وفيه معان :
أحدها : والذين من عادتهم أنهم كانوا يقولون هذا القول في الجاهلية ، ثمّ يعودون لمثله في الإسلام.
الثاني : ثم يتداركون ما قالوا ؛ لأن المتدارك للأمر عائد إليه ، ومنه : «عاد غيث على ما أفسد» أي تداركه بالإصلاح ، والمعنى : أن تدارك هذا القول وتلافيه بأن يكفر حتى ترجع حالهما كما كانت قبل الظّهار.
الثالث : أن يراد بما قالوا ما حرّموه على أنفسهم بلفظ الظّهار تنزيلا للقول منزلة المقول فيه نحو ما ذكر في قوله تعالى : (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ)(١) ، والمعنى : ثم يريد العود للتّماسّ. قاله الزمخشري (٢).
وهذا الثالث هو معنى ما روي عن مالك ، والحسن ، والزهري : ثم يعودون للوطء ، أي : يعودون لما قالوا : إنهم لا يعودون إليه ، فإذا ظاهر ثمّ وطىء لزمت الكفّارة عند هؤلاء.
الرابع : (لِما قالُوا) ، أي : يقولونه ثانيا ، فلو قال : أنت عليّ كظهر أمي مرّة واحدة لم يلزمه كفارة ؛ لأنه لم يعد لما قال ، وهذا منقول عن بكير بن عبد الله الأشجّ ، وأبي حنيفة ، وأبي العالية ، والفراء في آخرين ، وهو مذهب أهل الظّاهر.
قال ابن العربي (٣) : وهذا القول باطل قطعا ؛ لأن قصص المتظاهرين قد رويت ، وليس في ذكر الكفارة عليهم ذكر لعود القول منهم ، والمعنى أيضا ينقضه ؛ لأن الله ـ تعالى ـ وصفه بأنه منكر من القول وزور ، فكيف يقال : إذا أعدت القول المحرّم ، والسّبب المحظور وجبت عليك الكفّارة ، وهذا لا يعقل ألا ترى أنّ كل سبب يوجب الكفّارة لا يشترط فيه الإعادة من قتل ووطء في صوم؟.
الخامس : أن المعنى أن يعزم على إمساكها فلا يطلقها بعد الظّهار حتى يمضي زمن يمكن أن يطلقها فيه ، فهذا هو العود لما قال ، وهو مذهب الشافعي ، ومالك ، وأبي حنيفة أيضا.
وقال : العود هنا ليس بتكرير القول ، بل بمعنى العزم على الوطء.
قال القرطبي (٤) : وهذا ينتقض بثلاثة أمور :
أحدها : أنه قال : «ثمّ» وهي للتراخي.
الثاني : قوله : (ثُمَّ يَعُودُونَ) يقتضي وجود فعل من جهته ، ومرور الزمان ليس بفعل منه.
__________________
(١) الآية ٨ من سورة مريم.
(٢) الكشاف ٤ / ٤٨٧.
(٣) ينظر : أحكام القرآن ٤ / ١٧٥٣.
(٤) الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٨٢.