قلنا نعم ، ومعناه إنكار التصدي والتلهي عنه ، أي مثلك خصوصا لا ينبغي أن يتصدى للغني ، ويتلهى عن الفقير.
قوله تعالى : (كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرامٍ بَرَرَةٍ)(١٦)
قوله : (كَلَّا) وهو ردع عن المعاتب عليه وعن معاودة مثله. قال الحسن : لما تلا جبريل على النبي صلىاللهعليهوسلم هذه الآيات عاد وجهه كأنما أسف الرماد فيه ينتظر ماذا يحكم الله عليه ، فلما قال: (كَلَّا) سري عنه ، أي لا تفعل مثل ذلك قال ابن الخطيب (١) : وقد بينا نحن أن ذلك محمول على ترك الأولى.
وقوله : (إِنَّها تَذْكِرَةٌ) فيه سؤالان :
الأول : قوله : (إِنَّها) ضمير المؤنث ، وقوله : (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) ضمير المذكر ، والضميران عائدان إلى شيء واحد ، فكيف القول فيه؟.
الجواب : وفيه وجهان :
الأول : أن قوله : (إِنَّها) ضمير المؤنث ، قال مقاتل : يعني آيات القرآن ، وقال الكلبي : يعني هذه السورة وهو قول الأخفش والضمير في قوله : (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) عائد إلى التذكرة أيضا ، لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ.
الثاني : قال صاحب النظم : إنها تذكرة يعني بها القرآن والقرآن مذكر إلا أنه لما جعل القرآن تذكرة أخرجه على لفظ التذكرة ، ولو ذكره لجاز كما قال في موضع آخر (كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ) والدليل على أن قوله : (إِنَّها تَذْكِرَةٌ) المراد به القرآن قوله (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ).
فصل
كيف اتصال هذه الآية بما قبلها؟ الجواب : من وجهين :
الأول : كأنه قيل : هذا التأديب الذي أوحيته إليك وعرفته لك في إجلال الفقراء وعدم الالتفات إلى أهل الدنيا أثبت في اللوح المحفوظ الذي قد وكل بحفظه أكابر الملائكة.
الثاني : كأنه قيل : هذا القرآن قد بلغ في العظمة إلى هذا الحد العظيم ، فأي حاجة به إلى أن يقبله هؤلاء الكفار ، فسواء قبلوه أو لم يقبلوه فلا تلتفت إليهم ولا تشغل قلبك بهم ، وإياك وأن تعرض عمن آمن به تطييبا لقلوب أرباب الدنيا.
__________________
(١) ينظر : الرازي ٣١ / ٥٣.