وقال الراغب : الخد والأخدود : شق في الأرض مستطيل غائص ، وأصل ذلك من خدّي الإنسان ، وهما ما اكتنفا الأنف عن اليمين والشمال ، فالخدّ : يستعار للأرض ونحوها كاستعارة الوجه ، وتخدد اللحم بزواله عن وجه الجسم ، ثم يعبر بالمخدود عن المهزول والخداد : وسم في الخد.
وقال غيره : سمي الخدّ خدّا ؛ لأن الدموع تخد فيه أخاديد ، أي : مجاري ، وجمع الأخدود: أخاديد ، والمخدّة ؛ لأن الخد يوضع عليها ، ويقال : تخدّد وجه [الرجل](١) إذا صارت فيه أخاديد من جراح.
فصل في نزول السورة
هذه السورة نزلت في تثبيت المؤمنين ، وتصبيرهم على أذى المشركين ، وتذكيرهم بما جرى على من تقدمهم من التعذيب على الإيمان حتى يقتدوا بهم ، فيعلموا أنّ كفارهم عند الله ـ تعالى ـ بمنزلة الأمم السابقة.
وكان من حديث أصحاب الأخدود : أنه كان لبعض الملوك ساحر ، فلما كبر ضم إليه غلاما ليعلمه السحر ، وكان في طريق الغلام راهب ، فمال قلب الغلام إلى ذلك الراهب ، ثم رأى في طريقه ذات يوم حيّة قد حبست الناس ، فقال : اللهم إن كان هذا الراهب أحبّ إليك من الساحر فقوّني على قتل هذه الحيّة ، وأخذ حجرا فرماها به فقتلها ، فأعرض الغلام عن تعليم السحر ، واشتغل بطريقة الراهب ، ثم صار إلى حيث يبرىء الأكمه والأبرص ، ويشفي من الأذى ، فاتفق أن عمي جليس الملك ، وأتاه بهدايا كثيرة ، وقال له : إن أنت شفيتني ، فهي لك أجمع ، فقال الغلام : إني لا أشفي أحدا ، إنما يشفي الله تعالى ، فإن آمنت بالله ـ تعالى ـ دعوته شفاك ، فآمن بالله ، فشفاه الله ، فأبرأه فلما رآه الملك ، قال : من ردّ عليك بصرك؟ قال : ربّي ، فغضب الملك وقال : هل لك ربّ غيري؟ قال : ربي وربّك الله ، فعذبه حتى دلّ على الغلام ، فجيء بالغلام ، فقال له الملك : يا بني قد بلغ من سحرك ما يبرىء الأكمه والأبرص ، وتفعل وتفعل؟ فقال : إني لا أشفي أحدا ، إنّما يشفي الله تعالى ، فأخذه ، فلم يزل يعذبه حتى دلّ على الراهب ، فجيء بالراهب ، فقيل له : ارجع عن دينك فأبى ، فوضع المنشار في مفرق رأسه ، فشقّه حتى وقع شقاه ، ثم جيء بالغلام ، فقيل له : ارجع عن دينك ، فأبى ، فدفعه إلى نفر من أصحابه ، فقال : اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا ، فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه من ذروته ، فذهبوا به ، وصعدوا به الجبل ، فقال الغلام : اللهم اكفنيهم بما شئت ، فرجف بهم الجبل ، فسقطوا ، وجاء يمشي إلى الملك ، فقال له الملك : ما فعل أصحابك؟ قال : كفانيهم الله ، فدفعه إلى نفر من أصحابه ، وقال : احملوه في سفينة وتوغّلوا به في البحر ،
__________________
(١) في ب : الأرض.