«للمطففين» ، لأن الكلام يخرج به إلى نظم فاسد ، وذلك أن المعنى : إذا أخذوا من الناس استوفوا ، وإذا أعطوهم أخسروا ، وإن جعلت الضمير «للمطففين» انقلب إلى قولك : إذا أخذوا من الناس استوفوا ، وإن تولوا الكيل ، أو الوزن هم على الخصوص أخسروا ، وهو كلام متنافر ؛ لأن الحديث واقع في الفعل لا في المباشر».
قال أبو حيان (١) : ولا تنافر فيه بوجه ، ولا فرق بين أن يؤكد الضمير ، وألّا يؤكد ، والحديث واقع في الفعل ، غاية ما في هذا أن متعلّق الاستيفاء ، وهو «على الناس» مذكور ، وهو في (كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ) محذوف للعلم به ؛ لأنّه من المعلوم أنهم لا يخسرون ذلك لأنفسهم.
قال شهاب الدين (٢) : الزمخشري يريد أن يحافظ على أنّ المعنى مرتبط بشيئين : إذا أخذوا من غيرهم ، وإذا أعطوا غيرهم ، وهذا إنّما فهم على تقدير أن يكون الضمير منصوبا عائدا على الناس ، لا على كونه ضمير رفع عائدا على «المطففين» ، ولا شك أن هذا المعنى الذي ذكره الزمخشري وأراده أتم وأحسن من المعنى الثاني ، ورجّح الأول سقوط الألف بعد الواو ؛ لأنه دال على اتصال الضمير.
إلّا أن الزمخشري استدرك فقال (٣) : «والتعلق في إبطاله بخط المصحف ، وأن الألف التي تكتب بعد واو الجمع غير ثابتة فيه ركيك ؛ لأن خط المصحف لم يراع في كثير منه حد المصطلح عليه في علم الخط على أني رأيت في الكتب المخطوطة بأيدي الأئمة المتقنين هذه الألف مرفوضة ، لكونها غير ثابتة في اللفظ والمعنى جميعا ؛ لأن الواو وحدها معطية معنى الجمع ، وإنما كتبت هذه الألف تفرقة بين واو الجمع وغيرها في نحو قولك : «هم لم يدعوا ، وهو يدعو» ، فمن لم يثبتها قال : المعنى كاف في التفرقة بينهما ، وعن عيسى بن عمر وحمزة أنهما كانا يرتكبان ذلك ، أي : يجعلان الضميرين «للمطففين» ، ويقفان عند الواوين وقيفة ، يبينان بها ما أرادوا». ولم يذكر فعل الوزن أوّلا ، بل اقتصر على الكيل ، فقال : (إِذَا اكْتالُوا) ، ولم يقل : إذا اتزنوا ، كما قال ثانيا : (أَوْ وَزَنُوهُمْ).
قال ابن الخطيب (٤) : لأن الكيل والوزن بهما البيع والشراء ، فأحدهما يدل على الآخر.
وقال الزمخشريّ (٥) : «كأنّ المطففين كانوا لا يؤخذون ما يكال ويوزن إلا بالمكاييل دون الموازين ، لتمكنهم بالاكتيال من الاستيفاء ، والسرقة ؛ لأنهم يدعدعون ويحتالون في الملء ، وإذا أعطوا كالوا أو وزنوا لتمكنهم من البخس في النوعين جميعا».
قوله : «يخسرون» جواب «إذا» ، وهو يتعدّى بالهمزة ، يقال : خسر الرجل وأخسرته
__________________
(١) البحر المحيط ٨ / ٤٣١.
(٢) الدر المصون ٦ / ٤٩١.
(٣) الكشاف ٤ / ٧٢٠.
(٤) الفخر الرازي ٣١ / ٨١.
(٥) الكشاف ٤ / ٧٢٠.