وقيل : الكتب القيمة : هي القرآن ، سمي كتبا ، لأنه يشتمل على أنواع من البيان.
قوله تعالى : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤) وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)(٥)
قوله : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ). أي : من اليهود والنصارى ، خصّ أهل الكتاب بالتفريق دون غيرهم ، وإن كانوا مجموعين مع الكافرين ؛ لأنهم مظنون بهم علم ، فإذا تفرقوا كان غيرهم ممن لا كتاب لهم أدخل في هذا الوصف.
قوله : (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ). أي : أتتهم البينة الواضحة ، والمعني به محمدصلىاللهعليهوسلم ، أي القرآن موافقا لما في أيديهم من الكتاب بنعته وصفته ، وذلك أنهم كانوا مجتمعين على نبوته ، فلما بعث جحدوا نبوته وتفرقوا ، فمنهم من كفر ، بغيا وحسدا ، ومنهم من آمن ، كقوله تعالى : (وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) [الشورى : ١٤] وقيل : البينة البيان الذي في كتبهم أنه نبي مرسل.
قال العلماء : من أول السورة ، إلى قوله : «قيّمة» حكمها فيمن آمن من أهل الكتاب والمشركين ، وقوله تعالى : (وَما تَفَرَّقَ) حكمه فيمن لم يؤمن من أهل الكتاب بعد قيام الحجج.
قوله : (وَما أُمِرُوا). يعني هؤلاء الكفار في التوراة والإنجيل (إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ) ، أي: يوحدوه ، واللام في (لِيَعْبُدُوا) بمعنى «أن» كقوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) [النساء: ٢٦] أي : أن يبين ، و (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ) [الصف : ٨].
قوله : (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ). العامة : على كسر اللام ، اسم فاعل ، وانتصب به الدين.
والحسن (١) : بفتحها ، على أنهم يخلصون هم أنفسهم في شأنهم.
وانتصب «الدّين» على أحد وجهين : إما إسقاط الخافض ، أي : «في الدين» ، وإما على المصدر من معنى «ليعبدوا» ، وكأنه قيل : ليدينوا الدين ، أو ليعبدوا العبادة.
[فالتجوز إما في الفعل ، وإما في المصدر ، وانتصاب مخلصين على الحال من فاعل «يعبدون»](٢).
قوله : «حنفاء» حال ثانية ، أو حال من الحال قبلها ، أي : من الضمير المستكن فيها.
[قوله : (وَما أُمِرُوا) أي : وما أمروا بما أمروا به إلا لكذا ، وقرأ عبد الله (٣) : وما
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٥٠٨ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٩٥ ، والدر المصون ٦ / ٥٥٢.
(٢) سقط من : ب.
(٣) ينتظر : الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ٩٧.