قال قتادة : هي أطوار الخلق : طورا نطفة ، وطورا علقة ، وطورا مضغة ، وطورا عظاما ، ثم يكسو العظام لحما (١).
قال ابن الخطيب (٢) : وقيل : إن الله ـ تعالى ـ جعل في النطفة أخلاطا من الطّبائع التي تكون في الإنسان من الحرارة والبرودة ، والرطوبة واليبوسة ، والتقدير : من نطفة ذات أمشاج ، فحذف المضاف وتم الكلام.
قوله : «نبتليه». يجوز في هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أنها حال من فاعل خلقنا ، أي : خلقناه حال كوننا مبتلين له.
والثاني : أنها حال من الإنسان ، وصح ذلك لأن في الجملة ضميرين كل منهما يعود على ذي الحال ، ثم هذه الحال يجوز أن تكون مقارنة إن كان معنى «نبتليه» نصرفه في بطن أمه نطفة ثم علقة كما قال ابن عباس وأن تكون مقدرة إن كان المعنى نبتليه نختبره بالتكليف ؛ لأنه وقت خلقه غير مكلف.
وقال الزمخشري : «ويجوز أن يكون ناقلين له من حال إلى حال ، فسمي ذلك ابتلاء على طريق الاستعارة».
قال شهاب الدين (٣) : «وهذا معنى قول ابن عباس المتقدم».
وقال بعضهم : في الكلام تقديم وتأخير ، والأصل : إننا جعلناه سميعا بصيرا لنبتليه ، أي : جعلنا له ذلك للابتلاء ، وهذا لا حاجة إليه.
فصل في تفسير قوله تعالى نبتليه
قوله : «نبتليه» : لنبتليه ، كقولك : «جئتك أقضي حقك ، أي لأقضي حقك وآتيك أستمنحك كذا» ونظيره قوله تعالى : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) أي : لتستكثر.
ومعنى «نبتليه» نختبره ، وقيل : نقدر فيه الابتلاء وهو الاختبار ، وفيما يختبر به وجهان :
أحدهما : قال الكلبي : نختبره بالخير والشر (٤).
والثاني : قال الحسن : نختبر شكره في السراء وصبره في الضراء (٥).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٥٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٨٢) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٢) ينظر الفخر الرازي ٣٠ / ٢٠٩.
(٣) ينظر الدر المصون ٦ / ٤٣٨.
(٤) ذكره الماوردي في «تفسيره» (٦ / ١٦٣) والقرطبي (١٩ / ٧٩).
(٥) ينظر المصدر السابق.