فإن قيل : كيف تقدّم تثنيته في قوله : (فِيهِما عَيْنانِ) ، و (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ) ثم أتى بضمير جمع؟.
فالجواب (١) : أن أقلّ الجمع اثنان على قول ، وله شواهد تقدم أكثرها ، أو يقال : عائد إلى الجنّات المدلول عليها بالجنتين.
أو يقول : كل فرد فرد له جنتان فصح أنها جنان كثيرة ، وإما أن الجنة تشتمل على مجالس وقصور ومنازل ، فأطلق على كل واحد منها جنة.
وقيل : يعود على الفرش.
قال الزمخشري (٢) : «فيهنّ» أي : في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين ، والفاكهة والفرش والجنى.
قال أبو حيان (٣) : «وفيه بعد» وكأنه قد استحسن الوجه الأول وفيه نظر ؛ لأن الاستعمال أن يقال : على الفراش كذا ، ولا يقال : في الفراش كذا إلا بتكلّف.
فلذلك جمع الزمخشري مع الفرش غيرها حتى صح له أن يقول : «فيهن» بحرف الظرفية ؛ ولأن الحقيقة أن يكون الإنسان على الفرش لأنه مستعمل عليها.
وأما كونها فيها فلا يقال إلا مجازا.
وقال الفراء : كل موضع في الجنة ، فلذلك صح أن يقال : «فيهن».
والقاصرات : الحابسات الطّرف : أي يحبسن أعينهن عن غير أزواجهن.
ومعناه : قصرن ألحاظهن على أزواجهن.
قال امرؤ القيس : [الطويل]
٤٦٥٧ ـ من القاصرات الطّرف لو دبّ محول |
|
من الذّرّ فوق الإتب منها لأثّرا (٤) |
و (قاصِراتُ الطَّرْفِ) من إضافة اسم الفاعل لمنصوبه تخفيفا ، إذ يقال : قصر طرفه على كذا ، وحذف متعلق القصر للعلم به ، أي : على أزواجهن.
وقيل : معناه : قاصرات طرف غيرهن عليهن إذا رآهن أحد لم يتجاوز طرفه إلى غيرهن(٥).
ووحد الطرف مع الإضافة إلى الجمع ؛ لأنه في معنى المصدر (٦) ، من طرفت عيناه
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٨ / ١٩٦ ، والدر المصون ٦ / ٢٤٧.
(٢) الكشاف ٤ / ٤٥٣.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٨ / ١٩٦ ، والدر المصون ٦ / ٢٤٧.
(٤) تقدم.
(٥) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٤٧ ، ٢٤٨.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٨ / ١٩٦.