قال الزجاج : إنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان مطفّف ؛ لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلّا الشيء اليسير الطفيف.
فصل في تعلق هذه السورة بما قبلها
قال ابن الخطيب (١) : اتصال أوّل هذه السورة بالمتقدمة أنّه تعالى بيّن في آخر تلك السورة أنّ من صفة يوم القيامة أنه لا تملك نفس لنفس شيئا ، والأمر يومئذ لله ، وذلك يقتضي تهديدا عظيما للعصاة ، فلهذا أتبعه بقوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) والمراد منه الزجر على التطفيف ، وهو البخس في المكيال والميزان على سبيل الخفية.
واعلم أن الويل كلمة تذكر عند وقوع البلاء ، يقال : ويل لك ، وويل عليك ، وفي اشتقاق لفظ التطفيف قولان :
الأول : قول الزجاج المتقدم.
والثاني : أنّ طف الشيء ، هو جانبه وحرفه يقال : طفّ الوادي والإناء إذا بلغ الشيء الذي فيه حرفه ، ولم يمتلىء ، فهو طفافه وطففه ، يقال : هذا طف المكيال وطفافه إذا قارب ملأه ، لكنه بعد لم يمتلىء ، ولهذا قيل للذي «ينقص» الكيل ولا يوفيه مطفف. لأنه إنما يبلغ الطفاف.
فصل في نزول الآية
روى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم «المدينة» ، كانوا من أبخس النّاس كيلا ، فأنزل الله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) ، فاجتنبوا الكيل ، فخرج رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فقرأها عليهم ، وقال : «خمس بخمس ، ما نقص قوم العهد إلّا سلّط الله عليهم عدوّهم ، ولا حكموا بغير ما أنزل الله إلّا فشا فيهم الفقر ، ولا ظهر فيهم الفاحشة إلّا ظهر فيهم الموت ، ولا طفّفوا المكيال إلّا منعوا النّبات وأخذوا بالسّنين ، ولا منعوا الزّكاة إلّا حبس عنهم المطر» (٢).
وقال السديّ : قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم «المدينة» ، وبها رجل يقال له : أبو جهينة ، ومعه صاعان يكيل بأحدهما ، ويكيل بالآخر فأنزل الله تعالى هذه الآية.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ٨٠.
(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ٤٨٣) وابن ماجه (٢ / ٧٤٨) والنسائي (٦ / ٥٠٨) من طريق عكرمة عن ابن عباس.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٣٦) وزاد نسبته إلى الطبراني وابن مردويه والبيهقي في «شعب الإيمان» بسند صحيح عنه.
قلت : وأخرجه ابن حبان (١٧٧٠ ـ موارد) والحاكم (٢ / ٣٣) وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.