والثاني : أنها «السحاب» فإن كان المراد بها السحاب ، فلما فيها من الآيات الدالة على قدرته ، والمنافع العامة لجميع خلقه.
وإن كان المراد بها الإبل من النعم ؛ فلأن الإبل أجمع للمنافع من سائر الحيوان ؛ لأن ضروبه أربعة : حلوبة ، وركوبة ، وأكولة ، وحمولة ، والإبل تجمع هذه الخلال الأربع ، فكانت النعمة بها أعم ، وظهور القدرة بها أتم.
وقيل للحسن : الفيل أعظم في الأعجوبة ، فقال : العرب بعيدة العهد بالفيل ، ثم هو لا يؤكل لحمه ، ولا يركب ظهره ، ولا يحلب درّه (١).
فصل في الكلام على الإبل
الإبل : اسم جمع ، واحده : بعير ، وناقة ، وجمل ، ولا واحد لها من لفظها ، وهو مؤنث ، ولذلك تدخل عليه تاء التأنيث حال تصغيره ، فيقال : أبيلة.
قال القرطبيّ (٢) : لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين ، فالتأنيث لها لازم ، وربما قالوا للإبل : إبل ـ بسكون الباء ـ للتخفيف ، والجمع : آبال واشتقوا من لفظه ، فقالوا : تأبل زيد ، أي كثرت إبله. وتعجبوا من هذا ، فقالوا : ما آبله! أي : ما أكثر إبله! وتقدم في سورة «الأنعام» (٣).
قوله : «كيف» : منصوب ب «خلقت» على حد نصبها في قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ) ، والجملة بدل من «الإبل» بدل اشتمال ، فتكون في محل جر ، وهي في الحقيقة معلقة بالنظر ، وقد دخلت «إلى» على «كيف» في قولهم : «انظر إلى كيف يصنع» ، وقد تبدل الجملة المشتملة على استفهام من اسم ليس فيه استفهام ، كقولهم : «عرفت زيدا أبو من هو» على خلاف بين النحويين.
وقرأ العامة : «خلقت ، ورفعت ، ونصبت ، وسطحت» مبنيا للمفعول ، والتاء ساكنة للتأنيث.
وقرأ أمير المؤمنين ، وابن أبي عبلة ، وأبو حيوة ، قال القرطبي (٤) : وابن السميفع وأبو العالية : «خلقت» وما بعده بتاء المتكلم ، مبنيا للفاعل.
والعامة على : «سطحت» مخففا.
وقرأ الحسن وأبو حيوة وأبو رجاء (٥) : «سطّحت» بتشديد الطاء وإسكان التاء.
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٤٨٠) عن الحسن.
(٢) ينظر الجامع لأحكام القرآن (٢٠ / ٢٥).
(٣) آية ٢٨.
(٤) ينظر : السابق ، والمحرر الوجيز ٥ / ٤٧٥ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٥٩ ، والدر المصون ٦ / ٥١٤.
(٥) وكذا هارون الرشيد. ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٧٥ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٥٩ ، والدر المصون ٦ / ٥١٤.