وقيل : لا موضع للجملة ؛ لأن «في» تتعلق بأحد الفعلين والجميع كلام واحد ، وإنما يتقدم الاستفهام على ما هو حقه. قوله : بأحد الفعلين ، يعني : «شاء وركبك» ، فيحصل في «ما» ثلاثة أوجه : الزيادة ، وكونها شرطية ، وحينئذ جوابها محذوف ، والنصب على المصدرية ، أي : واقعة موقع مصدر.
قوله تعالى : (كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ)(١٢)
قوله تعالى : (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ).
العامة : على «تكذبون» خطابا ، والحسن وأبو جعفر وشيبة (١) : بياء الغيبة.
قال ابن الخطيب (٢) : لما بين بالدلائل العقلية صحة القول بالبعث ، والنشور على الجملة فرع عليها شرح تفاصيل الأحوال المتعلقة بذلك ، وهي أنواع :
الأول : أنه ـ تعالى ـ زجرهم عن ذلك الاغترار بقوله «كلا» ، و «بل» : حرف وضع في اللغة لنفي شيء قد تقدّم تحقيق غيره ، فلا جرم ذكروا في تفسير «كلّا» وجوها :
الأول : قال القاضي : معناه أنكم لا تستقيمون على توجيه نعمي عليكم ، وإرشادي لكم، بل تكذبون بيوم الدين.
الثاني : «كلّا» ردع ، أي : ارتدعوا عن الاغترار بكرم الله تعالى ، كأنه قال : وإنهم لا يرتعدون عن ذلك ، بل يكذّبون بالدين.
الثالث : قال القفال : أي : ليس الأمر كما تقولون من أنه لا بعث ، ولا نشور ؛ لأن ذلك يوجب أن الله ـ تعالى ـ خلق الخلق عبثا ، وحاشاه من ذلك ، ثم كأنه قال : إنهم لا ينتفعون بهذا البيان ، بل يكذّبون بالدين.
وقال الفراء : ليس كما غررت به ، والمراد بالدين : الجزاء على الدين والإسلام.
وقيل : المراد من الدين : الحساب ، أي : تكذّبون بيوم الحساب.
النوع الثاني : قوله (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) : يجوز أن تكون الجملة حالا من فاعل «تكذّبون» ، والحالة هذه ، ويجوز أن تكون مستأنفة أخبرهم بذلك لينزجروا والمراد بالحافظين : الرّقباء من الملائكة يحفظون عليكم أعمالكم.
«كراما» على الله «كاتبين» يكتبون أقوالكم وأعمالكم.
قال ابن الخطيب (٣) : والمعنى : التعجب من حالهم ، كأنّه ـ تعالى ـ قال : إنكم
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٤٧ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٢٨ ، والدر المصون ٦ / ٤٨٩.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ٧٥.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ٥٧.