القيامة ، فأوقع الماضي موقع المستقبل لتحققه وهو خلاف الإجماع (١). وقيل : انشق بمعنى انفلق عنه الظلام عند طلوعه كما يسمى الصبح فلقا (٢) وأنشد للنابغة :
٤٥٨٠ ـ فلمّا أدبروا ولهم دويّ |
|
دعانا عند شقّ الصّبح داعي (٣) |
وإنما ذكرنا ذلك تنبيها على ضعفه.
قوله : (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) ، أي ذاهب سوف يذهب ويبطل من قولهم : مرّ الشّيء واستمرّ إذا ذهب مثل قولهم : قرّ واستقرّ. قال مجاهد وقتادة : منّوا أنفسهم بذلك. وقيل : مستمر أي دائم ؛ فإن محمدا ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يأتي كل زمان ومكان بمعجزة فقالوا هذا سحر مستمر دائم ، لا يختلف بالنسبة إلى شيء بخلاف سحر السّحرة ، فإن بعضهم يقدر على أمر وأمرين ، وثلاثة ، ويعجز عن غيرها وهو قادر على الكل. قاله الزمخشري (٤). ومنه قول الشاعر :
٤٥٨١ ـ ألا إنّما الدّنيا ليال وأعصر |
|
وليس على شيء قويم بمستمر (٥) |
أي بدائم باق. وقيل : معناه شديد المرارة. قال الزمخشري : أي مستبشع عندنا مرّ على لهواتنا لا نقدر أن نسيغه كما لا نسيغ (٦) المرّ. انتهى.
يقال : مرّ الشّيء بنفسه ومرّه غيره ؛ فيكون متعديا ولازما ، ويقال : أمرّه أيضا.
وقال أبو العالية والضحاك : مستمر أي قويّ شديد ، من قولهم : مرّ الحبل إذا صلب واشتد ، وأمررته إذا أحكمت فتله ، واستمرّ الشيء إذا قوي واستحكم ، قال لقيط ـ (رحمة الله(٧) عليه ـ) :
٤٥٨٢ ـ حتّى استمرّت على شزر مريرته |
|
صدق (٨) العزيمة لا رتّا ولا ضرعا (٩) |
__________________
(١) نقل القرطبي أنه رأي القشيري ـ رحمهالله ـ.
(٢) المرجع السابق دونما تحديد وتعيين لأحد.
(٣) من الوافر من تمامه وهو للنابغة. وأتى بهذا البيت دلالة على أن الشق بمعنى الفلق وهو خطأ ، لما تظاهرت الروايات على أن القمر انشق فرقتين بمكة. وانظر هذا البيت في تفسير القرطبي ١٧ / ١٢٦ والبحر المحيط ٨ / ١٧٣ ولم أجده بديوانه.
(٤) قال : مستمر دائم مطرد وكل شيء قد انقادت طريقته ودامت حاله قيل فيه : قد استمر ؛ لما رأوا تتابع المعجزات وترادف الآيات قالوا هذا سحر مستمر. وقيل : مستمر : قوي محكم من قوله : استمر مريره وانظر الكشاف ٤ / ٣٦.
(٥) من الطويل لامرىء القيس. وأتى به شاهدا على أن المستمر بمعنى الدائم والباقي. وانظر القرطبي ١٧ / ١٢٧ والبحر ٨ / ١٧٤ وفتح القدير ٥ / ١٢٠ والديوان ١٠٩.
(٦) في الكشاف : كما لا يساغ المر الممقر. وانظر الكشاف ٤ / ٣٦.
(٧) زيادة من (أ) وانظر اللسان مرر ٤١٧٦.
(٨) كذا في البحر وفي القرطبي : مر.
(٩) من البسيط وروي «قحما» بدل رتّا. والرّتة ردة قبيحة في اللسان من العيب ، والقحم الشيخ الهرم يعتريه خرق وخرف والضرع اللين الذليل. ـ