وفلان يبرّ خالقه ويتبرّره : أي : يعطيعه ، فمعنى «بررة» أي : مطيعين لله صادقين الله في أعمالهم.
فصل في المراد بالسفرة
قال ابن الخطيب (١) : قوله تعالى : (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) يقتضي أن طهارة تلك الصحف إنما حصلت بأيدي هؤلاء السّفرة ، فقال القفال في تقريره : لمّا كان لا يمسّها إلا الملائكة المطهرون أضيف التطهير إليها لطهارة من يمسّها.
وقال القرطبيّ (٢) : إن المراد بقوله ـ تعالى ـ في سورة «الواقعة» : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) أنهم الكرام البررة في هذه السورة.
قوله تعالى : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) (٢٣)
قوله تعالى : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ). أي : لعن.
وقيل : عذّب ، والإنسان : الكافر.
روى الأعمش عن مجاهد قال : ما كان في القرآن من قتل الإنسان ، فإن ما عني به الكافر(٣).
قال النحويون : وهذا إما تعجب ، أو استفهام تعجب.
قال ابن الخطيب (٤) : اعلم أنّه ـ تعالى ـ لما ذكر ترفّع صناديد قريش على فقراء المسلمين عجب [عباده](٥) المؤمنين من ذلك ، فكأنّه قيل : وأيّ سبب في هذا الترفّع مع أنّه أوله نطفة مذرة ، وآخره جيفة قذرة ، وهو فيما بين الوقتين حمال عذرة ، فلا جرم أن يذكر ـ تعالى ـ ما يصلح أن يكون علاجا لعجبهم ، وعلاجا لكفرهم فإنّ خلقة الإنسان تصلح لأن يستدلّ بها على وجود الصانع ، ولأن يستدل بها على القول بالبعث والحشر.
قيل : نزلت في عتبة بن أبي لهب ، والظاهر العموم.
وقوله تعالى : (قُتِلَ الْإِنْسانُ) دعاء عليه بأشدّ الأشياء ؛ لأنّ القتل غاية شدائد الدّنيا ، و (ما أَكْفَرَهُ) ، تعجّب من إفراطه في كفران نعمة الله.
فإن قيل : الدعاء على الإنسان إنما يليق بالعاجز ، والقادر على الكلّ كيف يليق به
__________________
(١) الفخر الرازي ٣١ / ٥٤.
(٢) ينظر : لجامع لأحكام القرآن ١٩ / ١٤٢.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٤٤٦) ، من طريق الأعمش عن مجاهد. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٢٠) ، وعزاه إلى ابن المنذر.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ٥٤.
(٥) سقط من : أ.