فوقفت على ظهرها (١) فنظرت فيها ، فوجدت بني عمومتي وإخوتي وأولاد إخوتي مجتمعين كالحلقة ، وبينهم العباس بن أمير المؤمنين ، وهو جاث على ركبتيه كالأسد على فريسته ؛ فخطب فيهم خطبة ـ ما سمعتها إلا من الحسين ـ : مشتملة على الحمد والثناء لله والصلاة والسلام على النبي وآله.
ثم قال ـ في آخر خطبته ـ : يا إخوتي! وبني إخوتي! وبني عمومتي! إذا كان الصباح فما تقولون؟
قالوا : الأمر إليك يرجع ، ونحن لا نتعدى لك قولاً. (٢)
فقال العباس : إن هؤلاء ( أعني الأصحاب ) قوم غرباء ، والحمل ثقيل لا يقوم إلا بأهله ، فإذا كان الصباح فأول من يبرز إلى القتال أنتم.
نحن نقدمهم إلى الموت لئلا يقول الناس : قدموا أصحابهم ، فلما قتلوا عالجوا الموت بأسيافهم ساعة بعد ساعة. (٣)
فقامت بنو هاشم ، وسلوا سيوفهم في وجه أخي العباس ، وقالوا : نحن على ما أنت عليه!
__________________
١ ـ ظهرها : أي ظهر الخيمة ، بمعنى خلفها وورائها.
٢ ـ لا نتعدى : لا نتجاوز من رأيك إلى رأي غيرك.
٣ ـ عالجوا : حاولوا التخلص من الموت بسيوفهم .. محاولةً بعد محاولة ، ومرةً بعد اخرى.