وقال أيضا : (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) [الكهف : ٣٦] ، (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) [فصلت : ٥٠] ، فلمّا تكرّر ذكره في القرآن ، ترك الله ذكره ـ هاهنا ـ وقال تعالى : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) أي : ليس الأمر كما يقولون من أن لهم في الآخرة الحسنى ، بل هم عن ربهم يومئذ لمحجوبون. وقال ابن عباس أيضا : «كلّا» يريد لا يصدقون ، ثم استأنف ، فقال : (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ)(١) وقيل : قوله تعالى : «كلّا» تكرير ، وتكون «كلّا» هذه هي المذكورة في قوله : «كلا ، بل ران على قلوبهم».
قوله : (عَنْ رَبِّهِمْ). متعلق بالخبر ، وكذلك «يومئذ» ، والتنوين عوض عن جملة ، تقديرها : «يوم إذ يقوم الناس» ؛ لأنه لم يناسب إلا تقديرها.
فصل في حجب الكفار عن رؤية ربهم
قال أكثر المفسرين : محجوبون عن رؤيته ، وهذا يدل على أن المؤمنين يرون ربهم ـ سبحانه وتعالى ـ ولو لا ذلك لم يكن للتخصيص فائدة.
وأيضا فإنه ـ تعالى ـ ذكر هذا الحجاب في معرض الوعيد ، والتهديد للكفار ، وما يكون وعيدا وتهديدا للكفّار لا يجوز حصوله للمؤمنين ، وأجاب المعتزلة عن هذا بوجوه :
أحدها : قال الجبائي (٢) : المراد أنهم محجوبون عن رحمة ربهم أي : ممنوعون كما تحجب الأم بالإخوة من الثّلث إلى السّدس ، ومن ذلك يقال لمن منع من الدخول : حاجب.
وثانيها : قال أبو مسلم : «لمحجوبون» غير مقرّبين ، والحجاب : الرّد ، وهو ضد القبول ، فالمعنى : أنهم غير مقبولين عند الرؤية ، فإنه يقال : حجب عن الأمير ، وإن كان قد رآه عن بعد ، بل يجب أن يحمل على المنع من رحمته.
وثالثها (٣) : قال الزمخشريّ (٤) : كونهم محجوبين عنه تمثيل للاستخفاف بهم وإهانتهم ؛ لأنه لا يرد على الملوك إلا المكرّمين لديهم ، ولا يحجب عنهم إلا المبانون عنهم.
والجواب : أن الحجب في استعمالاته مشترك في المنع ، فيكون حقيقة فيه ، ومنع العبد بالنسبة إلى الله تعالى ، إمّا عن العلم ، وإمّا عن الرؤية ، والأول : باطل ؛ لأن الكفّار يعلمون الله تعالى ، فوجب حمله على الرؤية.
وأمّا الوجوه المذكورة فهو عدول عن الظاهر من غير دليل ، ويؤيد ما قلنا : أقوال السّلف من المفسرين :
__________________
(١) ذكره البغوي (٤ / ٤٦٠).
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ٨٧.
(٣) في أ : رابعها.
(٤) ينظر : الكشاف ٤ / ٧٢٢.