وقال مقاتل : نزلت في الحارث بن عامر بن نوفل ، أذنب ، فاستفتى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأمره أن يكفر ، فقال : لقد ذهب مالي في الكفّارات ، والنفقات ، منذ دخلت في دين محمد. وهذا القول منه ، يحتمل أن يكون استطالة بما أنفق ، فيكون طغيانا منه ، أو أسفا منه ، فيكون ندما منه (١).
قال القرطبيّ (٢) : «وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم : أنه كان يقرأ : «أيحسب» ، بضم السين ، في الموضعين».
وقال الحسن : يقول : أتلفت مالا كثيرا فمن يحاسبني به ، دعني أحسبه ، ألم يعلم أن الله قادر على محاسبته ، وأن الله ـ عزوجل ـ يرى صنيعه ، ثم عدد عليه نعمه ، فقال : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) : يبصر بهما ، (وَلِساناً) ينطق به ، (وَشَفَتَيْنِ) : يستر بهما ثغره (٣) ، والمعنى : نحن فعلنا ذلك ، ونحن نقدر على أن نبعثه ، ونحصي عليه ما عمله.
قوله : (وَشَفَتَيْنِ) ، الشّفة : محذوفة اللام ، والأصل : شفهة ، بدليل تصغيرها على «شفيهة» ، وجمعها على «شفاه» ونظيره : سنة في إحدى اللغتين ، وشافهته أي كلمته من غير واسطة ، ولا يجمع بالألف والتاء ، استغناء بتكسيرها عن تصحيحها.
قال القرطبي (٤) : «يقال : شفهات وشفوات ، والهاء : أقيس ، والواو أعم تشبيها بالسنوات».
قال الأزهريّ : «يقال : هذه شفة ، في الوصل ، وشفة ، بالتاء والهاء».
قوله : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) ، يعني : الطريقتين : طريق الخير وطريق الشّر.
روى قتادة قال : ذكر لنا أن النبي صلىاللهعليهوسلم ، كان يقول : «يا أيّها النّاس ، إنّما هما النّجدان : نجد الخير ، ونجد الشّرّ ، فلم تجعل نجد الشر أحبّ إليك من نجد الخير» (٥).
فكأنه لما وهمت الدلائل ، جعلت كالطريق المرتفعة العالية ، لكونها واضحة للعقول ، كوضوح الطريق العالي للأبصار ، ونظيره قوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)، بعد قوله : (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) [الإنسان : ٢ و ٣].
وروي عن عكرمة ، قال : النجدان : الثّديان ، وهو قول سعيد بن المسيب والضحاك.
__________________
(١) ينظر تفسير البغوي (٤ / ٤٨٨).
(٢) ينظر الجامع لأحكام القرآن (٢٠ / ٤٣).
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ٤٣).
(٤) ينظر المصدر السابق.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥٩١) عن قتادة والحسن.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٩٥) عن الحسن وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن مردويه من طرق عنه.