فصل في تفسير الآية
روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ومجاهد قالا : سبيل الشقاء والسعادة (١).
وقال ابن زيد : سبيل الإسلام (٢) ، وقال أبو بكر بن طاهر : يسّر على كلّ أحد ما خلقه له وقدره عليه ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له» (٣).
قوله تعالى : (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) هذه المرتبة الثالثة ، أي : جعل له قبرا يوارى فيه يقال : قبره إذا دفنه ، وأقبره ، أي : جعله بحيث يقبر ، وجعل له قبرا إكراما له ، ولم يجعله ممّن يلقى على وجه الأرض تأكله الطير. قاله الفراء.
قال أبو عبيدة : «أقبره» جعل له قبرا ، وأمر أن يقبر ، والقابر : هو الدّافن بيده ؛ قال الأعشى : [السريع]
٥١٠٨ ـ لو أسندت ميتا إلى نحرها |
|
عاش ولم ينقل إلى قابر (٤) |
يقال : قبرت الميت «أي» دفنته ، وأقبره الله أي : صيّره بحيث جعل له قبرا.
وتقول العرب : بترت ذنب البعير وأبتره الله ، وعضبت قرن الثور ، وأعضبه الله وطردت فلانا ، والله أطرده ، أي : صيّره طريدا.
قوله تعالى : (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ). أي : أحياه بعد موته ، ومفعول شاء محذوف ، أي: شاء إنشاره ، و «أنشره» جواب «إذا».
وقرأ العامة : «أنشر» ، بالألف.
وروى أبو حيوة عن نافع وشعيب عن ابن أبي حمزة : «نشره» ثلاثيا بغير ألف (٥).
ونقلها أبو الفضل أيضا ، وقال : هما لغتان بمعنى الإحياء.
قال ابن الخطيب (٦) : وإنّما قال : (إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) إشعارا بأنّ وقته غير معلوم ، فتقديمه وتأخيره موكول إلى مشيئة الله تعالى.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٤٤٨) ، عن مجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٢٠) ، وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٤٤٨) ، عن ابن زيد.
(٣) أخرجه البخاري (١١ / ٥٠٣) ، كتاب : القدر ، باب : وكان أمر الله قدرا مقدورا حديث (٦٦٠٥) ، ومسلم (٤ / ٢٠٣٩) ، كتاب : القدر ، باب : كيفية الخلق حديث (٦ / ٢٦٤٧) ، من حديث علي.
(٤) يروى صدرها مكان (نحرها).
ينظر ديوان الأعشى ص ٩٣ ، وسمط اللآلىء ١ / ٢٧٥ ، ٢ / ٧٥٦ ، ومجاز القرآن ٢ / ٢٨٦ ، وإعراب القرآن للنحاس ٣ / ٦٢٩ ، ٥ / ١٥٢ ، والطبري ٣٠ / ٣٦ ، ومجمع البيان ١٠ / ٦٦٣ ، والقرطبي ١٩ / ١٤٣.
(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٣٩ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٢٠ ، والدر المصون ٦ / ٤٨٠.
(٦) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ٥٦.