جواهر الكلام - ج ٢٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

وبه نستعين

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الغر الميامين‌

( القسم الثاني )

( من الأقسام الأربعة التي بنى عليها الكتاب )

في العقود جمع عقد وهو لغة ضد الحل ، وشرعا قول من المتعاقدين ، أو قول من أحدهما وفعل من الأخر رتب الشارع الأثر المقصود عليه ، كما ستعرف تحقيق الحال فيه فيما يأتي إنشاء الله تعالى ومنه يعرف الحال فيما في شرح الأستاذ ، من تعميم المعاملات للعقود والإيقاعات ، بعد أن اعتبر فيهما الألفاظ ، وتعريف الأولى بأنها المشتملة على الإيجاب والقبول ، أو بأنها المشتملة على رضى الطرفين ، أو بأنها المتضمنة لقصد من الجانبين ، والثانية بأنها إيجابات ، أو بأنها قصد من جانب واحد أو بأنها رضى كذلك ، إذ هو كما ترى ، ولذلك اعترف بعد ذلك ، بأن جميع التعريفات التي منها ما سمعته مدخولة في طردها وعكسها ، ثم قال إلا أن يراد الاطراد في دخول آحادها‌

٣

في تعدادها ، قلت والذي سهل الخطب ما سمعته غير مرة ، من أن المراد من هذه التعريفات الكشف في الجملة ، حسب تعريف أهل اللغة ، ولعل اختلافهم فيها مبني على اختلاف الاصطلاح ، وعلى كل حال هي أي العقود خمسة عشر كتابا أولها.

( كتاب التجارة )

وهي مصدر ثان لتجر من التجر ، وربما قيل انها اسم مصدر كالحياكة والصناعة ، لكن الأظهر انها في الأصل مصدر ، نقلت إلى معنى الحرفة والصناعة ، فالتاجر الذي حرفته التجارة ، والجمع تجار وتجار وتجر وتجر ، كرجال وعمال وصحب وكتب ، وعلى كل حال فهي التي‌ جعل الشارع (١) « تسعة أعشار البركة فيها ، والعشر الباقي في الغنم (٢) و « فيها العز والغنى عما في أيدي الناس » ، بل‌ « تركها ينقص العقل » (٣) لكن المراد بها هنا مطلق المعاوضة ، نحو قوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٤) كما عن مجمع البحرين قال : التجارة بالكسر هي انتقال شي‌ء مملوك من شخص إلى أخر بعوض مقدر على جهة التراضي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب مقدمات التجارة الحديث ٤ و ٥.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب مقدمات التجارة الحديث ١٠ و ١١.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أبواب مقدمات التجارة الحديث ٢.

(٤) سورة النساء الآية ٢٩.

٤

إلى آخره ، لا أن المراد بها الصناعة المعروفة ، وان قيل : انها المتبادر منها ، بل هو المستفاد من أهل اللغة ، الا ان ذلك لا ينافي إرادة غيره منه في خصوص المقام ، لمعلومية عدم اعتبار ذلك في التجارة المبحوث عنها هنا ، وان انتقض بالمعاملات المقصود منها الاكتساب من غير ذي الصنعة ، الا أن يلتزم الاستطراد وهو بعيد ، ولا ما سمعته في كتاب الزكاة من المعاوضة لقصد الربح ، وان كان قد يشعر به قوله الأول فيما يكتسب به ، وإبدال غيره التجارة في العنوان بالمكاسب ، بل جزم به في المسالك مدعيا انه هو المعروف في أخذه في مفهومها ، حتى التزم لذلك ان جميع ما في هذه الكتاب مما لا مدخلية له فيها بالمعنى المزبور قد ذكر استطرادا ، وفيه من الغرابة ما لا يخفى ، ضرورة عدم المدخلية للمعنى المزبور في جميع مقاصد الكتاب ، على انه هو أيضا في باب الزكاة بعد أن ذكر تعريف المصنف لمال التجارة قال : ان تعريفه بذلك من حيث تعلق الزكاة ، والا فالتجارة مطلقا أعم من ذلك كما سيأتي فكلامه هنا مخالف لقواعده ، والحق ان ما ذكره المصنف وغيره في كتاب الزكاة ليس تحديدا لمال التجارة كما فهمه الشارح ، بل هو تخصيص له بالفرد الذي يصلح لتعلق الحكم الشرعي بحسب اقتضاء الأدلة ، ولذا اختلفوا في بعض القيود ، ورجح الشارح هناك عدم اعتبار قصد الاكتساب حال التملك ، واكتفى بالاعداد للتكسب ولو بعد ذلك ، والمقصود ان متعلق الزكاة هو بعض أفراد مال التجارة دون جميع الافراد وهذا مثل ما يقال المراد بالأعيان النجسة ، في المكاسب المحرمة ما لا يقبل التطهير مع بقاء عينه ، والمراد بالمسكر ، المائع بالأصالة ، ومرجعه إلى إطلاق اللفظ وارادة بعض أفراده ، وليس ذلك من التعريف والتحديد في شي‌ء ، ولعل من ذلك كله وغيره ، جزم بفساد كلامه شيخنا في شرحه‌

٥

وإن وافقه على اعتبار ذلك في مفهومها لغة وعرفا ، حتى أنه صرفها في النذور ونحوها إلى ذلك ، كالنصوص (١) الواردة في مدح التجارة والتجار ، الا ان ذلك غير مراد منها هنا ، لعدم الخصوصية ، ثم اختار كونها بمعنى البيع وتوابعه ، حاكيا له عن الخلاف والمبسوط قال : فما ذكر في المقدمات أو بعض المقامات من غير ذلك فمن الملحقات ، وهو وإن كان قد يشهد له إفراد غير البيع من أقسام المعاوضات ، بكتب مستقلة ، لكن يبعده معروفية كونها أعم من ذلك ، وذكر كثير من أحكام التكسب وما يكتسب به ونحوها مما لا مدخلية له في البيع ، ولذلك قلنا : بكون المراد منها مطلق المعاوضة ، وعدم أفراد البيع بكتاب بخلاف غيره من إفرادها لشدة تعلقه بها وغلبته فيها هذا كله مع إمكان منع اعتبار الاسترباح في مفهومها ، وكأنه اشتباه من اعتباره في مفهوم الاتجار ، بمعنى اتخاذ التجارة حرفة ومكتسبا ، والنصوص في الزكاة وفي المقام في ذلك ، لا في أن مطلق اسم تجارة مأخوذ في مفهومه ذلك ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، وبما ذكرناه يظهر لك الجواب عما في المسالك أيضا ، من أنه كان ينبغي العنوان أولا بالمكاسب ، ثم يذكر بعد ذلك كتاب البيع الذي هو أحد أفرادها إذا قصد التكسب به كما فعله في الدروس ، لا تخصيص كتاب التجارة فيه وذكر غيره بكتب مستقلة ، مع أنها جميعا مع قصد التكسب بها من أفرادها ، ضرورة انك قد عرفت الوجه في ذلك ، لا يقال : أن مقتضى ما ذكرت كون التجارة من الألفاظ المشتركة ، لأنا نقول : مع انه يمكن عدم الالتزام به ، هو خير من ارتكاب الاستطراد في أكثر المسائل والأمر سهل.

وكيف كان فـ ( هو مبني على فصول‌ الأول فيما يكتسب به ،

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب مقدمات التجارة الحديث ١ ـ ١٣.

٦

وينقسم إلى محرم ومكروه ومباح ) وزاد في القواعد الواجب والمندوب ، لكنه جعل المقسم التجارة لا محلها ، وعد من الواجب ما يضطر إليه لمؤنته ومؤنة عياله ومن المندوب ما يقصد به التوسعة عليهم وفي المسالك ان كلا من التقسيمين حسن ، وإن كان ما هنا أحسن ، إذ لا خلل في الثلاثة كما لا خلل في الخمسة ، فإن مورد القسمة في الثلاثة ما يكتسب به وهو العين والمنفعة ، وظاهر ان الوجوب والندب لا يرد عليهما من حيث انهما عين خاصة ومنفعة ، بل بسبب أمر عارض ، وهو فعل المكلف ، ومورد الخمسة الاكتساب الذي هو فعل المكلف ، ومن شأنه أن يقبل الأقسام الخمسة ، فيما يمكن فيه تساوي الطرفين باعتبار العوارض اللاحقة له ، وفيه ان العين والمنفعة من حيث كونهما كذلك كما لا يرد عليهما الوجوب والندب ، لا يرد عليهما باقي الأحكام الخمسة لعدم الفرق بين الجميع في عدم التعلق بهما الا بحسب فعل المكلف ، نعم قد يقال : إن اقتصار المصنف على الثلاثة هنا باعتبار تعلقها بالأعيان بالذات ، ولو من حيث فعل المكلف ، ضرورة ثبوت الأعيان التي يحرم التكسب بها ذاتا ، وكذلك الكراهة والإباحة ، بخلاف الوجوب والندب فانا لا نعرف من الأعيان ما يجب التكسب به كذلك أو يستحب ، وثبوت وجوب التكسب في نفسه ، أعم من وجوبه بالعين المخصوصة ، من حيث الذات ، ولعل ذلك هو مراد الشارح ، وإن كانت عبارته قاصرة عنه ، ولكن فيه أولا ان المصنف لم يقتصر على ذلك ، كما لا يخفى على من لاحظ ما ذكره من الأقسام المشتملة على بيع السلاح لأعداء الدين ونحوه ، وثانيا ان ذلك ان سلم في الواجب ، أمكن منعه في المندوب ، لإمكان ثبوت استحباب التكسب ببعض الأعيان ، كالغنم التي جعل جزء من البركة فيها ، ونحوها وقد يدفع بأن البركة فيها ، لا في‌

٧

التكسب بها ، ولذا قوبل بجعل باقي أجزاء البركة في التجارة ، كما لا يخفى على من لاحظ النص (١) الذي تضمن ذلك ، وعلى كل حال فالأمر في ذلك سهل ، إنما الكلام في بيانها.

( فـ ) نقول المحرم أنواع‌ الأول الأعيان النجسة ذاتا كالخمر والأنبذة المسكرة والفقاع وغيرها من النجاسات التي عرفتها في كتاب الطهارة ، عدا الكلب الذي ستعرف البحث فيه ، والرق الكافر فإنه لا خلاف ولا إشكال في جواز التكسب به ، ولعل عدم استثناء المصنف له ، لان محل البحث في النجاسات من حيث عدم قبولها التطهير بغير الاستحالة ، وهو يقبله بالإسلام الذي ليس باستحالة قطعا ، اما المرتد عن فطرة فالمتجه عدم جواز التكسب به بناء على عدم قبول توبته ظاهرا وباطنا ، ولعل من جوز بيعه كالمحقق الثاني على ما حكي عنه بل قيل : انه ربما ظهر ذلك أيضا من رهن المبسوط والتحرير بناه على قبول توبته باطنا ، وقد فرغنا من البحث في بطلانه في كتاب الطهارة واما العصير العنبي إذا نش وغلا من قبل نفسه حتى صار خمرا فحكمه حكمه ، وإذا غلا بالنار ولم يذهب ثلثاه وقلنا بنجاسته فيمكن القول بجواز بيعه ، لقبوله التطهير ، بالنقص الذي ليس استحالة ، فلا يندرج في عنوان البحث ، ولو قلنا بأن ذلك منها ، وانه قبله كان خمرا اتجه عدم جواز بيعه كما نص عليه بعضهم ، وان كان الأقوى الأول ، وكيف كان فلا خلاف يعتد به ، في حرمة التكسب في الأعيان النجسة التي لا تقبل الطهارة بغير الاستحالة ، لقول (٢) الصادق عليه‌السلام في خبر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب مقدمات التجارة الحديث ٣ و٤ و ٥.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

٨

تحف العقول « أو شي‌ء من وجوه النجس فهذا كله حرام ومحرم ، لان ذلك كله منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلب فيه ، فجميع تقليبه في ذلك حرام » بل مقتضاه عدم جواز الانتفاع به مطلقا فضلا عن التكسب به ، كما هو ظاهر جماعة وصريح آخرين إلا ما خرج بدليل من سيرة ونحوها كالتسميد بالعذرة ونحوها ، مما ينبغي الاقتصار عليه ولا يتعدى منه إلى غيره ، ففي الفرض يختص الجواز بالانتفاع ، دون التكسب كما هو واضح.

بل ربما ظهر من ملاحظة كلامهم في الدهن النجس ، الإجماع على عدم جواز الانتفاع به ، بل في المحكي ، عن شرح الإرشاد للفخر وتنقيح المقداد ذلك ، حيث قالا : إنما يحرم بيعها لأنها محرمة الانتفاع وكل محرم الانتفاع لا يصح بيعه ، أما الصغرى فإجماعية ، بل لعل ذلك ظاهر الغنية أيضا وحينئذ يتجه الحكم بحرمة التكسب به ، لكونه مسلوب المنفعة ، ول‌ قول الصادق (١) عليه‌السلام في خبري أبي بصير ومحمد « ان الذي حرم شربها حرم ثمنها » ، وفي الخبر (٢) الآخر « لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها ».

بل ربما ظهر من خبر التحف المزبور عدم دخوله في الملك ، كما صرح به بعض مشايخنا جازما به ، ويؤيده عدم عده في الأموال عرفا مع أصالة عدم دخوله فيه ، بناء على توقفه على أسباب شرعية لا أن الملك شرعا تابع للسلطنة العرفية على الشي‌ء ، وأنه ليس الملك حقيقة إلا ذلك ، نعم قد يقال ، بأن له حق الاختصاص لمن سبق إليه لتحقق الظلم عرفا بالمزاحمة له بل لعل دفع العوض لرفع يد الاختصاص عنه لا بأس به ، ضرورة عدم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٥ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١ و ٦.

(٢) سنن بيهقي ج ٦ ص ١٣.

٩

صدق التكسب به ، لعدم دفع العوض عنه ، مع أنه ربما أشكل ذلك بما عن التذكرة من الإجماع على عدم صحة الوصية بما هو خارج عن كونه مقصودا بالتملك ، كفضلات الإنسان ، مثل شعره وظفره والعذرات لأنه يكفي في صحة الوصية ثبوت الاختصاص ، وحق المنع الملازم لجواز الاقتناء ، وقد يدفع بكون المراد الوصية المقتضية للتمليك أو غير ذلك.

وكيف كان فقد ظهر لك تعدد وجه المنع فيما نحن فيه ، مضافا إلى محكي الإجماع على ذلك ، فعن التذكرة يشترط في المعقود عليه الطهارة الأصلية ، فلو باع نجس العين كالخمر والميتة والخنزير لم يصح إجماعا ، وقال : فيها الكلب إن كان عقورا حرم بيعه عند علمائنا ، وقال : لا يجوز بيع السرجين النجس إجماعا منا ، وعن المنتهى إجماع المسلمين كافة على تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير ، وإجماع علمائنا على تحريم بيع الكلاب عدا الأربعة ، وعن النهاية الإجماع على تحريم بيع الخمر والعذرة والدم وعن الخلاف إجماع الفرقة على تحريم بيع الخمر والسرجين النجس ، والكلب عدا كلب الصيد ، وعن المبسوط الإجماع على تحريم بيع الخنزير وإجارته واقتنائه والانتفاع به ، وعن السرائر بيع الخمر للمسلم حرام وثمنه حرام ، وجميع أنواع التصرفات فيها حرام على المسلمين بغير خلاف بينهم ، وقال أيضا : حكم الفقاع حكم الخمر لا يجوز التجارة فيه ، ولا التكسب به بغير خلاف بين فقهاء أهل البيت ، وعن الانتصار مما انفردت به الإمامية القول بتحريم الفقاع وتحريم ابتياعه ، واستدل عليه بإجماع الفرقة ، قال : وإن شئت أن تبنى المسئلة على تحريمه ، فنقول : قد ثبت حظر شربه ، وكل ما حظر شربه ، حظر ابتياعه والتفرقة بين الأمرين خروج عن إجماع الأمة ، وإلى ثبوته في النصوص المعتبرة ، في العذرة والدم ، والخمر ، والخنزير‌

١٠

والميتة ، والكلب الذي لا يصيد (١) ويتم بعدم القول بالفصل ، وإلى‌ النبوي (٢) عن ابن عباس الذي أورده في الخلاف والسرائر والتذكرة والمهذب والغوالي كما قيل : « ان الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ». وخبر جابر (٣) بن عبد الله الذي أورده أيضا في الخلاف والمنتهى كما قيل « أن الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرما بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام قيل : يا رسول الله أريت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال : لا هو حرام ثم قال : صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاتل الله اليهود ، إن الله تعالى لما حرم عليهم شحومها حملوها ثم باعوها فأكلوا ثمنها » ، وعن الإيضاح والغوالي أنه عليه‌السلام قال : « لعن الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها » (٤) بل قد يستفاد ذلك أيضا من قوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ) (٥) بناء على أن تعلق التحريم بالأعيان يعم جهات الانتفاع لا خصوص المنافع المقصودة ، كالأكل والشرب وإن كان فيه ما فيه ، نعم قد يدل قوله تعالى في الخمر ( رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) (٦) على ذلك باعتبار عدم تحقق الاجتناب عنها مع التصرف فيها بالتجارة ، بل وكذا قوله ( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) (٧) بناء على أنه القذر كما عن الجوهري والقاموس بل هو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ و ١٤ و ٤٠ و ٥٥ من أبواب ما يكتسب به.

(٢) الخلاف ج ١ ص ٢٢٥ الطبع الحديث بطهران سنة ١٣٧٠.

(٣) صحيح بخاري ج ٢ ص ٢٦ صحيح مسلم ج ١ ص ٢٢٩.

(٤) مسند ابن حنبل ج ١ ص ٣٢٢.

(٥) سورة المائدة الآية ٣.

(٦) سورة المائدة الآية ٩٠.

(٧) سورة المدثر الآية ٥.

١١

المناسب لقوله تعالى ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (١) وعن تفسير علي بن إبراهيم ( الرُّجْزَ ) الخبيث ، والمحكوم بنجاسته شرعا خبيث قذر ، فيجب هجره بمقتضى الأمر الذي هو من التكاليف المشتركة ، دون الخواص ، والتصرف بالتجارة والبيع والشراء خلاف الهجر المأمور به ، فيكون محرما ، بل لعل مطلق الانتفاع به كذلك ، وعلى كل حال فقد ظهر لك الوجه في فساد المعاملة وعدم ترتب الأثر لا الحرمة محضا كما لا يخفى على من أحاط بما ذكرناه فما وقع من بعض الناس من الوسوسة في ذلك في غير محله ، بل ظهر أيضا ما في كلام الأستاد عن الجزم بجواز الانتفاع في الجهة التي لم يثبت تحريمها ، مستندا في ذلك إلى ما هو غير مجد أو مقطوع ببعض ما عرفت فلاحظ وتأمل.

وكذا الحكم في كل مائع نجس لا يقبل التطهير ، وإن كانت نجاسته عرضية ، فلا يجوز حينئذ التكسب به ولا الانتفاع به ، لإطلاق بعض الأدلة المزبورة التي لا يقدح فيه خروج الانتفاع ببعضها لقيام سيرة أو إجماع أو نحوهما ، كما لا يقدح خروج بعض الأعيان النجسة لذلك ، كما أنه لا فرق بين تعقب الجمود له وعدمه بعد الاشتراك في عدم قبول التطهير الذي هو مدار الحكم ، نعم قد يخرج عن ذلك ما قبل ظاهره التطهير بعد الجمود كالقير والفضة والذهب ونحوها إذا تنجست مائعة ثم جمدت ، فلا بأس بالتكسب بها مائعة باعتبار أن لها حالة يقبل ظاهرها التطهير فيها وبه يحصل النفع المقصود منها ، ومنه يعلم خروج العجين النجس ونحوه ، بنا على أن له حالة هي التجفيف يقبل فيها التطهير أيضا ، بل عن المحقق الثاني في حاشية الإرشاد ، ان الظاهر جواز بيعها مع أنها لا تقبل التطهير عند الأكثر‌

__________________

(١) سورة المدثر الآية ٤.

١٢

مجيبا عن ذلك بأنها تؤل إلى حالة تقبل معها التطهير ، وهي الجفاف بل ذلك هو المقصود منها.

بل ألحق به بعض مشايخنا ، الصابون مدعيا أنه كالصبغ ، قال : فلا إشكال حينئذ في الغسل بما يبقى من زغوته المتنجسة ، لكنه كما ترى ، والأولى الاستناد في خروج ذلك إلى السيرة إن كانت ، كما أنه يمكن القول باقتصار المنع على المتنجس سابقا قبل الاستعمال ، أما ما تنجس به كطلي الأجرب مثلا به فلا ، مع أن الأحوط اجتناب مطلق ما لا يضطر إليه من ذلك ، ثم أنه ينبغي الجزم بخروج الطحين ونحوه إذا مزج معه سحيق النجاسة ، على وجه لا يتميز عنها عما نحن فيه ، ضرورة عدم كونه نجسا ولا متنجسا ، نعم قد يحتمل المنع عن بيعه باعتبار عدم التمكن من منفعته المقصودة » مع أنه لا يخلو ذلك من مناقشة ، وكيف كان فقد ظهر لك أن ما لا يقبل التطهير من المتنجس كالنجس ذاتا ، عدا ما عرفت مما علم خروجه عن ذلك بسيرة أو إجماع ونحوهما ، وإن من ذلك المائعات غير الماء فإنها لا تقبل التطهير مع بقاء عينها ، خلاف للعلامة في بعض أقواله ، فجوز بيعها لقبولها التطهير عنده كذلك ، ولما عن الكركي من جواز بيعها فيما لا يتوقف الانتفاع به على طهارته ، كالمائعات المقصود منها الصبغ ، بخلاف المقصود منها الأكل والشرب ونحوهما ، بل عنه أيضا الجواز إن قصد مزجه بالماء المطلق إلى أن يصير ماء ، لطهارة المضاف باستهلاكه في الكثير المطلق ، والجميع كما ترى فالأصح حينئذ عدم جواز بيعها مطلقا في غير ما عرفت عدا الادهان من حيوان أو غيره فإنه يجوز التكسب بها ، لأن لـ ( ها ) فائدة وهي الاستصباح بها تحت السماء فجاز بيعها لذلك بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل في محكي الخلاف‌

١٣

والغنية وإيضاح النافع الإجماع عليه ، بل يمكن تحصيله ، فما عن ظاهر الشيخ من عدم جواز بيع الأدهان مطلقا عدا الزيت للاستصباح به تحت السماء واضح الضعف ، ضرورة كونه محجوجا بما عرفت ، مضافا إلى النصوص كخبر أبي بصير (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفأرة تقع في السمن أو الزيت فتموت فيه ، فقال : إن كان جامدا فتطرحها وما حولها ويؤكل ما بقي وإن كان ذائبا فأسرج به وأعلمهم إذا بعته » (٢) وخبر إسماعيل بن عبد الخالق المروي عن قرب الاسناد عن الصادق عليه‌السلام أيضا « قال : سأل سعيد الأعرج السمان وأنا حاضر ، عن الزيت والسمن والعسل يقع فيه الفأرة فتموت كيف يصنع؟ قال : أما الزيت فلا تبعه إلا لمن تبين له فيبتاع للسراج وأما الأكل فلا ، وأما السمن فان كان ذائبا فهو كذلك ، وإن كان جامدا والفأرة في أعلاه فيؤخذ ما تحتها وما حولها ثم لا بأس به ، والعسل كذلك إن كان جامدا » إلى غير ذلك من النصوص (٣) التي لم يفرق فيها بين الزيت وغيره ، كما فرق فيها بين الجامد وغيره فما عنه من التفصيل في الجامد ضعيف أيضا قال : فيما حكي عن مبسوطة النجس بالمجاورة لا يخلو من أحد أمرين إما أن تكون النجاسة التي جاورته ثخينة أو رقيقة ، فان كانت ثخينة تمنع من النظر إليه فلا يجوز بيعه ، وإن كانت رقيقة لا تمنع من النظر إليه جاز بيعه ، وإن كان مائعا فلا يخلو من أحد أمرين ، إما أن لا يطهر بالغسل ، أو لا يكون كذلك فان كان الأول مثل السمن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ٦ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ٦ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٢.

١٤

فلا يجوز بيعه ، وإن كان مما يطهر كالماء فإنه يجوز بيعه إذا طهر ، وفيه ما لا يخفى حتى بالنسبة إلى اشتراط التطهير للماء في بيعه.

نعم النصوص المذكورة وغيرها مطلقة لا تقييد فيها بكون الإسراج تحت السماء ، ومن هنا مال الشهيد الثاني إلى الإطلاق ، حاكيا له عن المبسوط والعلامة في المختلف وموضع من الخلاف وتبعه الأردبيلي والخراساني فيما حكي بل عن فخر المحققين أنه قواه في الإيضاح بل لعله هو الظاهر من إطلاق المحكي عن أبي علي ، إلا أن المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا التقييد شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل عن ابن إدريس نفى الخلاف عنه تارة ، ونسبته إلى الأصحاب أخرى كالمحكي عن غاية المراد ، من النسبة إلى نصهم ، بل عن كشف اللثام نسبته إلى قطعهم ، وفي محكي المبسوط انه قال : وروى أصحابنا انه يستصبح به تحت السماء دون السقف ، فيمكن التقييد حينئذ بالمرسل المزبور بعد انجباره بما سمعت ، وبأصالة عدم جواز الانتفاع بالنجس فضلا عن التكسب به ، فيقتصر على المتيقن من كونه تحت السماء ، وليس ذلك لنجاسة دخانه كما عن بعضهم تعليل المنع به باعتبار استلزامه نجاسة السقف ، ضرورة عدم النجاسة بعد الاستحالة دخانا ولو سلم عدم استحالته جميعا ، بل تبقى أجزاء من الدهن معه ، منعنا عدم جواز تنجيس السقف ونحوه ، وحينئذ فليس ذلك إلا تعبدا محضا كما هو واضح ، وحينئذ يتجه مراعاة صدق الاستصباح به تحتها في الجواز ، فلا بد من كونه مكشوفا لها غير محجوب عنها بحاجز مشبكا أو لا مرتفعا أو لا كثيفا أو لا لإطلاق دليل المنع المقتصر في تقييده على المتيقن الذي قد عرفت وهو الاستصباح به تحت السماء دون مطلق الاستصباح ، فضلا عن غيره من المنافع ، خلافا لبعضهم فجوز الانتفاع‌

١٥

بها في غير ذلك ، بل جوز بيعها له بل هو خيرة العلامة الطباطبائي فإنه بعد أن حكى جواز بيعها للاستصباح مطلقا أو تحت السماء حكى جواز بيعها للانتفاع بها ، في غير مشروط بالطهارة ولو غير الاستصباح ثم قال : وهو الأظهر وكان وجهه أصالة جواز الانتفاع بها لذلك ، فتكون عينا ينتفع بها منفعة محللة مقصودة للعقلاء ، فتندرج في إطلاق البيع وغيره من أسباب التكسب والنصوص إنما دلت على جواز الإسراج بها الذي هو أحد المنافع ، لا اختصاصه ولذا قوبل بالأكل في بعضها فجوزت بيعها مخبرا بحاله حتى ينتفع به المنفعة المحللة التي ذلك أحد أفرادها ، بل هو الغالب لا تخصيص الجواز بها ولا البيع فيها وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما أسلفاه من عدم جواز الانتفاع غير الاستصباح المزبور ، فلا يجوز البيع حينئذ إلا له كما هو ظاهر الأصحاب.

ثم إن الظاهر وجوب إعلام المعطي للمعطى له للانتفاع ، ولو لا على وجه الاكتساب ، نعم لو أخذه من غير يده أو رآه في يده لم يجب إعلامه للأصل ويجب العمل بقول ذي اليد وإن لم يكن ثقة ، هذا كله في الدهن المتنجس ، أما لو كانت نجاسته ذاتية كالألية المقطوعة من ميت أو حي لم يجز نقله ولا انتقاله ولا استعماله حتى بالاستصباح تحت السماء ، بلا خلاف معتد به أجده فيه لإطلاق ما دل على المنع فيما لا يقبل التطهير ، وعلى الميتة وخصوص (١) ما دل عليه في إسراج المقطوع من الحي فضلا عن الميت ، فلم (٢) يبق للمعارض وإن صح سنده ، أهلية المعارضة فما عن المجلسي من الجواز غريب ، لما عرفت‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من أبواب الذبائح الحديث ١ ـ ٢.

(٢) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٤.

١٦

ولكونه من الميتة التي لا يجوز الانتفاع بشي‌ء منها ، مما تحله الحياة فضلا عن التكسب ، سواء كانت ميتة نجس العين ، أو طاهرها ذي النفس السائلة ، نعم لا بأس بما لا تحله الحياة من أجزائها ، كما أنه لا بأس بميتة غير ذي النفس ، ولعل المصنف وغيره استغنى عن التقييد بذكره الميتة في ضمن أمثلة للأعيان النجسة ، وقد عرفت في كتاب الطهارة والصلاة اختصاصها بذات النفس ، بل قد عرفت هناك جملة من أحكام استعمالها والانتفاع بها فلاحظ وتأمل.

وكذلك الكلام في الدم وأرواث وأبوال ما لا يؤكل لحمه من الأعيان النجسة التي قد أخرجها الشارع ، عن حكم التمول ، بل قد عرفت عدم جواز الانتفاع بها على وجه يجوز التكسب بها بلا خلاف معتد به ، أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المنقول منهما مستفيض فعن الخلاف إجماع الفرقة على تحريم بيع السرجين النجس ، خلافا لأبي حنيفة وفي محكي التذكرة لا يجوز بيع السرجين النجس إجماعا منا ، والنهاية بيع العذرة وشرائها حرام إجماعا وعن المنتهى الإجماع على تحريم بيع العذرة ، وقال الصادق (١) عليه‌السلام في خبر يعقوب بن شعيب « ثمن العذرة من السحت » (٢) وفي مرسل الدعائم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم‌السلام « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع العذرة وقال : هي ميتة » وما في سنديهما من الجهالة والإرسال غير قادح بعد الانجبار بما عرفت ، مضافا إلى ما سمعته سابقا من الأدلة على تحريم التكسب بالأعيان النجسة التي هذه منها ، وإلى أن البيع مشروط بالملك ، والعذرات غير مملوكة باتفاق علمائنا كما قيل ، بل هي والأبوال والدماء ليست من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

(٢) المستدرك ج ٢ ص ٤٢٧.

١٧

المتمولات عرفا ، ولذا لم يضمنها من أتلفها ، لكن مع ذلك كله ربما توهم الخلاف من‌ رواية الكليني (١) خبر محمد بن مضارب في الباب الجامع لما يحل بيعه وما لا يحل عن الصادق عليه‌السلام « لا بأس ببيع العذرة » المحمول على عذرة مأكول اللحم ، جمعا بين الأدلة خصوصا بعد‌ صحيح صفوان المجمع على تصحيح ما يصح عنه عن (٢) مسمع بن أبي مسمع الثقة على الظاهر عن سماعة قال : « سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر فقال : إني رجل أبيع العذرة فما تقول قال : حرام بيعها وثمنها وقال : لا بأس ببيع العذرة » الذي هو صريح في أن العذرة منها ما يجوز بيعها ومنها ما لا يجوز ، والا لزم التناقض بين جزئي الحديث ، فتعين الحمل على ما ذكرنا.

وعن الشيخ في التهذيب الجمع بحمل رواية الجواز على عذرة البهائم من الإبل والبقر والغنم ، وفي الاستبصار بحملها على عذرة غير الآدميين ، والظاهر ان مرجع التأويلين إلى شي‌ء واحد ، وهو الحمل على الأرواث الطاهرة كما قلناه ، إذ لا فرق بين أنواع ما يؤكل لحمه في جواز البيع ، ولا بين أنواع ما لا يؤكل لحمه في المنع ، وقد صرح هو في المحكي عن مبسوطة وخلافه بجواز بيع السراجين الطاهرة ، وتحريم بيع النجسة من دون تفصيل ، بل نقل على ذلك في الخلاف إجماع الفرقة وإطلاق كلامه في الاستبصار ، محمول على إرادة البهائم التي ينتفع بعذراتها غالبا ، ولذا خصها بالذكر في التهذيب ولم يذكر غيرها من الحيوانات المأكولة اللحم مع القطع بمساواته لها في الحكم ومن ذلك يعلم أن الشيخ لا خلاف له في المسئلة ، فما عساه يتوهم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٢.

١٨

من عبارته من جواز بيع عذرة غير الآدمي وإن كانت نجسة في غير محله كما أن ما عساه يقال أو قيل : من إمكان الجمع بين الروايتين ، بحمل حديث المنع على الكراهة ، أو التحريم مع فرض عدم الانتفاع ، كما في بعض البلدان ، أو التقية وحينئذ فيكون الحكم بنفي البأس في رواية سماعة بيانا للحكم الواقعي في غير محله أيضا ، ضرورة أن الجمع بذلك فرع التكافؤ المفقود هنا كما عرفت ، على أن لفظ السحت والحرام كالصريح في خلاف الكراهة ، وليس هو بأولى مما ذكرناه على أن السؤال عن بيع العذرة قرينة ، على الانتفاع إذ ما ينتفع به لا يسئل عن بيعه ، وأما التقية فهي في الحقيقة طرح لأحد الدليلين ، فالجمع أولى

ومن ذلك كله يظهر لك أن ما عن الظاهر الأردبيلي والمحقق الخراساني من التوقف في حكم العذرة وغيرها من الأرواث النجسة ، بل الميل إلى جواز بيعها كما هو المحكي عن الفاضل القاساني تمسكا بالأصل ، واستضعافا لدليل المنع والتفاتا إلى ظهور الانتفاع بها في الزرع والغرس في غاية الضعف ، بعد ما عرفت وما أبعد ما بين القول بذلك ، والقول بعدم جواز بيع الأرواث والأبوال كلها إلا بول الإبل من غير فرق بين الظاهر والنجس ، كما هو المحكي عن المفيد وسلار وإن كنا لم نتحقق ذلك منهما ، لتعبيرهما بالعذرة التي هي حقيقة في عذرة الإنسان ، نعم كلامهما ظاهر في عدم جواز بيع الأبوال الطاهرة إلا بول الإبل كما أشار إليه المصنف بقوله وربما قيل بتحريم الأبوال كلها إلا بول الإبل خاصة دون الأرواث الطاهرة التي لم يظهر لنا خلاف في جواز بيعها ، بل سيرة المسلمين في الأعصار والأمصار من غير نكير على ذلك ، مضافا إلى أنها أعيان طاهرة ينتفع بها نفعا ظاهرا بينا في التسميد والإيقاد ، فيحل بيعها كغيرها من الأعيان المخلوقة‌

١٩

لمصالح العباد وعموم قوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (١) « و ( تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) » (٢) ونحوهما وخصوص نفي البأس في الخبرين السابقين وحرمة أكلها لاستخباثها ، وللنصوص الدالة على تحريم الفرث (٣) من الذبيحة حتى ظاهر قوله تعالى « ( نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ ) (٤) إلى آخرها وغير ذلك لا يقتضي حرمة التكسب بها ، وإن‌ ورد عنه (٥) عليه‌السلام « إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه » « ولعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها » (٦) لكن لا يخفى عليك أن تحريم الأكل إنما يقتضي تحريم التكسب لو كان الشي‌ء مأكولا مقصودا منه الأكل كالشحوم واللحوم ونحوهما ، والأرواث ليست كذلك ، إذ الفائدة المقصودة منها شي‌ء آخر غير الأكل ، وليس ذلك بمحرم ، والمحرم منها وهو الأكل غير مقصود ، ومعنى قوله عليه‌السلام إذا حرم إلى آخره ، إذا حرم الغاية المطلوبة من شي‌ء حرم ثمنه ، فلا يتناول الأرواث ، نعم يتجه ذلك في الطحال ونحوه من محرمات الذبيحة المقصود منها الأكل الذي قد حرم.

وأما بول غير الإبل من الأبوال الطاهرة فقد عرفت منهما عدم جواز التكسب بها ، كما هو صريح الفاضل في التذكرة والقواعد والإرشاد بل هو ظاهر الشيخ في النهاية ولعله لأنه لو جاز بيعها لكان للانتفاع‌

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٧٥.

(٢) سورة النساء الآية ٢٩.

(٣) الوسائل الباب ٣١ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٤ و ٨.

(٤) سورة النحل الآية ٦٦.

(٥) الخلاف ج ١ ص ٢٢٥ المطبوعة بطهران سنة ١٣٧٠.

(٦) مسند ابن حنبل ج ١ ص ٣٢٢.

٢٠