أنبأنا أبو محمّد بن الأكفاني ، نا عبد العزيز الكتاني ، أنا تمام بن محمّد قال : نا محمّد ابن سليمان ، نا محمّد بن الفيض ، نا أحمد بن أبي الحواري قال :
صليت الغداة ثم جلست أذكر الله قبل طلوع الشمس ، إذ دخل أبو سليمان الداراني من باب الساعات فوقف بقاسم الجوعي فسلّم عليه ، وأشار إليه أن يقوم ، فقام معه فمرّ بي فسلّم فرددت عليه وأشار إليّ فقمت أنا وقاسم نمشي وراءه ، حتى انحدر من الدرج ، ثم أخذ في سوق الأحد حتى أتى المربعة ، فدخل في قنطرة بني مدلج حتى أتى النّيبطون (١) وأخذ (٢) يسرة ، فمرّ بدار فجازها ، ثم أتى دارا أخرى فدخل ودخلنا معه ، ففتح باب بيت ثم دخل فسلّم ، ودخل قاسم معه وجلست أنا على يمنة الباب ، فلم نر شيئا [في البيت](٣) من ظلمته ، فلمّا جلسنا ساعة تأملت فإذا بامرأة عليها جبة صوف وخمار صوف في يدها مسبحة (٤) ، فلما دخل ضوء الشمس من كوة في البيت ردّت علينا السلام ، فقال لها أبو سليمان : يا أم هارون كيف أصبحت؟ قالت : كيف أصبح من قلبه في يد غيره يقول به هكذا وهكذا ، وأشارت بيدها فقال لها أبو سليمان : يا أم هارون ما تقولين في الرجل يحب لقاء الله؟ فقالت : ويحك ، ذاك رجل ثقلت عليه الطاعة ، وأحب الراحة منها ، فقال لها : فإنه أحب البقاء في الدنيا. قالت : بخ بخ ، ذاك رجل أحب الطاعة وأحب أن يبقى لها وتبقى له ، ثم سلّم وخرجنا فقلت له : يا أبا سليمان من هذه؟ قال : هذه أم هارون الخراسانية أستاذتي.
أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنا أبو سعد محمّد بن عبد الرّحمن ، نا أبو أحمد الحسين بن علي التميمي ، أنا أبو محمّد عبد الرّحمن بن أبي حاتم ، نا محمّد بن خالد الشيباني قال : سمعت القاسم بن عثمان الجوعي قال : قلت لأم هارون ترين أحدا يشتغل بالخوف من النيران عن الشوق إلى الجنان بالزهادة ، فخرّت مغشيا عليها حتى انكشفت مقنعتها (٥) ، ثم أفاقت فتغطّت وبقيت منقبضة مصفرة حتى خرجنا.
أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني ، نا عبد العزيز الكتاني. أخبرنا علي بن محمّد بن طوق.
__________________
(١) كذا ضبطت اللفظة بالأصل ضبط قلم. ونيبطون : محلة من محال دمشق قرب المربعة وقنطرة بني مدلج وسوق الأحد في شرقي جيرون ، قرب الأساكفة العتق (معجم البلدان).
(٢) في «ز» : فأخذ.
(٣) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك للإيضاح عن «ز».
(٤) في «ز» : سبحة.
(٥) والمقنعة والمقنع : ما تغطي به المرأة رأسها.