جواهر الكلام - ج ٢٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أساء الأدب فيها مع مشايخه أنه لم يفهم محل النزاع ، وتخيل أن القائل بالصحة يريد حصول أثرها من الملك والتمليك وجواز التصرف وغير ذلك ، عدا اللزوم فأبرق وأرعد ثم ترنم وغرد وساق جملة من النصوص الدالة على خلاف ذلك مبتحجا بالعثور عليها ، والاهداء إلى الاستدلال بها ، ستعرف الحال فيها.

ومن الغريب دعوى الشيخ وابن زهرة الإجماع على ذلك ، ولم نعرف القائل به غير من عرفت ، بل المحكي عن أعاظم الأصحاب كالمفيد وابن الجنيد وغيرهم الصحة أيضا ، على أن المحكي عن نهاية الشيخ ذلك أيضا ، بل عبارته في محكي المبسوط غير صريحه في البطلان أيضا ، فمثل هذا الإجماع الذي يقوى الظن بخلافه لم تثبت حجيته ، مضافا إلى قصوره عن معارضته بعض ما عرفت ، فضلا عن جميعه كالاستدلال بالأصل المقطوع بذلك أيضا ، وبقاعدة قبح التصرف في ملك الغير ، وبما دل على اعتبار القدرة على التسليم في صحة البيع المعلوم انتفاءها هنا ، وما دل على النهي عن بيع ما ليس عنده ، وعما لا يملك (١) من طرق الفريقين وخصوص‌ صحيح الصفار (٢) « كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام في رجل باع قرية وإنما له فيها قطاع أرضين فهل يصلح للمشتري ذلك وقد أقر له بكلها فوقع عليه‌السلام لا يجوز بيع ما ليس يملك وقد وجب الشراء على ما يملك » وصحيح محمد بن القاسم بن فضيل (٣) « سألت أبا الحسن الأول عليه‌السلام عن رجل اشترى من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم وكتب عليها كتابا بأنها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ و ٢ من أبواب عقد البيع وشروطه.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ١ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٢.

٢٨١

قد قبضت المال ولم تقبض فيعطيها المال أم يمنعها قال : قل له يمنعها أشد المنع فإنها باعت ما لا تملك » وصحيح ابن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « أنه سأله رجل من أهل النيل عن أرض شراها بفم النيل وأهل الأرض يقولون هي أرضهم ، وأهل الأسنان يقولون هي أرضنا ، فقال : لا تشترها إلا برضا أهلها » وتوقيع الحميري المروي عن الاحتجاج (٢) « في السؤال عن ضيعة للسلطان فيها حصته مغصوبة فهل يجوز شرائها من السلطان أم لا؟ فأجاب عليه‌السلام لا يجوز ابتياعها إلا من مالكها أو بأمره أو رضا منه » وخبر جراح المدايني (٣) « لا يصلح شراء السرقة والخيانة إذا عرفت » وخبر قرب الاسناد (٤) عن علي ابن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن رجل سرق جارية ثم باعها يحل فرجها لمن شراها؟ فقال : لا يحل إذا أنباءهم أنها سرقة وإن لم يعلم به فلا بأس » وفيه منع كون إيقاع لفظ العقد الذي لم يتحقق تأثيره إلا برضا المالك ، تصرفا في مال الغير حتى من الغاصب ضرورة أصالة براءة ذمته من حرمة القول المزبور ، نعم يحرم عليه تصرفاته فيه بالقبض والإقباض ونحوهما ، على أن حرمة ذلك عليه لا تقتضي الفساد عقلا بل ولا شرعا لعدم تعلق النهي به على وجه يفهم منه عرفا ذلك ، ومن هنا كان بيع الغاصب من الفضولي عند المعظم أو الجميع.

ومن الغريب ما أطنب به بعض الناس في المقام في تحقق كون‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٨.

(٣) الوسائل الباب ١ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٧.

(٤) الوسائل الباب ١ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١٢.

٢٨٢

العقد من الفضولي تصرفا في مال الغير ، وما دل على اعتبار القدرة على تسليمه إنما هو في البائع ذي السلطنة التي يراد منه الإقباض حتى يقبض الثمن ، لا البائع بمعنى العاقد ، ضرورة تخلفه في الوكيل على الصيغة ونحوه كما هو واضح ، وعليه ينزل النهي عن بيع ما ليس عنده كما استدل به عليه بل وما لا يملك ، لا ما يشمل الفضولي الذي لم يصدر منه إلا اللفظ الموقوف تأثيره على رضا المالك ، وان المراد به النهي عن بيع ما ليس عنده ولا يملكه من الأعيان المشخصة التي هي عند غيره ، على وجه بيع المالك لها لا على جهة إيقاع العقد الموقوف على رضا المالك ثم يسعى بعد ذلك في تحصيلها بشراء ونحوه فان ذلك غير جائز ، بل ربما ظهر من التذكرة ومحكي غيرها الإجماع عليه لما فيه من الغرر المنهي عنه. وقال في الدروس أنه يصح لو باع ملك غيره ثم انتقل إليه فأجاز ، ولو أراد لزوم البيع بالانتقال فهو بيع ما ليس عنده وقد نهى عنه ، نعم لو باعه موصوفا في الذمة يطابق ما عند الغير ثم ملكه ودفعه صح ، وأطلق الحلبي صحة بيع ما ليس عنده ، ويحمل على ذلك.

هذا كله مضافا إلى ما قيل من أنه يظهر من بعض أخبارنا المعتبرة أن المزبور عامي‌ قال ابن الحجاج في الصحيح (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجيئني يطلب المتاع فأقاوله على الربح ثم أشتريه فأبيعه منه فقال : أليس إن شاء فعل وإن شاء ترك؟ قلت : بلى قال : فلا بأس به قلت : فان من عندنا يفسده قال : ولم؟ قلت يقول باع ما ليس عنده قال : فما يقول في السلف قد باع صاحبه ما ليس عنده فقلت : بلى قال : فإنما صلح من قبل انهم يسمونه سلما إن أبي عليه‌السلام كان يقول لا بأس ببيع كل متاع كنت تجده في الوقت الذي بعته فيه » ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب أحكام العقود الحديث ٣.

٢٨٣

وقال أيضا في صحيحه الآخر (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالا قال : ليس به بأس قلت : انهم يفسدونه عندنا قال وأي شي‌ء يقولون في السلم قلت : لا يرون فيه بأسا يقولون هذا إلى أجل فإذا كان إلى غير أجل وليس هو عند صاحبه فلا يصلح فقال : إذا لم يكن أجل كان أحق به ثم قال لا بأس أن يشتري الرجل الطعام وليس هو عند صاحبه إلى أجل وحالا لا يسمى له أجلا إلا أن يكون بيعا لا يوجد مثل العنب والبطيخ وشبهه في غير زمانه فلا ينبغي شراء ذلك حالا » وإن كان قد يقال أن مقتضى الروايتين تكذيب العامة في الحكم المذكور وهو بيع الكلي حالا مع التمكن منه لا تكذيبهم في الحديث المزبور.

نعم لا دلالة فيه على ما يشمل الفضولي كما أن الظاهر من الثاني المشتمل مع ذلك أيضا على نفي الطلاق والعتق عمن لا يملكهما (٢) بطلان ما عند أبي حنيفة من تجويزه الطلاق قبل التزويج فيقع حينئذ بعده ولعله يقول بنحوه في العتق والبيع ، ولا ريب في بطلانه عندنا ، كما أنه لا ريب في عدم كون ما نحن فيه من الفضولي كما هو واضح ، بل منه يعلم المراد مما في صحيح الصفار الظاهرة في إرادة نفي اللزوم من نفي الجواز فيه ، بقرينة الوجوب بعده فيما يملك ، بل الظاهر من البيع والشراء عند الإطلاق غير الفضولي الذي هو العقد نفسه قبل حصول الإجازة ، ولذلك أمر عليه‌السلام بمنع إعطاء الثمن للامرأة المزبورة التي باعت ما لا تملكه ، ضرورة عدم كونها من المالكين الذين ينقلون مالهم من السلطنة على المبيع إلى المشتري ، وإنما هي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من أبواب مقدمات الطلاق وشروطه.

٢٨٤

أوجدت لفظا قابلا للتأثير فان أراده المالك اجازه وتسلم الثمن وإلا فلا ، وليس في صحيح ابن مسلم إلا النهي عن الشراء الذي قد عرفت المراد به عند الإطلاق إلا برضاء الأهل ، ولا دلالة فيه على عدم جواز جريان ألفاظ العقد ، وتوقيع الحميري أولى بالدلالة على المطلوب من خلافه ، ضرورة انطباق ما فيه من الأقسام الثلاثة على المالك ووكيله والفضولي الذي يتعقبه الرضا ، وخبر جراح وما بعده أجنبيان عما نحن فيه ، ضرورة أن القائل بجواز الفضولي لا يجوز التصرف والاستيلاء قبل تحقق الرضا من المالك كما هو واضح ، فمن الغريب الاستدلال بهذه النصوص على ذلك فضلا عن التبجح والتعجب من الاهتداء إليها دون الأصحاب ، إذ لا يخفى عليك أن العجب من ذلك أعظم ، ثم ان الأقوى كون الإجازة المتعقبة للعقد وغيره مما يعتبر في الصحة كاشفة ، وفاقا لصريح الشهيدين وغيرهما بل في الرياض أنه الأشهر كما عن مجمع البرهان فذهب الأكثر لأنها رضى بمقتضى العقد الذي هو النقل حينه ، بل هي في الحقيقة رضا برضا الفضولي الذي كان مقارنا للعقد ، فينكشف حينئذ بذلك كون العقد تام الشرائط غير متوقف حينئذ تأثيره على شي‌ء آخر ، إذ المالك لم يصدر منه إلا الرضا بما وقع من العقد الدال على رضا العاقد بنقل المال بما صدر منه من العقد حينه ، وبدليل مشروعية الفضولي الذي قد عرفته سابقا صار لفظ الفضولي الدال على رضاه بذلك ، كلفظه نفسه الدال على ذلك ، فهو حينئذ كالوكيل وإن افترقا في خصوص هذا الفرد من الفضولي بالسبق واللحوق ، كافتراقهما فيما كان رضا المالك مقارنا للفظ الفضولي ، وسابقا عليه مستمرا إلى حصوله باختصاص ذلك باسم الوكيل شرعا دونه ، وإن اتحدا بالآثار مضافا إلى ظهور ما دل في تسبيب العقد مسببه وانه لا يتأخر عنه ،

٢٨٥

السالم عن معارضة ما دل على اشتراط رضا المالك ، بعد احتمال كون المراد من شرطيته في المقام المعنى الذي لا ينافي السببية المزبورة ، وهو الشرط الكشفي الذي لا مانع من تصوره في العلل الشرعية التي هي بحكم العلل العقلية ، إن لم يكن هناك من الشرع ما يقتضي خلاف ذلك ، كما جاء في تقديم غسل الجمعة يوم الخميس (١) الذي هو شبه تقديم المسبب على السبب ، فلا مانع حينئذ هنا من التزام توقف تأثير العقد على حصوله المستقبل وإن ترتب الأثر إلا آن قبل وقوعه ، فبحصوله فعلا ولو في المستقبل يكون العقد مؤثرا من حينه ، لأن ذلك هو المشروط به فمتى تحقق بان تحقق مشروطه ضرورة رجوع الحال إلى اشتراط أثر العقد ، ومقتضاه الذي هو الملك حاله بحصول الرضا من المالك ولو في المستقبل ، نحو ما سمعته في اشتراط صحة صوم المستحاضة بأغسالها الليلية (٢) بل هو كذلك في جميع ما كان من قبيل ما نحن فيه ، ولعل منه عدم قبول العبادة ممن يرتد بعد ذلك عن الدين وغيره ، مما كان السبب في الأثر فعلا لحال المتأخر ، ضرورة التزام الكشف فيه بالمعني المزبور هو الموافق لظاهر الأدلة ، بخلاف النقل المقتضى رفع اليد عما اقتضى مقارنة أثر العقد لحصوله ، وانه لا يتخلف عنه على وجه يكون العقد في زمان والأثر الذي هو الملك هنا في زمان آخر ، ومضافا إلى إشعار‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعروة : « بارك الله لك في صفقة يمينك » (٣) بذلك أيضا بل وخبر الوليدة (٤) حيث لم يرجع السيد عليه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٢) تقدم في ج ١٦ ص ٢٤٧ من هذا الكتاب.

(٣) المستدرك ج ٢ ص ٤٦٢.

(٤) الوسائل الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٢٨٦

بعد الإمضاء بشي‌ء من اجرة خدمة ونحوها ، بل هو الموافق لخبر إجازة الصبي بعد بلوغه وموت الآخر الذي أجاز كذلك وارثه منه بذلك (١) ضرورة استحالته على النقل لفوات المحل.

وكأنه لمح إلى بعض ما ذكرناه من استدل عليه بأن السبب الناقل للملك هو العقد المشروط بشرائط ، وكلها كانت حاصلة إلا رضا المالك بذلك فإذا حصل الشرط الذي به ظهر جامعية العقد لها عمل السبب التام عمله ، لعموم الأمر بالوفاء بالعقود (٢) فلو توقف العقد على أمر آخر لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد ، بل هو مع الأمر الآخر ، ضرورة كون المراد منه ما ذكرناه في وجه الكشف ووجه كونه شرطا مع ذلك ، لا أن المراد به شرط يتوقف تأثير العقد عليه ، على حسب شرائط العلة التامة التي هي في توقف التأثير عليها كالجزء ، بل ليست العلة التامة إلا حصول المقتضى والشرائط وارتفاع الموانع ، فمتى حصلت حصل المعلول ولا يتأخر عنها كما هي لا تتأخر عنه ، بل لا يتصور الكشف في شرائطها بالمعنى المزبور ، وقد عرفت الفرق بينها وبين ما نحن فيه من العلل الشرعية التي لا غرابة في تأخر الشرائط فيها في عبادة ولا معاملة لكن على الوجه المزبور ، بل يمكن كونه مثلها بناء على أن الشرط أن يحصل الرضا لا حصوله فعلا ، كما لا غرابة في شبه تقدم المسبب على سببه نحو غسل يوم الجمعة في الخميس ، فضلا عن ذلك ، ومن هنا ظهر لك بطلان الاعتراض في الاستدلال المزبور بأن الشرط ما يتوقف عليه تأثير المؤثر ، وإن لم يكن جزء سبب ، والفرق بينهما غير واضح ، وما ذكروه من أن العقد سبب تام فمع الإجازة مسلم ، ويتوقف تأثيره عليها من حينها كما هو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أبواب ميراث الازدواج الحديث ١.

(٢) سورة المائدة الآية ١.

٢٨٧

قاعدة الشرط ، ومع عدمها ظاهر بطلانه ، ضرورة عدم منافاة شرطية المستفادة من الكتاب والسنة لمعنى الكشف الذي قررناه ، وأوضح فسادا منه الاعتراض عليه بأن المفهوم من الكتاب والسنة والإجماع جزئية الرضا في سبب نقل المال ، إذ لا يخفى عليك أنه إن أراد بالجزئية أنه يتوقف عليه نقل المال كالجزء فمسلم ، ولكن لا ينافي الكشف كما عرفته ، وإن أراد كونه كالإيجاب والقبول فهو ممنوع ، بل الثلاثة بخلافه لعدم توقف صدق اسم العقد عليه ، نعم هو شرط لوجوب الوفاء.

ومن الغريب الإطناب في بيان توقف نقل المال عليه ، وهو شي‌ء لا ينكره القائل بالكشف ، بعد توافق الثلاثة بل والعقل عليه ، نعم ربما صدر من بعضهم ما عساه يوهم ذلك ، حيث جعله شرطا للعلم بانتقال المال لا له نفسه ، ولعله يريد ما ذكرناه ، وإلا كان واضح الفساد. ضرورة صراحة الأدلة في مدخليته في نقل المال واقعا ، فلا يجزى حينئذ في حصول الملك إخبار المعصوم ، فضلا عن غيره بأن المالك إذا بلغه العقد يحصل منه الرضا ، لعدم الحصول فعلا الذي هو الشرط في عدم أكل المال بالباطل ، وحلية مال المسلم على وجه تتبع الملكية.

نعم لو أخبر المعصوم بأنه يحصل الرضا فعلا من المالك الذي يؤثر رضاه ، كفى ذلك في ترتب الآثار الآن عليه ، لتحقق الشرط حينئذ كتحققه بنفس وقوعه ، إذ الشرط الحصول فعلا ولو في المستقبل ، ولا ريب في تحقق الحصول في المستقبل بالاخبار ، أو لأن مثل هذا الشرط لا بأس بحصول مشروطه قبله ، بعد إن كان من الأوضاع الشرعية التي منها ما يشبه تقدم المعلول على العلة ، كما انه يمكن إن لم يصرح بما‌

٢٨٨

ينافيه من ثمرة أو نحوها إرجاع القولين بذلك إلى شي‌ء واحد ، على معنى أن القائل بعدم الكشف يريد نفيه على وجه يرفع شرطية الرضا كما أن القائل بعدم النقل يريد نفيه على وجه يقتضي رفع مقتضى العقد بل والإجازة ، لا رفع شرطية في حصول التأثير على الوجه الذي ذكرناه.

وحاصل الكلام أن الوجه في الكشف أحد أمور ثلاثة ، الأول انه من قبيل الأوضاع الشرعية على معنى أن الشارع قد جعل نقل المال في الزمان السابق عند حصول الرضا في المستقبل ، الثاني أن يكون الرضا المتأخر مؤثر في نقل المال في السابق ، كما سمعنا من بعض مشايخنا ، الثالث وهو التحقيق أن يكون الشرط حصول الرضاء ولو في المستقبل الذي يعلم بوقوعه من المالك مثلا ، أو بإخبار المعصوم أو نحو ذلك ، والمراد شرطية الرضاء على هذا الوجه ، وكان هذا هو المتعين ، بخلاف الأول الذي لا نظير له في الشرع في المعاملات ، بل هو مستلزم لمخالفة كثير من القواعد الشرعية. كالثاني المقتضى ذلك أيضا ، بل مقتضاه اجتماع المالكين على مال واحد في زمان واحد ، بل لا يعقل الثانية في الملك في الزمان الماضي ، فتعين الثالث ولكن لا بد فيه من حصول الرضا ولو في المستقبل ، ولا يكفي فيه الرضاء التعليقي بمعنى أنه لو علم لرضى ، كما أوضحناه سابقا والله العالم.

وعلى كل حال فالظاهر أن بناء القولين على اعتبار ذلك شرعا لا أنه في حمل الإطلاق عليه ، وإلا فيجوز ارادة الكشف أو النقل بعد وجود الصارف من قبل العاقد الخارج بتعذر أحدهما ، فيتجه حينئذ البطلان مع ذلك ، وبه صرح شيخنا في شرحه ، كظهور ترتب الثمرة على القولين في النماء الحاصل بين العقد والإجازة للثمن والمثمن ، قيل‌

٢٨٩

وفي أنه ليس للمشتري الأصيل مثلا الفسح بل ولا التصرف في المال قبل اجازة المالك للبائع الفضولي على الكشف دون النقل ، ونوقش بأنه قد يقال بذلك أيضا على النقل ولكن لا يخفى عليك ما فيه ، أما الأول فلما فيه تمامية العقد من جهته ، فاستصحاب قابليته على وجه لا ترتفع بفسخه بحاله كتناول خطاب أوفوا له ، وعدم اللزوم من طرف الآخر لا ينافيه كما أن أصل عدم الإجازة قد انقطع بوقوع العقد المخاطب بالوفاء به ، الذي لا معنى له إلا التربص به ، والمراعاة لحاله الذي هو عند التأمل كل من صحته وبطلانه مشروط بأمر وجودي وهو الرد والإجازة ، وقد تحقق أحدهما قطعا بمجرد وقوع العقد في علم الله تعالى شأنه بناء على ما عرفته من الكشف ، وكما أن الأصل عدم الإجازة ، الأصل عدم الرد أيضا ، فهو حينئذ مال لا يعلم أنه لأيهما وبذلك كان قسما ثالثا على معنى أنه مع الإجازة من المعلوم انه للمشتري ، ومع الرد من المعلوم انه للبائع ، ومع عدم العلم بهما من غير المعلوم ، فلا وجه للتمسك بالعمومات السابقة ، ولا الاستصحاب ولا اليد ، ولا غير ذلك وستسمع إنشاء الله في كتاب النكاح في عقد الفضولي للصغيرين فبلغ أحدهما فأجاز ما له نفع في المقام.

نعم قد يقال بثبوت خيار العيب له ونحوه مما هو ثابت له على فرض الإجازة ، فقبلها بطريق أولى فتأمل ، وقيل : تظهر أيضا فيما لو انسلخت قابلية الملك عن أحدهما بموته قبل اجازة الآخر ، أو بعروض كفر بارتداد فطري أو غيره مع كون المبيع مسلما أو مصحفا ، فتصح حينئذ على الكشف دون النقل ، وكذا لو انسلخت قابلية المنقول بتلفه أو انقلابه إلى النجاسة أو عروض النجاسة له مع ميعانه إلى غير ذلك وفي مقابله ما لو تجددت القابلية قبل الإجازة بعد انعدامها حال العقد‌

٢٩٠

كما لو تجددت الثمرة أو بدء إصلاحها بعد العقد قبل الإجازة وفيما لو قارن العقد فقد الشرط بقول مطلق ، ثم حصلت وبالعكس وفيه أن الأول وإن كان قد يشهد له خبر الصغيرين الذين مات أحدهما لكن يسكن الجمود عليه ، ودعوى عدم الجواز في غيره ، بناء على الكشف أيضا ضرورة أنه عليه يمكن دعوى ظهور الأدلة في اعتبار القابلية حاله ، كالنقل أيضا وانه لولا الرضا لكان مالكا ، بل لا بد من اتصالها من حين العقد إلى حين الإجازة ، حتى لا ينافي زمان التملك الذي هو مستمر أيضا من حين العقد إلى حين الإجازة ، ومنه تنقدح المناقشة في الثاني ، بل هي أوضح فيه من الأول ، ضرورة كون المعتبر على الكشف والنقل رضى المالك ، والفرض انتفاء ملكيته بانتفاء قابلية العين لها.

وأوضح من ذلك فسادا فاقد القابلية للملك حين العقد ، ثم وجدت قبل الإجازة ، فإنه لا وجه للصحة على الكشف كما هو واضح ، وعلى النقل أيضا لعدم قابلية العقد حال وقوعه للنقل ، فلا تنفعه الإجازة بعد إن كان في غير محله ، قيل : وكذا تظهر الثمرة في تعلق الخيارات والشفعة وعدم صحة التصرف من حين العقد ، واحتساب مبدإ أوقات الخيار ، ومعرفة مجلس الصرف والسلم ، واشتراط بقاء القابلية بعقل ، ورشد إلى حين الإجازة حيث تلحقها بالعقد الجديد إلى غير ذلك. وترتب ما يتعلق بالعهود والنذور والايمان غير محتاج إلى الإيضاح والبيان ، وفيه أيضا أن من المقطوع به عدم الإجازة من العقود إذ ليست هي إلا الرضا بالعقد السابق ، كما انه لا يخفى عليك الحال بناء على كون المراد من الكشف ما سمعته سابقا في أحد الاحتمالين ، من كون الرضا المتأخر مؤثر في اقتضاء العقد النقل سابقا ، فيكون شبه تقديم المسبب على السبب ويبقى العقد حينئذ مراعى ، مضافا إلى ما تعرفه إنشاء الله في مطاوي البحث‌

٢٩١

وربما تظهر الثمرة أيضا فيما لو ترتبت العقود على المبيع أو الثمن أو عليهما فضولا ، ولا ريب في أن للمالك تتبع العقود ، ورعاية المصلحة له فيجيز ما شاء الله ، لكن في الدروس ومحكي الإيضاح انه إذا جاز عقدا على المبيع صح وما بعده خاصة ، وفي الثمن ينعكس أي يصح هو وما قبله خاصة ، وكان وجهه أن الفضولي لو باع العبد مثلا بسيف ، ثم باعه المشتري من الفضولي بدار ، ثم باعه الثاني بفرس ، ثم باعه الثالث بثوب ، فأجاز المالك منها بيعه بالدار صح هو ، وبطل السابق قطعا لعدم الإجازة ، وذلك لأن إجازته الثاني تقتضي كون المبيع باقيا على ملكه ، وبقائه على ملكه ينافي صحة شي‌ء من العقود السابقة على ذلك العقد ، إذ لو صح شي‌ء منها لخرج المبيع عن ملكه ، فلم تؤثر إجازته فيه ، وأما ما بعد من العقود فلا ريب في صحتها بناء على الكشف ، لوقوع التصرف حينئذ في الملك ، وأما على النقل فيحتمل البطلان لتعذر الإجازة حينئذ من المالك ، والصحة بلا إجازة لحصول الملك للبائع الذي قد يتحقق رضاه ببيعه فضولا ، ولم يبق إلا الملك وقد حصل والصحة مع الإجازة منه لكون الرضا الأول إنما كان ، والمال لغيره ، ولعل الأول أقوى.

وأما لو ترتبت على الثمن كما لو بيع السيف بقوس ، ثم القوس بدابة ثم الدابة ببعير ، ثم البعير بدراهم ، فان الحكم ينعكس لو أجاز واحدا منها ، فان ما قبله يصح ويقف ما بعده على الإجازة لأنه الفضولي ، فلو جاز في المثال بيع الدابة بالبعير مثلا استلزم اجازة ما قبله لأن إجازته إنما يعتد بها شرعا لو كان مالكا للدابة ، وإنما يكون مالكا لها حينئذ لو ملك ما بذل في مقابله وهو القوس ، وإنما يملك على هذا التقدير إذا ملك السيف ، وإنما يملكه لو صح بيع السيف فيجب الحكم‌

٢٩٢

بصحته حملا لكلام المسلم على الوجه الذي يكون معتدا به شرعا ، وهذا كله واضح ، نعم ينبغي أن يكون ذلك في المثمن لو كانت السلسلة على ما ذكرناه ، أما لو جرت العقود على الثمن خاصة كما لو بيع السيف مرارا على حسب ما سمعته في المثمن لا عليه ثم على ثمنه وهكذا فان المتجه حينئذ في الفرض المزبور جريان حكم المبيع فيه من صحة العقد المجاز وما بعده ، بقاء على الكشف وعلى النقل الوجوه الثلاثة دون ما قبله ، إلا العقد الأول الذي قوبل فيه المبيع فضولا ، فان دخول الثمن في الملك متوقف على أجازته ، وربما ورد المثال المزبور على إطلاق الفخر والشهيد ، لكن يدفعه معلومية إرادتهما بالترتب الذي أثبتنا فيه العكس ما ذكرناه أولا ، واكتفائهما بذكر ذلك في المبيع عن ذكره في الثمن.

والأمر سهل بعد وضوح الحال كوضوحه في غير الفرض مما تتعدد فيه العقود مترتبة وغير مترتبة ، وفي حكم إجازة ما يجاز منها دفعة لعدم التنافي كالبيع والإجارة وغيرهما ، بل وغير ذلك مما لا يخفى حكمه بعد ضبط الأصل من غير فرق بين النقل والكشف والله أعلم.

وأما الإجازة ممن هي له فـ ( لا يكفي ) فيها سكوته مع العلم فضلا عن الجهل بل ولا مع حضور العقد عند علمائنا وأكثر أهل العلم كما في محكي التذكرة لأعمية ذلك من الرضا ، فلا يدل ، والاكتفاء به من البكر في النكاح (١) للقرينة وفي الخبر المروي بعدة طرق وفيها الصحيح في حديث سكوت المولى عن عبده بعد علمه بتزويجه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد الحديث ١ و ٢ و ٣.

٢٩٣

إقرار منه عليه (١) ومنه ومن غيره وإطلاق الأدلة يعلم عدم اعتبار لفظ مخصوص فيها ، بل ولا مطلق اللفظ فيكفي حينئذ ما دل على الرضا من الأفعال التي هي أولى من السكوت المزبور في ذلك ، وحديث « إنما يحلل الكلام » (٢) ظاهر في غير الشروط على أن المحلل والمحرم فيما نحن فيه العقد الذي تعقبه الرضا ، ودعوى اختصاص النصوص المزبورة في النكاح يدفعها بعد عدم انحصار الدليل فيها ، أولوية غيره منه في ذلك ، مضافا إلى ظهور قوله عليه‌السلام في الصحيح المزبور في عدم الخصوصية ، فالرضا في المقام كالرضا باللزوم على وجه يقضي بسقوط الخيار ، فإنه لا يعتبر فيه اللفظ المخصوص ، بل يكفي فيه مطلق اللفظ بل الفعل أيضا ، بل إن لم يقم الإجماع أمكن الاكتفاء هنا بتحقق الرضا بينه وبين الله وإن لم يصدر منه ما يدل عليه ، للصدق ولفحوى بعض نصوص النكاح الفضولي أنه يحلف على عدم الرضا في نفسه فيما بينه وبين الله (٣) نعم لا بد من الرضا بالعقد السابق على وجه الجزم بحيث لا يفقد غير التلفظ به ، فلا يجزى التردد ونحوه مما لم يكن رضا بالمعنى المزبور ، كما انه لا يجزى في الفسخ أيضا لا لاشتراط لفظ مخصوص فيه ، كما عن الشهيد في حواشيه حيث قال : والرد أن يقول فسخت ، ولو قال : لم أجز كان له الإجازة ، بل قيل : أنه تشهد له جملة من الأخبار ، وكلام الأصحاب بل قيل : أنه يدل عليه في الجملة خبر الوليدة السابق (٤) ضرورة عدم الدليل على شي‌ء من ذلك ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٨ من أبواب أحكام العقود الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ٥٨ من أبواب المهور.

(٤) الوسائل الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٢٩٤

واستصحاب الصحة يقطعه ظهور النص والفتوى في الاكتفاء برد العقد بمطلق ما يدل على ذلك ، ويستلزمه من قول أو فعل كالفسخ في عقد الخيار بل قيل : أنهم قالوا في باب الوكالة لو قال الوكيل : وكلتني على شراء الجارية بألفين فقال الموكل : بل بألف وكان الشراء بعين ماله انه يحلف على نفي ما ادعاه الوكيل وينفسخ العقد ، ولا يكون فضوليا لأن حلفه يدل على عدم رضاه ، بل إن لم يقم إجماع أمكن الاكتفاء فيما بينه وبين الله بقصد معنى الفسخ في نفسه على نحو ما سمعته في الرضا ، وإن كان التداعي الذي هو مبني على الأمور الظاهرة له حكم آخر.

نعم قد يقال : إنه لا بد مع إرادة الفسخ من قيامه في النفس على وجه لا ينقص عن المتلفظ به إلا باللفظ ، فلا يكفى فيه حينئذ الكراهة ونحوها ، ولذا صححوا عقد المكره بالإجازة المتعقبة ، بل قالوا أنه لا يعتبر في صحة الفضولي وعدم تقدم نهي المالك ، اللهم إلا أن يكون على وجه يتحقق معنى إرادة الفسخ ، بعدم الرضا فعلا بترتب آثار العقد عليه ، بقي شي‌ء وهو انك قد عرفت فيما تقدم عدم اعتبار تعقب الرضا في الفضولي ، بل يمكن سبقه ومقارنته له ، كما لو عقد فضولا بحضور المالك مع رضاه به ، أو مع سبق رضاه مستمرا إلى حصول العقد ، ولم يعلم العاقد ، بل قد يقال : بتصور حكم الفضولي من الإنسان نفسه كما لو عقد بقصد إرادة نفس العقد مصرحا بتأخير الرضا إلى ما بعد ذلك إذ دلالة العقد على الرضا إنما هي ظاهرية يجوز تخلفها كما في المكره وبيع التلجئة الذي قد عرفته سابقا ونحوهما ، والفرض عدم شرطية المقارنة ، ودعوى اللزوم عقلا بين قصد العقد وبين الرضا ، يدفعها ما عرفت ، وبالجملة لو قصد بذكر العقد نحو ما قصده المكره ، إذ لا‌

٢٩٥

مدخلية للإكراه في إيجاد نفس القصد ، وقد عرفت فيما تقدم جريان حكم الفضولي على المكره ، فإذا أجاز بعد ذلك صح العقد ، فلا مانع في جريان حكمه أيضا في الفرض بعد التصريح بالحال.

ولعل من ذلك بيع التلجئة ونحوه مما قصد به التواطي على إيقاع الصورة دون الحقيقة ، فإذا أجيز بعد ذلك حكم بصحته ، نعم لو قيل : ان الوجه في صحة الفضولي وقيام رضاء المقارن للعقد مقام رضا المالك بعد الإجازة ، اتجه عدم الصحة حينئذ فيما نحن فيه لعدم المقارنة للعقد ، لكن ينافيه حكمهم بجريان حكم الفضولي على المكره المعلوم عدم الرضا المقارن فيه ، ودعوى الاكتفاء بمقارنة رضا الذي أكرهه كما ترى ، لا يقال : أنه قد تقدم منا سابقا المناقشة في جريان حكم الفضولي على عقد المكره ، باعتبار فقده القصد الذي يظهر من الأدلة اعتبار مقارنته للعقد وهو غير الرضا ، لأنا نقول : أولا أن الكلام هنا مبنى على ما هو المشهور عندهم من جريان حكم الفضولي عليه ، وثانيا أن المكره لا يعتبر فيه عدم قصد العقد ، بل يقع على وجهين ، أحدهما لا يقصد إلا اللفظ وثانيهما يقصد معه العقد به ، لكنه غير راض به ، وهما معا مشتركان في عدم ترتب آثار العقد عليه وإن افترقا بالصحة وعدمهما مع تعقب الإجازة ، فيصح الثاني دون الأول.

ولعل ذلك هو المراد من المحكي عن الشهيد من إلحاق المكره على وجه يرتفع قصده أصلا بالغافل والهاذل والنائم ونحوهم في عدم تأثير الرضا اللاحق في صحته ، بخلاف المكره الذي لم يكن كذلك ، وان ناقشه بعضهم بعد تحقق الإكراه بالمعنى المزبور ، ضرورة كونه حمل المكره للمكره على الفعل خوفا على نفسه أو ما في حكمها مع حضور‌

٢٩٦

عقله وتمييزه ، والإكراه الذي يرتفع القصد معه لا يتحقق في اللسان فإنه غير مقدور للمكره ، لكن قد يدفعها ما أشرنا إليه من تصور وقوع الفعل على الوجهين من المكره على أصل الفعل ، فتارة يرفع الخوف عنه بقصد مجرد اللفظ دون مدلوله ، فيقع منه حينئذ نحو ما يقع من النائم ، واخرى بقصد المعنى إلا أنه غير راض به ، وليس ذلك من تأثير الإكراه ، كي يشكل بما عرفت ، بل من عمل المكره الذي يمكن تصور وقوع ذلك منه من دون اكراه ، ولعل بيع التلجئة ونحوه من الثاني ، فتؤثر فيه الإجازة حينئذ ، بل هو أولى مما سمعته من بعضهم من التزام تأثيرها في عبارة الهازل ونحوها ، بل أولى من التزام تأثيرها في عبارة المكره الفاقد للقصد ، بدعوى جواز تأخيره عن العقد كالرضا وإن كان فيه ما فيه ، والتحقيق ما عرفت فتأمل جيدا.

وكيف كان ففي القواعد الأقرب اشتراط كون العقد له مجيز في الحال أي في صحة الفضولي ، فلو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ينفذ على إشكال ، وكذا لو باع مال غيره ثم ملكه وأجاز ، قيل : ومراده بقرينة التفريع اعتبار كون المجيز له قابلية الإجازة حين العقد ، فلو تجدد له القابلية كما في المثالين لم تؤثر الإجازة ، ومقتضاه حينئذ عدم الصحة لو باع الفضولي حين كمال المالك ثم نقص لجنون ونحوه ، أو مات وانتقل المال إلى الوارث أو غير ذلك ، بل لو اعتبر مع ذلك استمرار القابلية إلى حين الإجازة لم تجد أجازته لو عاد إلى الكمال ، فضلا عن غيره إلا أنه كما ترى لا دليل عليه ، بل مقتضى إطلاق ما سمعته من أدلة الفضولي خلافه ، مضافا إلى خبر الصغيرين (١) ودعوى أن الإجازة فيه بناء على الكشف تقتضي نفوذ التصرف في زمان لم يكن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أبواب ميراث الازدواج الحديث ١.

٢٩٧

للمجيز التصرف فيه ، يدفعها إمكان منع ذلك أولا ، ومنع امتناعه في مثل الفرض ثانيا ، نعم قد يمتنع في نحو المثال الثاني ، لأن الكشف حال العقد يقتضي عدم ملك للثاني ، الذي قد فرض انتقال الملك إليه وكل ما يستلزم وجوده عدمه غير متحقق ، ولا يناقش بإمكان جريان ذلك في المالك المتحد ، بأن يقال لا تأثير لإجازته أيضا مع انكشاف زوال ملكه عنه سابقا ، فهي أيضا مما يستلزم وجودها عدمها ، ضرورة وضوح الفرق بينهما بأدنى تأمل.

بل لا يبعد أن يكون ذلك ونحوه في المثال الثاني من الأسباب المقتضية انفساخ الفضولي ، فيكون حينئذ خروجا عن موضوع البحث كما جزم به في الدروس ، نعم لا بأس بانتقال نفس سلطنة التصرف دون الملك لعارض الجنون ونحوه ، بل أولى منهما عودها لارتفاع المانع من الصغر ونحوه ، فان ذلك كله غير قادح في تأثير الإجازة ، ومن هنا ربما فسر كلامه بأن المراد اعتبار وجود المجيز فعلا للعقد في الصحة فلو فرض عقد فضولي لا مجيز له حال وقوعه كان باطلا ، وإن وجد له مجيز بعد ذلك ، ووجه اشتراطه حينئذ انه لا وجه صحة له حال وقوعه بعد فرض عدم المجيز ، فليس هو إلا لغوا غير قابل للتأثير ، فلا يجدى تجدده بعد ذلك ، نعم قد يشكل بأن هذا الفرض غير متحقق على مذهب الإمامية القائلين بعدم خلو زمان عن المعصوم الذي هو ولي من لا ولي له ، فلا يتصور حينئذ عقد فضولي لا مجيز له ، وقد يدفع بأن المراد مجيز يمكن الاطلاع على أجازته ، ومنصوبه المجتهد المطلق يمكن فرض عدمه ، وخلو الزمان منه ، كإمكان فرض عدم عدول المؤمنين أو عدم الولاية لهم في غير حفظ المال كالفساق منهم ، لكنه كما ترى يصعب إقامة الدليل على اشتراطه حينئذ ، والأولى في الدفع بتصوره في العقد‌

٢٩٨

على مال المولى عليه بدون المصلحة أو مع المفسدة ، فإنه لا مجيز له فعلا ضرورة عدم جواز الإجازة للولي حينئذ إلا أن الانصاف بعد الإغضاء عن عدم مناسبة الاشتراط بالمعنى المزبور ، لما ذكره من الفرعين عدم الدليل عليه ، بل ظاهر الأدلة يقتضي خلافه ، وعدم فرض الصحة له في ذلك الحال لا يصلح مانعا بعد تناول عموم أدلة العقود له ، بعد حصول المجيز وأجازته ، ولذا حكي عن الشهيد وابن المتوج والمقداد والكركي الجزم بعدم الاشتراط بالمعنى المزبور أيضا ، كما صرح به شيخنا في شرحه ولعله الأقوى.

وكذا لا يعتبر في الفضولي قصد الفضولية قطعا فمن باع شيئا بعنوان أنه ماله فبان أنه لغيره كان فضوليا ، بل في القواعد ومحكي النهاية وموضع من التذكرة ما يقتضي عدم اعتبار قصد الصحة ، بمعنى اللزوم في حصولها ، بل تحصل مع قصد غيرها فضلا عن عدم قصدها كما لو باع مال أبيه مثلا لظن الحياة وأنه فضولي فبان ميتا حينئذ ، وأن المبيع ملكه ، ولعله لأن القصد إلى أصل البيع كاف ، والنية غير مقومة ، لكن قد يشكل بعدم تحقق الرضا من المالك بنقل ملكه ، ضرورة كون المتحقق الرضا بنقل ملك غيره ، وهو مغايرا للرضا بنقل ماله ، ولعله لذا أوقفه على الإجازة في محكي جامع المقاصد ، بل عن الإيضاح احتمال البطلان بحيث لا تجدي الإجازة ، لأنه إنما قصد نقل الملك عن الأب لا عنه ، ولأنه وإن كان منجزا في الصورة فهو في المعنى معلق ، والتقدير إن مات مورثي فقد بعتك ، ولأنه كالعابث ، عند مباشرة العقد لاعتقاده ان المبيع لغيره ، وإن كان هو كما ترى ، بل ربما يستفاد من التعليل الأخير وسابقه أن محل الفرض في المثال ما لو باع عن نفسه مع ظن حياة الأب لاحتمال موته ، والمتجه حينئذ‌

٢٩٩

الصحة ولا تعليق فيه على وجه ينافي صحة العقد ، بل هو كنقل المال المحتمل أنه له ، وطلاق الزوجة التي أنكر زوجيتها (١) بل ربما ظهر من بعضهم الصحة فيه ، حتى لو صرح بالتعليق فيه ، لعدم كونه تعليقا في الواقع ، وإن كان هو في الصورة كذلك ، إلا أنه لا يخلو من إشكال ، للإجماع المحكي على عدم جواز التعليق في العقد الشامل للفرض نعم لا إشكال في الصحة إذا لم يعلق في الصورة وقصد النقل بما ذكره من العقد على كل حال ، لإطلاق الأدلة على وجه يقتضي عدم اعتبار مثل هذه النية في الصحة ، وعلى كل حال هو غير ما نحن فيه مما قصد فيه الفضولية فبان أنه أصيل ، والمتجه فيه الوقوف على الإجازة كما سمعته من الكركي ، أو إثبات الخيار إلا أنى لم أجد من احتمله ثم لا يخفى عليك أن اجازة العقد ليس اجازة للقبض ، من غير فرق في الثمن بين كونه عينا أو دينا ، خلافا للمحكي عن الشيخ فجعل إجازته إجازة للقبض ، ولا ريب في ضعفه ، فلا يتشخص الدين مثلا بقبض الفضولي ، ولا يجرى عليه حكم القبض الصحيح في العين إلا بإجازة مستقلة لذلك ، بناء على ما عرفت من جريان حكم الفضولي في الأقوال والأفعال هذا كله إذا أجاز البيع.

فان لم يجز وكان الفضولي قد دفع المبيع كان له أي المالك انتزاعه من المشتري قطعا بلا خلاف ولا إشكال ، قال : زرارة (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل اشترى من سوق المسلمين جارية فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولادا ثم أتاها من يزعم أنها له ، وأقام على ذلك البينة قال : يقبض ولده ويدفع إليه الجارية‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب أحكام الوكالة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

٣٠٠