وقرأ مجاهد ـ أيضا ـ والربيع بن خيثم ، والزعفراني ، والثوري (١) : مبنيا مخففا.
ومعنى «فجّرت» أي : دخل بعضها في بعض ، واختلط العذب بالملح ، فصار واحدا بارتفاع الحاجز الذي جعله الله تعالى برزخا بينهما.
وقيل : إنّ مياه البحار الآن راكدة مجتمعة ، فإذا انفجرت تفرقت ، وذهب ماؤها.
وقال الحسن : فجرت : يبست.
قوله تعالى : (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ). أي : قلبت ، يقال : بعثره وبحثره ـ بالعين والحاء ـ قال الزمخشري (٢) : وهما مركبان من البعث والبحث ، مضموم إليهما راء ، يعني أنهما مما اتفق معناهما ؛ لأن الراء مزيدة فيهما ، إذ ليست من حروف الزيادة وهذا ك «دمث» و «دمثر» و «بسط» و «بسطر».
فصل في المراد ببعثرة القبور
والمعنى : قلب أعلاها وأسفلها ، وقلب ظاهرها وباطنها ، وخرج ما فيها من الموتى أحياء.
وقيل : التبعثر : إخراج ما في باطنها من الذهب والفضة ثم يخرج الموتى بعد ذلك.
وقوله تعالى : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) : جواب «إذا» ، والمعنى : ما قدمت من عمل صالح ، أو شيء ، أو أخرت من سيئة أو حسنة ، وقيل : ما قدمت من الصدقات وأخرت من التركات على ما تقدم في قوله تعالى : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) [القيامة : ١٣].
والمقصود منه الزجر عن المعصية ، والترغيب في الطاعة.
فإن قيل : أيّ وقت من القيامة يحصل هذا العلم؟.
قال ابن الخطيب (٣) : أمّا العلم الإجمالي ، فيحصل في أول زمان الحشر ؛ لأن المطيع يرى آثار السعادة في أول الأمر والعاصي يرى آثار الشقاوة في أول الأمر ، وأمّا العلم التفصيلي ، فإنما يحصل عند قراءة الكتب ، والمحاسبة.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ)(٨)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) أي : المتجاوز.
والعامة : على «غرّك» ثلاثيا ، و «ما» الاستفهامية : في محل رفع على الابتداء.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٤٦ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٢٧ ، والدر المصون ٦ / ٤٨٨.
(٢) ينظر : الكشاف ٤ / ٧١٤.
(٣) الفخر الرازي ٣١ / ٧١.