وقيل : المعنى : لا يكل عذابه ، ولا وثاقه لأحد ؛ لأن الأمر لله ـ تعالى ـ وحده في ذلك.
وقيل : المعنى : أنه في الشدة ، والفظاعة ، في حين لم يعذب أحد في الدنيا مثله.
ورد هذا ، بأن «لا» ، إذا دخلت على المضارع صيرته مستقبلا ، وإذا كان مستقبلا لم يطابق هذا المعنى ، ولا يطلق على الماضي إلّا بمجاز بعيد ، وبأن يومئذ المراد به يوم القيامة ، لا دار الدّنيا.
وقيل : المعنى : أنه لا يعذب أحد في الدنيا ، مثل عذاب الله الكافر فيها ، إلا أن هذا مردود بما ورد قبله.
ويحتمل عوده على الإنسان ، بمعنى : لا يعذب أحد من زبانية العذاب ، مثل ما يعذبون هذا الكافر ، ويكون المعنى : لا يحمل أحد عذاب الإنسان ، لقوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ، وهذه الأوجه صعبة المرام على طالبها من غير هذا الكتاب.
وقرأ نافع (١) في رواية ، وأبو جعفر وشيبة ، بخلاف عنهما : «وثاقه» بكسر الواو.
والمراد بهذا الكافر المعذب ، قيل : إبليس ـ لعنه الله ـ ؛ لأنه أشد الناس عذابا.
وقال الفراء : هو أمية بن خلف.
قوله تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي) (٣٠)
قوله : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ).
قرأ العامة : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ) بتاء التأنيث.
وقرأ زيد بن (٢) علي : «يا أيّها» ، كنداء المذكر ، ولم يجوز ذلك أحد ، إلا صاحب البديع ، وهذه شاهدة له ، وله وجه : وهو أنها كما لم تطابق صفتها تثنية وجمعا ، جاز ألّا يطابقها تأنيثا ، تقول : يا أيها الرجلان ، يا أيها الرجال.
فصل في الكلام على الآية
لما وصف حال من اطمأن إلى الدّنيا ، وصف حال من اطمأنّ إلى معرفته وعبوديته ، وسلم أمره إلى الله ـ تعالى ـ.
وقيل : هذا كلام الباري تعالى ، إكراما له كما كلّم موسى عليهالسلام.
__________________
(١) وقرأ بها الخليل بن أحمد ، ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٨١ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٦٧ ، والدر المصون ٦ / ٥٢٣.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٤٦٧ ، والدر المصون ٦ / ٥٢٣.