وقطعا رفعا ونصبا.
فصل في المراد بهذا النبأ
قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ «النّبأ» هو القرآن (٣) ، قال تعالى : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) ، فالقرآن نبأ وخبر وقصص ، وهو نبأ عظيم ، وكانوا يختلفون فيه ، فجعله بعضهم سحرا ، وبعضهم شعرا ، وبعضهم قال : أساطير الأولين.
وقال قتادة : هو البعث بعد الموت اختلفوا فيه ، فمصدّق ومكذّب ، ويدل عليه قوله تعالى: (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً)(٤) [النبأ : ١٧].
__________________
(١) الفخر الرازي : ٣١ / ٤.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ١١١.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٩٨) ، وعزاه إلى ابن مردويه عن ابن عباس.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٩٦) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٩٨) ، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر.