قال : فلما قالت هذا البيت قال الحجّاج : قاتلها الله! ما أصاب صفتي شاعر منذ دخلت العراق غيرها. ثم التفت إلى عنبسة بن سعيد ، فقال : والله إني لأعد للأمر (١) عسى ألّا يكون أبدا ، ثم التفت إليها ، فقال : حسبك ، قالت : قد قلت أكثر من هذا. قال : حسبك ويحك حسبك ، ثم قال : يا غلام اذهب بها إلى فلان فقل له : اقطع لسانها ، قال : فذهب (٢) ، فقال له : يقول لك الأمير : اقطع لسانها. قال : فأمر بإحضار الحجّام ، فالتفتت إليه ، فقالت له : ثكلتك أمك. أما سمعت ما قال؟ إنما أمرك أن تقطع لساني بالبر والصلة. فبعث إليه يستثبته ، فاستشاط الحجّاج غضبا. وهمّ بقطع لسانه ، وقال : ارددها. فلما دخلت عليه قالت : كاد ، وأمانة الله ، أيها الأمير يقطع مقولي ، ثم أنشأت تقول :
حجاج أنت الذي ما فوقه أحد |
|
إلّا الخليفة والمستغفر الصمد |
حجاج أنت شهاب الحرب إن لقحت (٣) |
|
وأنت للناس نور في الدجى يقد |
ثم أقبل الحجاج [على جلسائه](٤) فقال : أتدرون من هذه؟ قالوا : لا والله أيها الأمير ، إلّا أننا لم نر امرأة قط أفصح لسانا ، ولا أحسن محاورة ، ولا أملح وجها ، ولا أرصن شعرا منها. فقال : هذه ليلى الأخيلية التي مات توبة الخفاجي من حبها ، ثم التفت إليها فقال : أنشدينا يا ليلى بعض ما قال فيك توبة ، فقالت : نعم أيها الأمير ، هو الذي يقول :
فهل تبكين ليلى إذا مت قبلها |
|
وقام على قبري النساء النوائح |
كما لو أصاب الموت ليلى بكيتها |
|
وجاد لها دمع من العين سافح |
وأغبط من ليلى بما لا أنا له |
|
بلى كل ما قرت به العين صالح |
ولو (٥) أن ليلى الأخيلية سلمت |
|
عليّ وفوقي تربة وصفائح |
لسلمت تسليم البشاشة أو زقا |
|
إليها صدى من جانب القبر صائح |
فقال لها : زيدينا يا ليلى من شعره. فقالت : نعم ، هو الذي يقول (٦) :
__________________
(١) بالأصل و «ز» : الأمر ، والمثبت عن الجليس الصالح.
(٢) قوله : قال : فذهب ، سقط من الجليس الصالح.
(٣) أي هاجت بعد سكون.
(٤) قوله : على جلسائه ، سقط من الأصل ، واستدرك عن «ز» ، والجليس الصالح.
(٥) الأبيات الثلاثة التالية في الأغاني ١١ / ٢٤٤ والشعر والشعراء ١ / ٤٤٦.
(٦) الأبيات في الجليس الصالح ١ / ٣٣٤ والأغاني ١١ / ٢٠٨.