جواهر الكلام - ج ٢٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

في المسألة على الإطلاق بل صح له دعوى تحصيل الإجماع على ذلك كما وقع من بعضهم بل ربما كان كالضروري وخصوصا بعد ملاحظة كلام الأصحاب وارسالهم لذلك إرسال المسلمات حتى ترك جماعة منهم الاستدلال عليه اتكالا على معلوميته.

فمن الغريب ما وقع للمقدس الأردبيلي وبعض من تأخر عنه من الإطناب في تصحيح عقده ، بل ربما كان ظاهر ما استدل به على ذلك عدم الفرق بين بلوغه العشر وعدمه ، وهو مع سبقه بالإجماع بل ولحوقه محجوج بالأصل المزبور بوجوه ، وخبر حمران أو حمزة بن حمران المروي في المستطرفات وغيرها (١) « أن أبا جعفر عليه‌السلام قال : الغلام لا يجوز أمره في البيع والشراء ولا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمس عشر سنة » وخبر عبد الله بن سنان المروي عن الخصال (٢) « عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل أبي وأنا حاضر عن اليتيم متى يجوز أمره ، قال : حتى يبلغ أشده قال : وما أشده قال : احتلامه » الخبر وغيرهما من النصوص المذكورة في باب الحجر (٣) وغيره والمناقشة في السند واضحة الفساد ، ولو بملاحظة الانجبار بما عرفت ، كالمناقشة في الدلالة بكونها فيهما أخص من المدعى ، باعتبار ظهورهما في التصرف بماله ، وبما إذا كان من دون إذن الولي ، ونحو ذلك مما لا ينبغي صدوره من متفقة فضلا عن الفقيه ، خصوصا بعد ملاحظة عدم القول بالفصل ، وأن المراد من أمره تصرفه القولي والفعلي ، وهذا معنى سلب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام الحجر الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ١ من أبواب الحجر وباب ٤٥ و ٤٦ من أبواب أحكام الوصايا.

٢٦١

عبارته في المعاملة ، وفعله الذي اشتهر التعبير به في كتب الأصحاب على وجه لا تنفعه إجازة الولي المتأخرة ، ولا إذنه السابق بل ولا أجازته نفسه بعد البلوغ ، ضرورة الخروج عن قابلية التأثير ، فمن الغريب المناقشة فيهما بأنه لا منافاة بين صحة عقده وبين عدم دفع المال إليه ، وأغرب منه الاستدلال بإطلاق ما دل على صحة البيع من الخطابات الوضعية التي لا تخص المكلفين ، بل ما كان منها ظاهر فيهم ، فليس المراد منه اشتراط السببية التي هي من أحكام الوضع به ، نحو ما تقدم في الحدث الأكبر والأصغر والإتلاف للمال المحترم وغيرها ، فيتأخر الحكم التكليفي لو كان التصرف بماله إلى ما بعد البلوغ ، أو يكلف به الولي وأما الوضعي كالملك ونحوه فيقارن السبب ، كما انه يقارنه لو كان العقد على غير ماله باذن من المالك سابقه أو لاحقة ، بناء على جواز الفضولي.

لكن ذلك جميعه كما ترى ، ضرورة القطع بعدم سببية ما وقع منه للبيع ، بملاحظة ما سمعته من النص والفتوى ، وبذلك افترق المقام عن نحو الحدث الذي لا يفرق في سببيته بين الصبي والمجنون والنائم وغيرهم ، وكذا الاستدلال بما ورد في الكتاب (١) والسنة من ابتلاء اليتامى واختبارهم في حفظ المال ، وفي التصرف فيه كي يدفع إليهم مالهم (٢) وبالسيرة القطعية في سائر الأعصار والأمصار على مباشرة الأطفال لبيع الخبز والماء ونحوهما وشرائهما ، وبالقياس على جواز‌

__________________

(١) سورة النساء الآية ٦.

(٢) الوسائل الباب ١ و ٢ من أبواب أحكام الحجر الحديث ١ و ٣ و ٤ و ٤٤ من أبواب أحكام الوصايا.

٢٦٢

وصيته (١) وعتقه (٢) وطلاقه (٣) ونحوها ومرسل المبسوط (٤) لا يخفى عليك ما فيهما ضرورة كون عدم انحصار الأول مع فرض وقوعه قبل البلوغ ، بمباشرة نفس عقد البيع والشراء ونحوهما من الأمور التي عرفت الدليل على اعتبار البلوغ في صحتها ، بل يكفي مباشرة السوم ونحوه من الأمور التي لا يعتبر فيها ذلك ، هذا إن كان الابتلاء قبل البلوغ.

أما لو كان بعده كما يقضي به بعض النصوص تحصيلا لصفة الرشد فلا دلالة على ما نحن فيه حينئذ بوجه وعدم اقتضاء الثاني للجواز مطلقا ، ضرورة وجوب الاقتصار فيه على خصوص ما جرت به السيرة التي تصلح حينئذ مقيدة أو مخصصة ، لما عرفت بعد فرض تسليمها على وجه ينافي ما سمعت مع احتمال منعها ، خصوصا بعد إطلاق النص والفتوى واشتراط البلوغ ، المشعر بكونها حادثة وصادرة ممن يتساهل بأحكام الشرع ، أو بكونها في خصوص ما علم فيه إذن الولي بإباحة المبادلة التي يطلق اسم البيع عليها ، ومثلها لا ينافي ما عرفت لكون الطفل فيها كالآلة وانها ليست من المعاطاة ، على القول بأنها بيع أو انها معاوضة مستقلة برأسها مفيدة للملك ، بل ولا منها بناء على أنها تفيد الإباحة ضرورة كونها على هذا التقدير لا بد فيها من إنشاء وقصد للمعاوضة ، ويترتب عليها الملك بالتلف والتصرف ونحوهما مما عرفت ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٤ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ٤ و ٥.

(٢) الوسائل الباب ٥٦ من أبواب كتاب العتق الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ٢٢ من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث ٢.

(٤) المبسوط ج ٢ ص ١٦٣ الطبع الحديث.

٢٦٣

وقول الطفل وفعله مسلوب القابلية عن ذلك لما عرفته ، وإن قلنا بجواز إباحته بالمعنى الأعم إذا فرض إذن الولي له بذلك ، لكون المرجع فيه حينئذ إلى إباحة الولي ، وإن كان إذن الطفل مشخصة لموضوع من أبيح له فإذنه حينئذ كغيره مما يعتبر في التشخيص لو علق عليه إباحة المال من دخول في دار أو إشارة من مجنون بل وحيوان لو فرض أو غيرهما ، ومثل ذلك لا يكفي في المعاطاة المعلوم اعتبار قصد المعاوضة فيها ، وإنشائها على كل حال ، ولا يكفي فيها القطع برضا صاحب المال بالمعاطاة من دون تحقق ذلك فعلا ممن له أهلية ذلك ، والفرض سلب الطفل عنها

ومن ذلك يظهر لك ما في الرياض حيث أنه بعد أن جزم بعدم جواز تصرفات الطفل ، قال : نعم الأظهر جوازه فيما كان فيه بمنزلة الآلة لمن له الأهلية ، لتداوله في الأعصار والأمصار السابقة واللاحقة من غير نكير ، بحيث يعد مثله إجماعا من المسلمين كافة ، لكن ينبغي تخصيصه بما هو المعتاد في أمثال هذه الأزمنة ، فإنه الذي يمكن فيه دعوى اتفاق الأمة ، ضرورة ظهوره في إرادة التصرف الإنشائي الذي يترتب عليه الملك والتمليك ، لا الإباحة بالمعنى الأعم ، وفيه ما عرفت ، ويمكن أن يريد ما ذكرناه ، لكن في شرح الأستاد أنه ربما يقال بترتب الملك على الإباحة المستفادة من مباشرة الأطفال إلحاقا لها بالمعاطاة مع تولي الطرفين ، بل أطنب بعض مشايخنا في عدم اعتبار البلوغ في المعاطاة بناء على أنها تفيد الإباحة فتصح حينئذ من الأطفال بإذن الولي ، وفيه منع لما عرفت من سلب أفعالهم وأقوالهم عن ترتب الملك وعن إرادة الإنشاء بها ، كما هو مقتضى‌ قوله عليه‌السلام « لا يجوز أمره حتى يبلغ أشده » (١) المعلوم إرادة التصرف من أمره فيه ، كما عرفت ، وما سوغناه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ و ٢ من أبواب أحكام الحجر الحديث ٤ و ٥.

٢٦٤

من الإباحة بالمعنى الأعم ، هو تصرف للولي دونه ، فلا ريب في أن الأحوط الاجتناب مطلقا.

وأما ما سمعته من الاستدلال بالقياس ، ففيه أولا منع حجيته وثانيا منع الحكم في المقيس عليه إلا ما قام الدليل المعتبر عليه ومرسل المبسوط مع عدم حجيته خصوصا بعد الاعراض عنه محتمل لإرادة التصرف في الجملة ولو الإباحة بالمعنى المذكور ولمن قارنه البلوغ بأحد أسبابه أو غير ذلك ، وقد ظهر من ذلك كله معلومية الحال ، وأن المسألة خالية من الاشكال ، وكذا الكلام في المجنون مطبقا أو أدوار حال جنونه ، بل لا أجد فيه خلافا بل الإجماع بقسميه عليه بل الضرورة من المذهب بل الدين ، لا لعدم القصد فإنه قد يفرض في بعض أفراد الجنون ، بل لعدم اعتبار قصده وكون لفظه كلفظ النائم ، بل أصوات البهائم وهو المراد من رفع القلم عنه. وعن الصبي في الخبر (١) مع أن العمومات التي قد اغتر بها من عرفت في الصبي شاملة لبعض أفراده إن لم يكن جميعها.

وكذا الكلام في المغمى عليه والسكران غير المميز وغيرهم ممن هو فاقد العقل المعتد به في التكاليف الشرعية وموضوعاتها الخاصة والمكره بغير حق الذي هو مما رفع الشارع الحكم عما أكره عليه من قول أو فعل (٢) بلا خلاف أجده فيه بيننا بل الإجماع بقسميه عليه ، بل الضرورة من المذهب ، مضافا إلى الأصل المقرر بوجوه ، وإلى ما دل على اعتبار الرضا وطيب النفس في صحة المعاملة وآثارها من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب مقدمة العبادات الحديث ١١.

(٢) الوسائل الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس الحديث ١ و ٢.

٢٦٥

من الكتاب (١) والسنة (٢) وإلى معلومية اعتبار ارادة معنى العقد من ذكر لفظه ، ضرورة عدم كون التلفظ به سببا للعقد على كل حال حتى لو وقع ممن لم يرد العقد به ، إذ‌ « لا عمل إلا بنية » (٣) و « إنما الأعمال بالنيات » (٤) و « لكل امرء ما نوى » (٥) لذلك اشتهر اعتبار القصود في العقود وتبعيتها لها بل لعله راجع إلى الرضا وطيب النفس اللذين قد عرفت اعتبارهما ومن المعلوم انتفاء ارادة معنى العقد من المكره لعدم تصور الإكراه عليه لذلك قال في التذكرة : انه في معنى الإكراه بيع التلجئة وهو أن يخاف أن يأخذ الظالم ملكه فيواطي رجلا على إظهار شرائه منه ولا يريد بيعا حقيقيا ، بل ربما استظهر منه الإجماع عليه إذ لا وجه له إلا ما عرفته من عدم ارادة العقد بما ذكره من ألفاظه.

نعم قد يشكل تحقق موضوع الإكراه فيما لو أكره على بيع عبد فباع اثنين أو نصفه كما في التذكرة ثم قال وكذا بثمن ، فباع بأزيد أو أنقص أو بوصف حلول أو غيره فباع بخلافه لكن في شرح الأستاد ولو بعض الرضا أو غير الأجل أو بعض الشروط فالظاهر البطلان ، أي لصدق الإكراه ولو جبره على البيع نقدا فأجر أو صالح أو أسلم فلا جبر قلت : المدار على صدق الإكراه ، ومع الشك فالأصل عدمه وفي التذكرة لو ادعى الإكراه قبل مع اليمين مع القرينة ولا بدونها ولا يخلو من إشكال إذا لم يكن ظهور يعتد به فيه وكيف كان فلا عبرة بما يصدر من‌

__________________

(١) سورة النساء الآية ٢٩.

(٢) الوسائل الباب ٣ من مكان المصلي الحديث ١ و ٣.

(٣) الوسائل الباب ٥ من أبواب مقدمة العبادات الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ٥ من أبواب مقدمة العبادات الحديث ٥.

(٥) الوسائل الباب ٥ من أبواب مقدمة العبادات الحديث ١٠.

٢٦٦

ألفاظ العقود ممن عرفت ونحوهم من الساهي والناسي والنائم وغيرهم ، ولو رضي كل منهم بما فعل بعد زوال عذره بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه لما عرفت مما يقتضي سلب عبارتهم على وجه لا ينفع تعقب الرضا عدا المكره للوثوق بعبارته فتصح حينئذ ويترتب عليها الآثار إذا عقبها بالرضا بعد ذلك على المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا بل في الرياض والحدائق أن ظاهرهم الاتفاق عليه. لكن لا يخفى عليك بعد التأمل فيما قدمناه أنه إن لم تكن المسألة إجماعية فلنظر فيها مجال كما اعترف به في جامع المقاصد ، ضرورة عدم اندراجه في العقود بعد فرض فقدان قصد العقدية ، وأن صدور اللفظ فيه كصدوره من الهازل والمجنون ونحوهما ، وقصد نفس اللفظ الذي هو بمعنى الصوت غير مجد ، كما أنه لا يجدي في الصحة تعقب إرادة العقد بذلك ، خصوصا بعد ما عرفت من اعتبار مقارنة النية بمعنى القصد للعمل ، وإلا لأجزاء تعقبها المهاذل ونحوه مما هو معلوم العدم ، وبذلك افترق عن الفضولي الذي قصد العقد بما ذكره. حتى جعل الرضا فيه كاشفا قبله ، لا ناقلا كما ستعرف ، فاستنباط حكم ما نحن فيه من فحوى الصحة فيه كما ترى.

وأغرب من ذلك التزام الصحة أيضا في الهاذل ونحوه ممن كان قاصد اللفظ دون المدلول إن لم يقم عليه إجماع ، كما هو ظاهر بعضهم ، لعدم الفرق بينه وبين المكره ، ودعواه بأنه غير قاصد للفظ بخلاف المكره فإنه قاصد للفظ دون مدلوله كما ترى واضحة الفساد ، فهو حينئذ كالمكره المتدرج في عمومات العقود ، والإكراه إنما كان مانعا شرعيا من تأثيرها أثرها فإذا زال عمل المقتضي مقتضاه ، بل لو قلنا بأن الرضا شرط فأقصى ما يستفاد مما دل على اعتبار شرطية وجوده ، أما سبقه أو مقارنته فلا دليل عليه فينفى بأصالة عدم الشرطية كغيره‌

٢٦٧

من الشرائط الشرعية التي يشك في اشتراطها التي ترجع في الحقيقة إلى الشك في إطلاق وجوب الوفاء وعدمه ، ولا ريب أن مقتضى الإطلاق الأول ، وهو معنى أصالة الإطلاق في الواجب ، وان الوجوب المشروط محتاج إلى الدليل بعد فرض إطلاق الأمر ، إذ لا يخفى عليك ما في جميع ذلك ، بعد ما عرفت من فقد القصد في المكره والهاذل الذي يمكن دعوى انتفاء اسم العقد بانتفائه حينئذ إذ ليس هو أسماء للفظ على كل حال.

نعم هو لفظ العقد بمعنى انه يعقد به عند إرادة العقد ، لا انه عقد كيف ما وقع ، ولو سلم فلا ريب في اعتبار مقارنة القصد له ، بدليل‌ قوله (ع) : « لا عمل إلا بنية » (١) وإنما الأعمال بالنيات (٢) ونحوها ولذلك اعتبر في صحة العبادة ، بل هو أيضا مقتضى رفع حكم ما أكره عليه (٣) وكونه كالعدم كما وهو واضح وستسمع إنشاء الله في الفضولي تمام البحث في ذلك ، فظهر حينئذ أن العمدة في المسألة الإجماع إن تم ، لكن قد يناقش في تمامه بإطلاق اشتراط الاختيار من بعضهم على وجه يظهر منه ان اشتراطه كاشتراط البلوغ والعقل ، بل ربما ظهر من إطلاق معقد إجماع الخلاف ذلك ، قال : فيما حكي عنه طلاق المكره وعتقه وسائر العقود التي يكره عليها لا تقع إجماعا منا ، ثم حكى بعد ذلك القول بالصحة عن بعض العامة في الطلاق والعتق من دون تعقب اجازة ، وفي نحو البيع والصلح إذا تعقبت وإلا بطلت فتأمل جيدا ، حتى يظهر لك ما أطنب به غير واحد من متأخري الأصحاب في المقام‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب مقدمة العبادات الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٥ من أبواب مقدمة العبادات الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس الحديث ١ و ٢.

٢٦٨

خصوصا فاضل الرياض.

نعم لو فرض تصور قصد المكره على اللفظ معنى اللفظ مع عدم الرضا منه وقلنا أن الإكراه على اللفظ لا يخرجه عن صلاحية التأثير ، جرى عليه حكم الفضولي ، بل وكذا لم يكن مكرها بل كان مختارا ولكن صرح بالقصد المزبور دون الرضا بناء على تصور انفكاكهما ، ولعل منه ما سمعته من التذكرة من بيع التلجئة ، ولا ريب في كونه حينئذ كالفضولي فتأمل جيدا ، وربما تسمع له فيما يأتي تتمة إنشاء الله ، وحينئذ فالمتجه بناء البحث على ذلك ، فالمكره القاصد للفظ ومدلوله على نحو سائر أفعال العقلاء ، كالمكره على الأكل والشرب ونحوهما ، حكمه حكم الفضولي ، والمكره الذي قد جرد نفسه من قصد العقد بما يتلفظه به على وجه لم يصدر منه إلا اللفظ الفرق باطل وإن تعقبه الرضا بعد ذلك لفوات القصد ، ولعل إطلاق الأصحاب الصحة في المكره مبني على غلبة كونه بالمعنى الأول ضرورة عدم منافاة الإكراه لذلك فتأمل جيدا وعلى كل حال فحيث يكون كالفضولي يجب انتظار غير المجبور ، وليس له الفسخ قبل فسخ المجبور ، وإن كان ربما يتوهم كون ذلك مخالفا لظاهر الشريعة ، ولو حصل الرضا بعد العقد بلا فصل ، فلا إشكال على القول بالصحة ولو فسخ فسد العقد أما لو استمر الجبر بلا فسخ ثم تعقب الرضا ففي شرح الأستاد قوي وجه الصحة ، قلت : لعل وجه العدم أنه قد يقال بكفاية استمرار عدم الرضا في فساد العقد بحيث لا تنفع معه الإجازة إذ دعوى احتياج فسخه إلى لفظ يدل عليه مريدا للإنشاء به لا دليل عليه ، وستسمع إنشاء الله له تتمة.

ولو كان الإكراه من المالك للأجنبي على نفس الصيغة احتمال الصحة من غير حاجة إلى تعقب رضا ، بل أقصاه الالتزام بالأجرة ،

٢٦٩

والوجه البطلان لرفع حكم ما اكره ، ومنه رفع قابليتها للتأثير ، وإلا لبقي حكمها ، بل الظاهر عدم العبرة برضاه بعد ذلك ، وإن قلنا بالاكتفاء به في المكره على بيع ماله ، ضرورة وقوع الصيغة فاسدة ، فلا يجدي الرضا المتعقب ، وكذا لو كان المكره غير المالك وبذلك يفرق بينه وبين الفضولي الذي لم يكره أحد على إيقاع الصيغة فتأمل جيدا ، فإنه ربما ظهر من بعض مشايخنا اتحاد حكم المكره من غير فرق بين الفضولي وغيره.

هذا كله في الإكراه بغير حق ، أما فيه فقد صرح غير واحد بالصحة معه لكن قد يقال أن الإكراه بالحق للحاكم ومن قام مقامه إنما يقتضي تصرف الجابر ولا حاجة إلى وقوع اللفظ من المجبور ، لأنه هو الولي له في هذا الحال ، واحتمال الإلزام له بمباشرة اللفظ الخالي عن القصد والرضا لا دليل عليه وقيام الحاكم مقامه فيما يقتضي قيامه في اللفظ الذي هو أسهل من ذلك على أنه لو اعتبر مباشرته للفظ أشكل بإمكان عدم تيسره منه ، لشدة عناده أو غير ذلك بل قد يشك في صحة العقد الذي يكره عليه والفرض كونه فاقد القصد والرضا ولو حصلا من الحاكم ، ضرورة كونه تبعيضا في العقد لم يعلم شرعيته والله أعلم.

ولو باع المملوك أو اشترى أو آجر أو استأجر أو فعل غير ذلك من العقود بعنوان انه لنفسه أو لسيده بغير إذن سيده لم يصح قطعا ، لما تعرفه إنشاء الله في محله من عدم قابلية العبد للملك والتمليك وكونه محجورا عليه في سائر التصرفات (١) ولو كانت متعلقة بيده الذي هو ملك غيره فضلا عن غيرها وأنه كل على سيده لا يقدر على شي‌ء ، نعم فان إذن له مولاه فيما يصح وقوعه منه جاز لارتفاع المانع حينئذ ولو لحقت الاذن تصرفه لمولاه جرى عليه حكم الفضولي ولو كانت إذن مولاه له سابقه أو لاحقة له نفسه في التصرفات‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب الحجر الحديث ١ و ٢.

٢٧٠

التي تستلزم التمليك ، ففي البطلان لعدم أهلية العبد لها ، والصحة مع الوقوع للمولى وجهان ، قد أشبعنا الكلام فيه في باب الدين ، كما أنه أشبعنا البحث فيما يوقعه العبد من العقود للغير بغير إذن مولاه ، وقد ذكرنا هناك أن القول بالصحة وإن لم يأذن المولى بل مع نهيه لا يخلو من قوة وإن أثم العبد بإيقاعها لأنه من منافعه المملوكة للسيد ، إلا أن الحرمة لا تنافي الصحة هنا ، بعد إن لم تكن للمعاملة من حيث كونها كذلك ، كما صرح به شيخنا في شرحه في المقام بل يومي إليه ما ورد في تزويج العبد نفسه ، فضولا عن مولاه فأجازه (١) إذ لا ريب في إثمه بإيقاع نفس العقد الذي هو تصرف في لسان العبد المملوك للسيد بالنسبة إلى ذلك ، فظهر حينئذ أن معصية العبد في الفرض لا تنافي الصحة ، وإلا لم تنفع إجازة المولى بعد ذلك في الصحة ، ضرورة تحقق الإثم الذي لا يرفعه إلا الاستغفار والتوبة.

ومن ذلك يظهر لك الحال فيما ذكره المصنف وغيره من أنه لو أمره آمر أن يبتاع له نفسه من مولاه بل ومن غير مولاه كوكيله ، بل لو باع نفسه من الغير فضولا عن مولاه فأجاز صح ، بل لو فعل ذلك فضولا عن الجانبين كما لو باع نفسه فضولا عن مولاه لفضولي آخر عن غيره فأجازا معا ، كل ذلك لما عرفت من عدم توقف الصحة على إباحة وقوع العقد من العبد ، ولكن قيل والقائل ابن البراج لا يجوز له ابتياع نفسه من مولاه لاتحاد عبارته مع عبارة السيد فيتحد الموجب والقابل ، ومقتضاه حينئذ ذلك حتى لو سبقت له الاذن بذلك ، وفيه منع واضح ، ضرورة عدم الاتحاد أولا وكفايته اعتبارا ثانيا كما ستعرفه إنشاء الله ، وأما تعليل عدم الجواز بعدم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبد والإماء الحديث ١.

٢٧١

سبق إذن مولاه له فيما أمره به الأمر ، ففيه أولا يكفي في الاذن له بيعه له مع علمه بشرائه لغيره ، وثانيا ما عرفت من عدم توقف الصحة على ذلك ، وإن عصى العبد بل لا يكون وكيلا عن الأمر الذي قد يستلزم معصيته أيضا من حيث استيفائه منفعة عبد الغير من غير إذنه إلا أن أقصاه ضمان الأجرة للسيد إن كان مما له اجرة ، فقبول العبد مقارنا لرضا الأمر ، أو سابقا له كاف في الصحة لما عرفت.

ومن هنا ظهر لك أن الجواز أشبه بأصول المذهب وقواعده ، كما أنه ظهر لك ما في جامع المقاصد والمسالك وغيرهما من أن التقييد بمولاه في المتن وغيره لتحصيل الاذن منه بخلاف ما لو أمر الأمر بالشراء من وكيل المولى فإنه لا إذن فيه من المولى ، فلا يصح إذ قد عرفت عدم توقفها في الفرض ونحوه على ذلك ، بل يصح حتى مع النهي فضلا عن عدم الاذن فيه والله أعلم ومن الشروط المتعلقة بالمتعاقدين في صحة العقد وفي تمامية تأثيره على الخلاف أن يكون البائع مثلا مالكا للمبيع أو ممن له أن يبيع عن المالك كالأب والجد للأب والوكيل للمالك ، والقائم مقامه أو المأذون عنهم والوصي له أو لأحد الأبوين المذكورين والحاكم وأمينه بلا خلاف أجده في شي‌ء منها بل الإجماع بقسميه على ذلك بل غيره من الأدلة كتاب (١) وسنة (٢) واضحة الدلالة عليه ، بل تدل أيضا على زيادة عدول المؤمنين من باب‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٢ وسورة النساء الآية ٢٩.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب العقد وشروطه و ٧٨ من أبواب ما يكتسب به و ٦ من أبواب عقد النكاح.

٢٧٢

الحسبة المستفادة من آية المعاونة (١) وعدم السبيل على المحسن (٢) » وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض (٣) وخيرية الإصلاح لليتامى (٤) وجملة من النصوص المعتبرة كصحيح ابن بزيع (٥) وغيره بل مقتضى كثير مما سمعت قيام الفساق مقامهم أيضا مع عدمهم وكون التصرف على وفق المصلحة (٦) ولعل من ذلك تصرف الأمناء في الأمانة ببيع ونحوه مخافة التلف (٧) كما أن مقتضى قوله تعالى ( وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ ) (٨) وغيره من أدلة المقاصد اضافة المقاص إليها (٩) كما صرح به في الدروس ولتفصيل البحث في ذلك وفي محال تصرفهم وكيفيته مقام آخر والمراد هنا بيان جواز بيعهم على الاجمال وعلى كل حال‌ فلو باع غير من عرفت ممن له الولاية ، لا بعنوان الوكالة عن المالك ، ملك غيره صح ولكن وقف تمام تأثيره من الملك ونحوه على اجازة المالك أو وليه على الأظهر الأشهر بل المشهور بل قيل انه كاد يكون إجماعا ، بل ربما أشعر قوله عندنا في التذكرة بالإجماع عليه ، كالمحكي عن الكركي في باب الوكالة بل عن موضع آخر من التذكرة‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٢.

(٢) سورة التوبة الآية ٩١.

(٣) سورة التوبة الآية ٧١.

(٤) سورة النساء الآية ١٢٨.

(٥) الوسائل الباب ١٦ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٢.

(٦) الوسائل الباب ٨٨ من أبواب أحكام الوصايا.

(٧) الوسائل الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٦.

(٨) سورة البقرة الآية ١٩٤.

(٩) الوسائل الباب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٢.

٢٧٣

نسبته إلى علمائنا لاندراجه بعد الرضا في البيع مثلا ، والعقد والتجارة عن تراض ، فيشمله ما دل على صحتها ولزومها من الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، ضرورة عدم توقف صدق أسمائها على صدور لفظ العقد من غير الفضولي ، إذ أقصى ما يدعيه الخصم أنه شرط شرعي ، فلا يتوقف عليه الصدق ، وليس في شي‌ء من الكتاب والسنة ما يدل على اعتبار صدور اللفظ المزبور من غير الفضولي ، كما أنه ليس في الأدلة ما يدل على اعتبار سبق الرضا أو مقارنته ، بل أقصى آية التراضي (١) ورواية عدم حل مال المسلم إلا بطيب نفسه (٢) اعتباره نفسه في الحلية ، وخروج أكل المال عن الباطل ، لا انه يعتبر سبقه على لفظ العقد في ذلك.

نعم سبقه أو مقارنته معتبرة في حصولهما على معنى انه لا حلية ولا خروج للمال عن كونه أكل بالباطل قبله ، وهو مسلم ، إذ القائل بصحة الفضولي لا يجوز الاقدام على التصرف بالمال قبل حصول الرضا وكيف والحاصل سابقا لفظ العقد وهو بعض العلة التامة لحصول النقل والانتقال لا تمامها ، كل ذلك بعد تسليم لزوم الفضولي لتأخر الرضا من المالك كي يتجه الاستدلال بما دل على تقدمه أو مقارنته ، وقد يمنع فإنه لا مانع من مقارنة رضا المالك أو سبقه لوقوع العقد من الفضولي الذي لا يكون بالمقارنة المزبورة وكيلا عن المالك ، إذ قد يوقع العقد وهو لا يعلم بالمالك فضلا عن رضاه ، وعن وقوع العقد على أنه عنه كما هو واضح ، وعلى كل حال فقد ظهر لك أن الشك إن كان ، فهو في شرط شرعي وهو مباشرة المالك أو من يقوم مقامه للفظ العقد ، فيصح‌

__________________

(١) سورة النساء الآية ٢٩.

(٢) الوسائل الباب ٣ من أبواب مكان المصلي الحديث ١ و ٣.

٢٧٤

الاستدلال حينئذ على تقيه بإطلاق أوفوا أو نحوه ، وبه يفترق المقام عن المكره الذي هو فاقد للقصد الذي يمكن دعوى عدم كون المراد بالعقد ما يشمله وإن تعقبه القصد بعد ذلك ، ولو لقوله عليه‌السلام « لا عمل إلا بنية » (١) و « إنما الأعمال بالنيات » (٢) ونحوه ودعوى ثبوتها أي الشرطية المزبورة من معلومية كون العقد بلفظ الإيجاب والقبول ، إنما هو لدلالته على الرضا من المالك بنقل المال عنه إلى المشتري ، بل هو المراد من لفظ بعت مثلا ومعناه ، ولا دلالة فيه مع وقوعه من الفضولي الذي لو دل على رضاه لم يكن مجديا ، ضرورة عدم العبرة برضا غير المالك ، يدفعها منع اعتبار ذلك في صلاحيتها للعقد.

نعم هي لو وقعت من المالك كانت دالة على ذلك ، فلذا لم تبق موقوفة عليه ، بخلاف ما لو وقعت من الفضولي فإنها غير دالة ، ولذا بقيت موقوفة على حصوله ، وليس معنى بعت رضيت قطعا ، بل معناها نقلت المال من مالكه ، إلا أن ذلك إن وقع من المالك المختار استلزم الرضا الذي هو من الكيفيات النفسانية ، وإلا احتيج إلى دال آخر ، على أنها إنما تدل على رضا الناقل بها وهي كذلك من الفضولي ، فإن كان المالك راضيا جعل رضا الفضولي رضاه ، وإلا فلا فتأمل.

وعلى كل حال فقد ظهر لك من ذلك كله أنه لا حاجة في الاستدلال بأية أوفوا ونحوها على المطلوب ، إلى دعوى كونه من العقود المتعارفة المتداولة في ذلك الزمان ، فتشمله الآية المزبورة بناء على كون المراد بها ذلك ، إذ قد تمنع على مدعيها ولا أقل من الشك ، فتبقى أصالة عدم نقل المال حينئذ بحالها ، كما سمعته في نظائر الفرض مما شك في كونه من العقود المتعارفة ، والاستدلال على ثبوتها بالسيرة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب مقدمة العبادات الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٥ من أبواب مقدمة العبادات الحديث ٥.

٢٧٥

المأنوسة والطريقة المألوفة من تصرف الوكلاء والمأذونين ، لا سيما مع كثرة المال واتساع الحال في غير الوجه الذي تعلق به الاذن ، ثم إخبار الموكلين وطلب الإجازة منهم ، وكذا الاحباء والأصدقاء ولا سيما مع بعد البلاد وهي عادة معروفة لا تنكر كما ترى ، إذ على فرضها في زمن الشرع وأتباعه تكون كاشفة عن رضاه بذلك ، وكفى بها دليلا على المطلوب من غير حاجة إلى تكلف الاندراج في الآية ، وإن كانت سيرة منشؤها التسامح في الشرع والجهل ، ولذلك يسلمون المبيع ويقبضون الثمن ويجرءون غير ذلك من أحكام الملاك عليها فلا عبرة بها ، وإلا لاقتضت صحة الفضولي من غير تعقب الإجازة ، وهو معلوم الفساد.

والأمر في ذلك سهل بعد ما عرفت من أن وجه الاستدلال هو عدم الدليل على اعتبار مباشرة المالك للفظ العقد في صحته التي يراد بها هنا الصلاحية للتأثير بعد اجتماع غيره مما علم اعتباره من الرضا وغيره كصحة الإيجاب بمعنى قابليته للتأثير لو أنظم إليه القبول ، وكصحة الركعة الأولى من فريضة الظهر مثلا وصحة العقد في الصرف الموقوف حصول الملك فيه على التقابض ، وصحة عقد الهبة ونحوها ، خصوصا بعد معلومية عدم إرادة الشارع المباشرة ، في غير ما ثبت فيها ذلك من بعض العبادات ونحوها مما لم يشرع فيها التوكيل وغيره مما يقتضي الاستنابة ، فوقوع العقد من غير المالك حينئذ بدون إذن منه كوقوع وفاء الدين وما في حكمه من الأعمال عبادات أو غيرها من المتبرع عمن عليه من دون إذنه ويترتب عليه الوفاء ونحوه من الأحكام إذ هو شبه الفضولي في المقام ، وإن افترقا باعتبار الرضا هنا للأدلة الدالة عليه دونه.

كل ذلك مضافا إلى ما دل على صحة الفضولي في النكاح من إجماع‌

٢٧٦

ونصوص (١) على وجه يظهر منهما عدم الخصوصية له ، وأنه جاز لاندراجه فيما دل على صحة عقد النكاح ولزومه ، ونحو ذلك مما هو مشترك بين المقام وبينه بل هو أولى منه ، ضرورة كونه في الفروج والأنساب التي يطلب فيها الاحتياط ، على أنه قد يتضمن الصداق بيعا ونحوه ، فيشمله حينئذ فضولي النكاح ، وإلى‌ خبر عروة البارقي الذي أغنت شهرته عند الفريقين عن النظر في سنده (٢) « عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه أمره بشراء شاة بدينار فاشترى به شاتين ثم باع أحدهما بدينار فأتى به وبالشاة فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بارك الله لك في صفقة يمينك » خصوصا ما في ذيله من بيع الشاة التي اشتراها ، والمناقشة في سنده مدفوعة بما عرفت من الانجبار ، كالمناقشة في دلالته باستبعاد تصرفه من غير إذنه وبعدم العموم في حكايات الأفعال ، فربما كانت عبارة التوكيل تفيد الوكالة العامة ، ولم تنقل إلينا ، وبأن الفحوى مجزية في الوكالة ، أو في إخراج العقد عن كونه فضوليا ، وبان المعاملة ربما كانت بطريق الإباحة من الجانبين لا تمليك فيها ، ولا ينافيها لفظ الصفقة وبأن العبارة دلت على إرادة الشاة الواحدة ، والمأتي به مما يتوقف عليه الواجب فيكون مستفادا من اللفظ ، وباحتمال طلبه الاذن في البيع بعد الشراء ولم ينقل إلينا ، ضرورة اقتضاء جملة منها بطلان الاستدلال بظاهر الكتاب والسنة التي لا يمكن استقصاء الاحتمال فيها ، وظاهر الخبر كون المحكي تمام ما وقع من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعروة ، على أن الأصل عدم غيره ، والفحوى لا تجزى في الوكالة قطعا ، لعدم الإنشاء وعدم الرضا فعلا ، بل ولا في إخراج العقد عن الفضولية ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أبواب عقد النكاح.

(٢) المستدرك ج ٢ ص ٤٦٢.

٢٧٧

بل أقصاها جواز الدفع والقبض وبها أقدم عرورة عليهما ، فلا إشكال حينئذ في دلالة الخبر على المطلوب ، كما لا إشكال في دلالة‌ الصحيح أو الموثق (١) « عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قضى في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب فاستولدها الذي أشتريها فولدت منه غلاما ثم قدم سيدها الأول فخاصم سيدها الأخير فقال : وليدتي باعها ابني بغير إذني فقال : الحكم أن يأخذ وليدته وابنها فناشده الذي اشتراها فقال له : خذ ابنه الذي باعا الوليدة حتى ينفذ لك البيع فلما أخذه قال أبوه أرسل ابني فقال : لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني فلما رأى ذلك سيد الوليدة الأول أجاز بيع ابنه » والمناقشة فيه باشتماله على رد ولد المشتري إلى مالكها الأول مع حريته للشبهة ، وعلى قبض ولد المالك وليس مملوكا وإنما عليه الغرامة ، وعلى تأثير الإجازة بعد الرد والفسخ ، وهو خلاف الإجماع ، يدفعها احتمال كون أخذ ولد المشتري للتقويم أو حتي يثبت كونه مشتبها كما إن أخذ ولد المالك للغرامة ، وأنه لم يصرح بالفسخ ، ولذا نفذت إجازته ، على أن ذلك كله لا يقدح في دلالته على المطلوب كما قرر في محله ، مؤيدا ذلك كله بالنصوص (٢) الواردة في اقتراض مال الصبي مع عدم الإذن الشرعي ليتجر به ، التي دلت على أن الربح للصبي ، فان تطبيقها على القواعد بلحوق الإجازة ممن له أهليتها أو بإغناء المصلحة الشرعية عنها أولى من طرحها أو الجمود عليها في مخالفة القواعد ، وكذا‌ ما ورد في ودعي (٣) جحد الوديعة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٧٥ من أبواب ما يكتسب به.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من أبواب أحكام الوديعة الحديث ١.

٢٧٨

واتجر بها من أن الربح للمالك‌ وفيمن باع ثم أقال بوضيعة ثم باع بأكثر من الثمن أن الربح للمالك الذي اشترى أولا » (١) وبالنصوص الواردة في باب الخمس (٢) المشتمل بعضها على التصرف فيه من بعضهم وطلب الإجارة من الامام عليه‌السلام فأجاز. بل غيرها من النصوص التي هي كذلك فيما لهم الولاية فيه من غير الخمس (٣) بل في نصوص المناكح والمساكن سيما ما صرح فيه منها بالشراء من مال الخمس من الجواري المشتملة على إجازة الإمام عليه‌السلام ذلك لأهل الحق (٤) ما يؤيد ذلك أيضا وقد عرفت أنه لا ينافي الفضولية تقدم الاذن لخصوص المشتري وإن كان البائع باقيا على غصبيته ، نحو ما سمعته في الخراج (٥) بل يؤيده أيضا ما ورد في إجازة السيد عقد العبد (٦) والوارث الوصية بما زاد على الثلث (٧) وفي التصدق بمجهول المالك (٨) ما يظهر منهم الإجماع عليه في باب الفلس من جواز بيع المفلس مع اجازة الغرما (٩) وغير ذلك في الأبواب المتفرقة كالرهن (١٠) وغيره مما يظهر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٤ من أبواب الأنفال.

(٣) الوسائل الباب ٢ و ٣ من أبواب إحياء الموات.

(٤) الوسائل الباب ٤ من أبواب الأنفال الحديث ٤.

(٥) الوسائل الباب ٧١ من أبواب جهاد العدو.

(٦) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٧) الوسائل الباب ١١ من أبواب أحكام الوصايا.

(٨) الوسائل الباب ٧ من أبواب اللقطة.

(٩) الوسائل الباب ٦ من أحكام الحجر الحديث ١.

(١٠) الوسائل الباب ٤ من أحكام الرهن الحديث ٢.

٢٧٩

الاتفاق منهم عليه ، وهو فضولي أو شبه الفضولي ، ومنه يظهر عدم اختصاصه في النكاح والبيع ، بل في الروضة أنه لا قائل باختصاصه بهما بل قد عرفت مما قدمناه سابقا جريانه في العقود وغيرها من الأفعال كالقبض ونحوه ، والأقوال التي رتب الشارع عليها الأحكام إلا ما خرج بالدليل ، كما أومى إليه في شرح الأستاد قال : وفي جري الفضولي فيما جرت فيه الوكالة من العبادات كالأخماس والزكوات وأداء النذر والصدقات ونحوها من مال من وجبت عليه أو من ماله وفيما قام من الأفعال مقام العقود ونحوه ، وكذا الإيقاعات مما لم يقم الإجماع على المنع فيها وجهان ، أقواهما الجواز ويقوي جريانه في الإجازة واجازة الإجازة وهكذا ، ويتفرع عليها أحكام لا تخفى على ذوي الأفهام ، وإن كان قد يناقش في فحوى أداء الخمس والزكاة من مال من وجبت عليه إذا كان بوجه لا يصح له نية التقرب فيه ، ولو لعدم العلم بالاذن فيه ، بل وفي جريانه في إجازة الإجازة لأنها من الإيقاع الذي علم عدم قيام الغير مقامه فيه ولو أجاز بعد ذلك.

ولكن الأمر سهل بعد ما عرفت من الاتحاد في مدرك المسألة فلاحظ ما قدمناه وتأمل ذلك ، فان فيه ما اشتمل على غير العقد من القبض والإقباض ونحوها ، وكيف كان فقد ظهر لك أن القول بالبطلان بمعنى سلب قابلية لفظ غير المالك ومن قام مقامه عن صلاحية التأثير وإن جمع باقي الشرائط ، ومرجعه إلى اعتبار مباشرة غير الفضولي في الصحة واضح الفساد ، وإن حكي عن الشيخ وابني زهرة وإدريس والفخر ومال إليه جماعة من متأخري المتأخرين ، بل أطنب فيه المحدث البحراني إلا أنه لم يأت بشي‌ء ، بل مقتضى جملة من كلماته التي‌

٢٨٠