وأما عدم تنوينهما وعدم الوقف بالألف عليهما فظاهر جدّا.
وأما من نون الأول دون الثاني ، فإنه ناسب بين الأول وبين رءوس الآي ولم يناسب بين الثاني والأول والوجه في وقفه على الأول بالألف وعلى الثاني بغير ألف ظاهر.
وقد روى أبو عبيد أنه كذلك في مصاحف أهل «البصرة».
وأما من لم ينونهما ، ووقف على الأول بالألف ، وعلى الثاني بدونها ، فلأن الأول رأس آية ، فناسب بينه وبين رءوس الآي في الوقف بالألف ، وفرق بينه وبين الثاني ؛ لأنه ليس برأس آية.
وأما من لم ينونهما ووقف عليهما بالألف ، فلأنه ناسب بين الأول وبين رءوس الآي ، وناسب بين الثاني وبين الأول.
وحصل مما تقدم في «سلاسلا» وفي هذين الحرفين ، أن القراء منهم من وافق مصحفه ، ومنهم من خالفه لاتباع الأثر. وتقدم الكلام على «قوارير» في سورة «النمل» (١) ، ولله الحمد.
وقال الزمخشري : «وهذا التنوين بدل من حرف الإطلاق لأنه فاصلة ، وفي الثاني لإتباعه الأول». يعني أنهم يأتون بالتنوين بدلا من حرف الإطلاق الذي للترنم ؛ كقوله : [الرجز]
٥٠٤٦ ـ يا صاح ، ما هاج الدّموع الذّرّفن (٢)
وفي انتصاب «قوارير» وجهان :
أظهرهما : أنه خبر «كان».
والثاني : أنها حال و «كان» تامة ، أي كونت فكانت.
قال أبو البقاء : «وحسن التكرير لما اتصل به من بيان أصلها ، ولو كان التكرير لم يحسن أن يكون الأول رأس آية لشدة اتصال الصفة بالموصوف».
وقرأ الأعمش (٣) : «قوارير» بالرفع ، على إضمار مبتدأ ، أي : هي قوارير ، و «من فضّة» صفة ل «قوارير» ، والمعنى : في صفاء القوارير ، وبياض الفضة ، فصفاؤها صفاء الزجاج وهي من فضة.
__________________
(١) آية ٤٤.
(٢) الرجز للعجاج ينظر ديوانه ٢ / ٢١٩ ، وتخليص الشواهد ص ٤٧ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٤٣ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٥١ ، والكتاب ٤ / ٢٠٧ ، والمقاصد النحوية ١ / ٢٦ ، والإيضاح ص ١٩.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٣٨٩ ، والدر المصون ٦ / ٤٤٥.