جواهر الكلام - ج ٢٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

القصب فاشتراه واشترى معه ما فيها من السموك لم يكن به بأس ، وكذلك إن أخذ شيئا من السمك وباعه إياه مع ما في الأجمة كان البيع ماضيا ، لكن عنه في المبسوط السمك في الماء والطير في الهواء لا يجوز بيعه إجماعا ، وروى أصحابنا انه يجوز بيع قصب الآجام مع ما فيها من السمك (١) ولعل مراده بمعقد إجماعه من حيث القدرة على التسليم ، وعن ابن إدريس أنها من شواذ الأخبار فلا يترك الأصول ويرجع إليها بل لا يعرج عليها وخالفوا أيضا في اللبن في الضرع ، قال : فيها لا يجوز أن يباع اللبن في الضرع ، فمن أراد بيع ذلك حلب منه شيئا ، واشتراه مع ما بقي في الضرع في الحال وأمده من الزمان وإن جعل معه غرضا آخر كان أحوط ، وعن ابن البراج لا يجوز بيع اللبن في الضروع إلا أن يكون معه لبن حاضر ، فان لم يكن معه ذلك لم يجز بيعه ، وعن ابن حمزة يجوز بيع اللبن في الضرع إذا حلب بعضها وبيع المحلوب مع ما في الضرع ، وفي المختلف هو قول ابن الجنيد وخالفوه أيضا في بيع ما في بطون الأنعام وغيرها من الحيوان ، قال : فإن أراد بيع ذلك جعل معه شيئا آخر فان لم يكن في البطون حملا كان الثمن في الآخر وأما ما يلقح الفحل بمعنى بيع الملاقيح وهو ما في بطون الأمهات قبل حصوله ، فلا أجد فيه خلافا بين العلماء كبيع المضامين ، وهو ما في أصلاب الفحول ، لكونه معدوما ، قال في التذكرة : لا نعرف خلافا بين العلماء في فساد هذين البيعين للجهالة وعدم القدرة على التسليم ، ولأن‌ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « نهى عن بيع الملاقيح والمضامين » (٢) وفي الحسن أو الصحيح (٣) عن محمد بن قيس « عن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٢ و ٥.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٣.

٤٤١

أبي جعفر عليه‌السلام لا تبع راحلة عاجلة بعشر ملاقيح من أولاد حمل في قابل » وعن الصدوق في معاني الأخبار انه روي بسند متصل (١) « عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه نهى عن المجن وهو ان يباع البعير أو غيره بما في بطن الناقة ونهى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الملاقيح والمضامين فالملاقيح ما في البطون وهي الأجنة والمضامين ما في أصلاب الفحول وكانوا يبيعون الجنين الذي في بطن الناقة وما يضرب الفحل في عام أو أعوام ونهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع حبل الحبلة ومعناه ولد ذلك الجنين الذي في بطن الناقة أو نتاج النتاج ، وذلك غرر » انتهى قلت : لا إشكال في فساد ذلك ونحوه ، وإنما الكلام في غيرها مما عرفت ، ولعل وجه منشأ ما سمعته من الخلاف والنصوص ، ففي‌ مرسل البزنطي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا كان أجمة ليس فيها قصب فأخرج شيئا من السمك فيباع ، وما في الأجمة » وظاهره المفروغية من الجواز مع القصب وفي‌ الموثق (٣) عنه أيضا « لا بأس ان يشتري الآجام إذا كان فيه قصب » قيل وهو أصرح من الأول في الدلالة على ذلك ، وفي‌ خبر أبي بصير (٤) « عن أبي عبد الله عليه‌السلام في شراء الأجمة ليس فيها قصب إنما هي ماء قال : يصيد كفا من سمك ، فيقول : أشتري منك هذا السمك وما في الأجمة بكذا وكذا » ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ١٢ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٥.

(٤) الوسائل الباب ١٢ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٦.

٤٤٢

وموثق سماعة (١) « سألته عن اللبن يشتري وهو في الضرع قال : لا إلا أن يحلب لك في سكرجة فتقول أشتري منك هذا اللبن في السكرجة وما بقي في ضرعها بثمن مسمى ، فان لم يكن في الضرع شي‌ء كان ما في السكرجة » وصحيح العيص بن القاسم (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل له غنم يبيع ألبانها بغير كيل ، قال : نعم حتى ينقطع أو شي‌ء منها » وفي‌ خبر إبراهيم الكرخي (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة وما في بطونها متى حمل كذا بكذا وكذا درهما؟ فقال : لا بأس إن لم تكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف » وفي‌ خبر الهاشمي (٤) « عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يتقبل بجزية رؤوس الرجال وخراج النخل والآجام والطير وهو لا يدري لعله لا يكون من هذا شي‌ء أبدا أو يكون ، قال : إذا علم من ذلك شيئا واحدا أنه قد أدرك اشتراه وتقبل به » وفي خبره الآخر (٥) « عنه أيضا سألته عن الرجل يتقبل خراج الرجال وجزية رؤسهم وخراج النخل والشجر والآجام والمصايد والسمك والطير وهو لا يدري لعل هذا لا يكون أبدا أو يكون أيشتريه وفي أي زمان يشتريه ويتقبل به منه فقال : حينئذ إذا علمت من ذلك شيئا واحدا انه قد أدرك فاشتره وتقبل به » إلى غير ذلك من النصوص التي لأجلها وخصوصا ما في بعضها من التعليل وما ورد في ضميمة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ٨ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ١٢ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٤ وفي ذيله.

(٥) الوسائل الباب ١٢ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٤ وفي ذيله.

٤٤٣

الآبق (١) وبيع الثمار (٢) عمم بعضهم الحكم فجوز بيع كل ما فيه غرر إذا ضم إليه ما لا غرر فيه ، من غير فرق بين كونهما مقصودين بالأصالة أو أحدهما ، وفصل آخر بل في المسالك نسبته إلى المتأخرين بين قصد المجهول أصالة ولو مع غيره وتبعا فجوزه في الثاني مع الضميمة ومنعه في الأول ، مضافا إلى أن جهالة التابع لا تنافي عقد البيع ، كأساس الجدار وحشو الثوب واللحاف وغيرها ، وربما فصل بعض مشايخنا بين الشرط وغيره ، فجوز الجهالة بنحو ذلك في الأول ، دون غيره وإن كان تابعا مبالغا في الاعراض عن هذه النصوص كلها ، لكن الانصاف عدم جواز الجرأة على طرح هذه النصوص التي فيها الصحيح والحسن والموثق وغيرها ، المشتملة على التعليل المناسب المعمول بها بين الطائفة أجمع ، وإن اختلفوا في كيفيته التي يمكن دعوى حصول القطع بمضمونها في الجملة ، خصوصا بعد ملاحظة ورودها في مقامات متعددة ، والقطع بعدم تقية تقضي بها ، إن لم يكن الأمر بالعكس ، وفتوى الأصحاب بها في الجملة وتعاضدها وكثرتها ، بل ظاهرها أن ذلك طريق احتيال شرعي في التخلص عن المفسد ، نحو ضميمة غير الجنس إلى الربوي وبيعه بالأزيد منه من جنسه ، وربما يتخيل هنا أيضا في وجه ذلك أن المنهي عنه بيع الغرر ، الظاهر في كون البيع أجمع غرر إلا بعضه ، فمتى ضم إليه شي‌ء معلوم خرج عن الدخول تحت مسمى بيع الغرر ، إلا أن ذلك مقتضى للجواز في أكثر المجهولات لعدم خلو شي‌ء عن العلم بجزء منها ، فيجوز حينئذ بيع الدار ببروز لبنة منها ، والمملوك ببروز شي‌ء من بدنه ، والأرض والأشجار المتكثرة لبروز جزء منها ،

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أبواب عقد البيع وشروطه.

(٢) الوسائل الباب ٣ من أبواب بيع الثمار.

٤٤٤

وهكذا مما ينفتح منه سد باب الغرر الذي من المعلوم بطلان البيع به. وأن منه عدم جواز بيع الشي‌ء للاطلاع على بعض أجزائه.

نعم قد يقال أن المحصل منها جواز كل ما كان فيه الغرر ، من حيث الحصول وعدمه ، كالآبق واللبن في الضرع والسمك في الآجام والثمار والحمل ونحو ذلك بالضميمة إلى معلوم ، على وجه يكون المقصود بالبيع ذلك المعلوم ، بمعنى الاقدام منهما ولو لتصحيح البيع ، على أن المبيع المقابل بالثمن هذا المعلوم الذي هو وإن سمي ضميمة ، لكنه المقصود في تصحيح البيع ، ولا ينافيه كون المقصود بالنسبة إلى العرض ما فيه الغرر ، نحو ما يستعمله بعض الناس في التخلص من المخاصمة بعد ذلك ، في الذي يراد بيعه لعارض من العوارض بإيقاع العقد على شي‌ء معين معلوم لا نزاع فيه ، وجعل ذلك من التوابع واللواحق لما عقد عليه البيع ، فلا يقدح حصوله وعدم حصوله كما أومأ إليه غير مرة في ضميمة الآبق ، وقوله تأخذ كفا من السمك واحتلاب شي‌ء ، وإدراك بعض الثمار ونحو ذلك ، ولعل مراد الأصحاب بالتبعية التي ذكروها وجوزوا البيع معها هذا المعنى ، لا أن المراد التبعية في الغرض ولا تبعية ما في باطن الدار لظاهرها والحمل لأمه ونحو ذلك ، مما يصدق معه معلومية المبيع وإن جهل بعض أجزائه أو ما هو كالجزء ، ضرورة عدم كون الفرض من ذلك ، لكن ينبغي تقييده بما سمعت من الغرر لا جميع أفراده حتى بيع الصبرة المجهولة مثلا ، فإنه ليس في تلك النصوص ما يفيد ذلك ، وإنما المحصل منها ما قلناه ، فلا يتعدى إلى أزيد من ذلك مما يقتضي قاعدة الغرر والجهالة ، وخصوص جملة من النصوص (١) عدم جوازه من غير فرق بين كونه مقصودا بالأصالة وعدمه ،

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من أبواب عقد البيع وشروطه.

٤٤٥

ضرورة عدم مدخلية ذلك في صحة ما يقع عليه عقد البيع ، إذ التبعية في القصد ليست تبعية في العقد التي هي المدار على ما يفهم من تلك الأخبار ، ودعوى الأولوية في الجواز ممنوعة على مدعيها ، ولعل الوجه فيها حينئذ عدم الاندراج مع الفرض المزبور في النهي عن بيع الغرر ، بعد فرض جعل المتعلق له المعلوم على وجه يكون هو المقابل للثمن مع فرض عدم غيره ، فتأمل جيدا ، فإنه دقيق نافع قد رمزوه عليهم‌السلام إلى من يرزقه الله تعالى فهم رموزهم.

وهذا الوجه وإن اقتضى العموم حتى في الصبرة ، إلا أنه معارض بما عرفت مع خلو النصوص المزبورة عنه ، ثم إن ظاهر النص والفتوى مملوكية السمك في الماء في الأرض المملوكة ، وإن لم يعلم كونه مخلوقا منها ، ومن هنا صح الكلام في بيع سمك الآجام المراد بها هنا ، على ما يظهر من النصوص مجمع الماء المنقطع أو الأعم من ذلك ، ومن الشجر الملتف المحكي عن أهل اللغة تفسيرها بها ، إذ فرض سمك مملوك بالاصطياد ثم جعله فيها مقطوع بعدمه ، فليس حينئذ إلا ما ذكرناه ، وحينئذ ينبغي أن يتبع ملكه الأرض فإن كانت لمالك مخصوص ملكه ، وإن كانت للمسلمين ملكه المسلمون ، إلا أن الظاهر جريان حكم الإباحة فيما كان منه للإمام أو للمسلمين ، للسيرة ومن ذلك يظهر لك الحال في جميع ما ذكره المصنف حتى الجلود فان الظاهر عدم اندراجها فيما ذكرناه من القاعدة المقتضية لجوازه مع الضميمة ، ضرورة كون الغرر فيه بجهل وصفه ، لا أصل حصوله ، كما أنه ظهر لك الحال في بيع ما في بطن الحامل مع الضميمة غير الام على النحو الذي ذكرناه ، فضلا عن بيعه مع الأم الذي ستعرف فيما يأتي إنشاء الله تمام الكلام فيه ، هذا وربما تقدم منا في بيع الآبق ما ينافي ما هنا في الجملة ، إلا أن الذي‌

٤٤٦

يظهر لنا الآن هذا والله العالم.

مسألتان‌ الأولى المسك طاهر عندنا للأصل والإجماع بقسميه عليه ، واستعمال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له (١) وكونه دما بالأصالة لا يقضي بنجاسته بعد الاستحالة ، كما انه لو قلنا بنجاسة الفأرة التي هي ظرفه لكونها قطعة مبانة من حي لا يقتضي ذلك بنجاسته ، وحينئذ فـ ( يجوز بيعه في فأره ) على المشهور بين الأصحاب ، بل ربما نفي الخلاف عنه بعضهم ، وحكى الإجماع عليه آخر ، وإن لم يفتق ولو بإدخال خيط فيه وشمه ، للعمومات السالمة عن معارضة دليل الغرر المرتفع بأصل السلامة مع عدم الغرر فيه من غير هذه الجهة ، نحو ما سمعته سابقا في المطعوم والمشموم ولكن قد عرفت هناك ما يقتضي كون فتقه أحوط لإمكان منع عدم الغرر فيه ، إلا بما يقتضي عيبه المدفوع بأصل السلامة ، التي ربما نوقش في اندفاع الغرر بالتعبدي منها ، ومن هنا وسوس فيه الأردبيلي بل جزم بعدم جواز بيعه بعض اتباعه ، ولعله لما ورد في النصوص من النهي عن بيع ما لم ير أو يوصف (٢) وكراهة شراء ما لم ير ، المراد منها الحرمة ، ونحو ذلك وهو جيد مع فرض حصول غرر به ، غير ما يندفع بأصل السلامة وإلا كان محلا للنظر ، ضرورة اقتضاء دليلها جواز الاعتماد عليها في الاقدام على البيع مجبورا بالخيار أو بالأرش لو بان العيب بعد ذلك ، وبالجملة فالمسألة فرد من أفراد تلك المسألة التي قد سمعت الكلام فيها ، والله العالم.

المسألة الثانية يجوز في المشهور بل ربما نسب إلى الأصحاب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٩٥ من أبواب آداب الحمام الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من أبواب الخيار.

٤٤٧

مشعرا بدعوى الإجماع عليه للمشتري أو للمتولي ذلك عنهما أن يندر للظروف ويسقط ما يحتمل الزيادة على الظروف والنقيصة‌ قال : حنان في الموثق (١) « كنت جالسا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له معمر الزيات : إنا نشتري الزيت في زقاقه فيحسب لنا النقصان فيه لمكان الزقاق فقال له : إن كان يزيد وينقص فلا بأس وإن كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه » وظاهره عدم اعتبار التراضي منهما ، لكن في‌ خبر علي بن أبي حمزة (٢) « سمعت معمر الزيات يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : جعلت فداك نطرح من ظروف السمن والزيت لكل ظرف كذا وكذا رطلا فربما زاد وربما نقص ، قال : إذا كان ذلك عن تراضي منكم فلا بأس » وفي‌ خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الاسناد (٣) « عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام عن الرجل يشتري المتاع وزنا في الناسية والجوالق فيقول : ادفع الناسية رطلا أو أكثر من ذلك أيحل ذلك البيع حينئذ قال : إذا لم يعلم وزن الناسية والجوالق فلا بأس إذا تراضيا » وظاهرهما اعتبار التراضي الذي هو مقتضى القواعد ، الا كانت عادة تقتضيه تقوم مقام التصريح بذلك ، وربما كان ذلك مبني الخبر الأول.

ومن هنا لا يجوز وضع ما يزيد قطعا إلا بالمراضاة لعدم عادة تقتضي ذلك ، فقاعدة احترام مال المسلم بحالها ، وكذا لا يجوز وضع ما نقص قطعا للسمسار مثلا إلا برضاء المشتري ، لاحترام ثمنه ، وعلى كل حال فلا إشكال في دلالة النصوص الثلاثة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٣.

٤٤٨

كالفتاوى على عدم فساد البيع بمثل هذا الوضع الذي لا يعلم بعده كمية المبيع بل ولا قبله ، فإنه وإن كان غررا وجهالة إلا أنه قد هونه بعد جريان العادة به فله التضرر به ، لكونه يسيرا كتفاوت المكاييل والموازين ونحوها مما وقعت المسامحة به في العادة على وجه ينتفي الغرر معه عرفا ، فيكتفي حينئذ بوزن ما في الظرف مع الظرف ثم يندر للظرف ما عرفت ، ويحسب على الباقي ويعد بذلك معلوم الوزن ، إنما الكلام في قصر هذا الحكم على ما في أكثر العبارات من الظروف التي جرت العادة بظرف المائع أو الجامد منها على وجه يكون معه كالشي‌ء الواحد ، أو يتعدى منها إلى غيرها كالجوالق والحبوب ونحوها ، بل يتعدى إلى مظروفات تعلق القصد بظروفها ، بل وإلى الاندار لوسخ أو تراب أو أحجار أو شمع أو غير ذلك ، مما كان هو في شي‌ء مثبت وما في حلي الذهب والفضة وغيرهما ، الظاهر الثاني ، ولكن بشرط جريان العادة به وإلا لم يجز ذلك للغرر والجهالة.

نعم يجوز بيعه مع الظرف من غير وضع موزونين أو لا ، أو مختلفين ، اتفقا بالسعر أو لا ، مع قابلية المنضم إلى التقويم وعدمه ، فيكون كقشر الجوز ونوى التمر وتراب الطعام ونحوها ، للعمومات السالمة عن معارضة دليل الغرر عرفا ، والعلم بالجملة كاف عن معرفة الأبعاض وإن لم يكن المنضم من الموزونات ، ولو فرض تحققه في بعض الموضوعات لم يجز ، ضرورة كونه المدار وجودا وعدما في الصحة والفساد كما هو واضح.

( وأما الآداب فـ ( كثيرة منها انه‌ ( يستحب ) لكل مكتسب أن ينوي بكسبه الاستعفاف عن الناس ، والتوسعة على العيال وإعانة المحتاجين وصرفه في أعمال الخير ، ففي الحسن (١) « عمن قصد بكسبه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب مقدمات التجارة الحديث ٣.

٤٤٩

ذلك ليس هذا طلب الدنيا ، هذا طلب الآخرة » وفي الحديث (١) « من طلب الدنيا استعفافا عن الناس وسعيا على أهله وتعطفا على جاره لقي الله عز وجل يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر » ومنها أن يقتصد في طلبه ويجمل فيه وذلك بالاقتصار على أدنى المعيشة وترك الاجتهاد البليغ ، ففي الخبر (٢) « ليكن طلبك المعيشة فوق كسب الحريص الراضي بدنياه المطمئن إليها ، ولكن انزل نفسك من ذلك بمنزلة المنصف المتعفف ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف وتكسب ما لا بد للمؤمن منه » ومنها أن لا يعتمد على سعيه وكده وفطنته وفي الخبر (٣) « كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فان موسى عليه‌السلام ذهب يقتبس نارا فانصرف وهو نبي مرسل » وفي الحديث (٤) « لن يزداد امرؤ بحذقه نقيرا ولن ينقص امرؤ نقيرا بحمقه والعالم بهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعته ، والعالم بهذا التارك له أعظم الناس شغلا في مضرته ، وفيه أن الله وسع أرزاق الحمقاء لتعتبر العقلاء ويعلموا أن الدنيا لا ينال ما فيها بعمل ولا حيلة ».

ومنها أن يتفقه فيما يتولاه من أفراد الاكتساب أولا ، ففي الخبر (٥) « الفقه ثم المتجر والله للربا في هذه الأمة دبيب أخفى من دبيب النملة على الصفاء التاجر فاجر والفاجر في النار إلا من أخذ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب مقدمات التجارة الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ١٣ من أبواب مقدمات التجارة الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من أبواب مقدمات التجارة الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ١٣ من أبواب مقدمات التجارة في ضمن الحديث ٣.

(٥) الوسائل الباب ١ من أبواب آداب التجارة الحديث ١.

٤٥٠

الحق وأعطى الحق إلى أن قال من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم » نعم يكفيه التفقه ولو بالتقليد ، ومنه يعلم عدم المعارضة بين ما دل على وجوب طلب العلم وبين ما دل على طلب الرزق والأمر بالسعي في أسبابه ، ضرورة إمكان الجمع بينهما على أن التوكل الخالص والانقطاع التام إلى الله عز وجل من أعظم أسباب الرزق (١) « فان ( مَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) » كما لا يخفى على من جرب ذلك وتنبه لنسمات روح الرأفة والرحمة والكرم والإحسان ، ولو فرض تعارض طلب العلم الواجب عينا ، وطلب الرزق كذلك لم يبعد تقديم الثاني مع فرض توقف الحياة عليه ، وعلى كل حال فالمراد بالتفقه المستحب إحراز المعرفة قبل الشروع ، مخافة عدم التنبه لكثير مما يعتبر فيه على وجه يقتضي فساده ، فتندرج في أكل المال بالباطل لا مطلقا ، ضرورة وجوبها بحكم الشرع في كل فعل وترك فان‌ طلب العلم فريضة على كل مسلم (٢) نعم لا يعتبر في الشروع في أسباب المعاملة سبق العلم بالصحة والفساد ، بخلافه في العبادة المعتبر فيها نية القربة ، فله حينئذ إيقاع المعاملة مثلا ثم السؤال عن صحتها وفسادها ثم ترتيب الآثار على ذلك ، فلو رتبها قبل ذلك بأن أكل المال أو وطئ الجارية مثلا كان آثما ، وإن أصاب الواقع كما هو واضح.

ومنها ان يسوي البائع بين المبتاعين في الإنصاف بالنسبة إلى الثمن وحسن المبيع وغيرهما ، للخبر (٣) الموافق للاعتبار خصوصا مع التفويض إليه الذي هو نوع ائتمان له ، نعم قد يقال : أنه لا بأس‌

__________________

(١) سورة الطلاق الآية ٢.

(٢) البحار ج ٢ ص ٣٢ الطبع الحديث.

(٣) الوسائل الباب ١١ من أبواب آداب التجارة الحديث.

٤٥١

بزيادة المراعاة في نقص الثمن وغيره ، بسبب زيادة الايمان والفقر والتقوى والعلم ونحو ذلك ، مما يحسنه العقل والشرع مع أنه قيل فيه أنه يكره للمبذول له قبول ذلك ، بل يحكى عن السلف أنهم كانوا يوكلون في الشراء من لا يعرف ، هربا من ذلك هذا ، وظاهر المتن وغيره عدم الفرق في فوات استحباب التسوية بين إعلامه وعدمه ، لكن عن السرائر إذا كانوا أي المبتاعون عالمين بالأسعار وبما يباع ، فلا بأس بأن يبيع كل واحد بغير سعر الذي باعه الآخر مع علمه ، وإن كان هو كما ترى كما أن ما عن المنتهى من إلحاق البائعين بالمتبايعين بمعنى استحباب التسوية لهم في السعر كذلك ، اللهم إلا أن يكون مراده في خصوص أيام الغلاء ، كما قيل ، نعم لا بأس بإلحاق غير البيع فيه كالاجارات للحمامات والخانات ونحو ذلك.

ومنها ان يقيل من استقالة لفظا أو معنى بإظهار الندامة على ذلك للأخبار (١) التي لا فرق فيها بين البائع والمشتري ، وبين المؤمن والمسلم ، غيرهما ومنها ان يدعو بالمأثور عند دخول السوق فإذا جلس مجلسه يشهد الشهادتين والأولى أن يقول ما في‌ خبر سدير (٢) « عن أبي جعفر عليه‌السلام أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم إني أسئلك من فضلك حلالا طيبا وأعوذ بك من أن أظلم أو أظلم وأعوذ بك من صفقة خاسرة ، ويمين كاذبة » أو ما في غيره من النصوص ومنها أن يكبر الله سبحانه إذا اشترى ففي‌ حسن حريز (٣) « عن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أبواب آداب التجارة الحديث ٢١.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من أبواب آداب التجارة في ذيل الحديث ١٠.

(٣) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ١.

٤٥٢

الصادق عليه‌السلام إذا اشتريت شيئا من متاع أو غيره فكبر ثم قل اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من فضلك فصل على محمد وآل محمد واجعل لي فيه فضلا اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من رزقك فاجعل لي فيه رزقا ثم أعد كل واحد ثلاث مرات » وفي‌ خبر ابن مسلم (١) « عن أحدهما عليهما‌السلام إذا اشتريت متاعا فكبر لله ثلاثا ، ثم قل اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من خيرك فاجعل لي فيه خيرا » إلى آخر الحديث وفي‌ خبر معاوية (٢) « عن الصادق عليه‌السلام إذا اشتريت دابة أو رأسا فقل اللهم اقدر لي أطولها حياة وأكثرها منفعة وخيرها عاقبة » وفي‌ خبره الآخر (٣) « عنه أيضا إذا اشتريت دابة فقل اللهم إن كانت عظيمة البركة فاضلة المنفعة ميمونة الناصية يسر لي شرائها ، وإن كانت غير ذلك فاصرفني عنها ، إلى الذي هو خير لي منها فإنك تعلم ولا أعلم ، وتقدر ولا أقدر وأنت علام الغيوب تقول ذلك ثلاث مرات » إلى غير ذلك مما ورد من الأدعية قبل الشراء وبعده.

ومنها ان يقبض لنفسه ناقصا ويعطي راجحا للاحتياط في التجنب عن البخس‌ قال : الصادق عليه‌السلام في خبر صفوان (٤) « ان فيكم خصلتين هلك بهما من قبلكم من الأمم قال : وما هما يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : المكيال والميزان » ولما عساه يفهم من قوله تعالى (٥) ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ ) إلخ من حسن خلافه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ٧ من أبواب آداب التجارة الحديث ٧.

(٥) سورة المطففين الآية ١.

٤٥٣

وللبركة والتوفية في الثاني وغير ذلك من النصوص (١) ومع التنازع قدم من بيده الميزان المكيال ويحتمل الآخذ قبل الصفقة والمعطي بعدها أو بالعكس أو القرعة هذا كله في المندوبات.

وأما المكروهات فمنها انه يكره مدح البائع لما يبيعه وذم المشتري لما يشتريه واليمين على البيع والشراء ففي‌ خبر السكوني (٢) « عن أبي عبد الله عليه‌السلام من باع واشترى فليحفظ خمس خصال وإلا فلا يشترين ولا يبيعن ، الربا ، والحلف وكتمان العيب والحمد إذا باع ، والذم إذا اشترى » وفي النبوي (٣) « أربع من كن فيه طاب مكسبه إذا اشترى لم يعب ، وإذا باع لم يحمد ، ولا يدلس ، وفيما بين ذلك لا يحلف » وفي المرتضوي (٤) « يا معشر التجار قدموا الاستخارة وتبركوا بالسهولة ، واقتربوا من المبتاعين ، وتزينوا بالحلم ، وتناهوا عن اليمين ، وجانبوا الكذب ، وتجافوا عن الظلم ، وأنصفوا المظلومين ، ولا تقربوا الربا ، و ( أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ ، ) و ( لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ )‌ وفي آخر عنه (٥) أيضا « إياكم والحلف فإنه ينفق السلعة ويمحق البركة » بل في‌ خبر إبراهيم بن عبد الحميد (٦) عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام « ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة أحدهم رجل اتخذ الله بضاعة لا يبيع إلا بيمين ولا يشتري إلا بيمين ».

ومنها البيع في موضع يستتر فيه العيب لظلمة مثلا حذرا من الغش والتدليس ، قال هشام ابن الحكم : « كنت أبيع السابري‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب آداب التجارة الحديث ١ ـ ٦.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب آداب التجارة الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ٢ من أبواب آداب التجارة الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ٢٥ من آداب التجارة الحديث ٣.

(٦) الوسائل الباب ٢٥ من آداب التجارة الحديث ٢.

٤٥٤

في الظلال فمر بي الكاظم عليه‌السلام (١) فقال : يا هشام إن البيع في الظلال غش والغش لا يحل » بل لعل نحو ذلك إظهار جيد المتاع وكتم رديه الذي‌ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاعله (٢) « ما أراك إلا قد جمعت خيانة وغشا للمسلمين ».

ومنها الربح على المؤمن إلا مع الضرورة فيربح قوت يومه موزعا على سائر المعاملين له المؤمنين في ذلك اليوم وإلا مع الشراء بأكثر من ماءة درهم أو الشراء للتجارة‌ قال الصادق (ع) (٣) « ربح المؤمن على المؤمن ربا إلا أن يشتري بأكثر من مائة درهم فاربح عليه قوت يومك أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم وارفقوا بهم » وفي‌ خبر ميسرة (٤) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام إن فيمن يأتيني إخواني فحد لي من معاملتهم ما لا أجوزه إلى غيره فقال : إن وليت أخاك فحسن ، وإلا فبع بيع البصير المداق » بناء على أن المراد منه إن بعت أخاك المؤمن فلا تربح عليه ، بل وله أي بعه برأس المال ، وإن لم يكن أخاك فبع بيع البصير المداق له أو أن المراد أن وليت أخاك فحسن ، وإن تركت الحسن فبعه بيع البصير المداق ، بأن تلحظ ما يخصه من قوت يومك الذي تريد أن توزعه على إخوانك المعاملين لك ، لكن في‌ خبر سالم (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخبر الذي يروى أن ربح المؤمن على المؤمن ربا ما هو قال : ذاك إذا ظهر الحق وقام قائمنا أهل البيت فأما اليوم فلا بأس‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٨ من أبواب آداب التجارة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٨٦ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٨.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ١٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ١٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ٤.

٤٥٥

أن تبيع من الأخ المؤمن وتربح عليه » وفي‌ خبر عمر بن يزيد بياع السابري (١) « قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ان الناس يزعمون أن الربح على المضطر حرام ، وهو من الربا فقال : وهل رأيت أحدا يشتري غنيا أو فقيرا إلا من ضرورة ، يا عمر قد أحل الله البيع وحرم الربا ، فاربح ولا ترب » إلا أنه يمكن خروج الثاني عما نحن فيه ضرورة تضمنه الاذن في الربح على المضطر ، وأنه لا بأس به من حيث الاضطرار كما أنه يمكن حمل الأول على بيان الجواز.

ومنها الربح أيضا على من يعده بالإحسان لقول (٢) الصادق عليه‌السلام « إذا قال الرجل للرجل : هلم أحسن بيعك يحرم عليه الربح ، ومنها السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لمرفوع ابن أسباط (٣) « نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك » مؤيدا بأنه وقت التعقيب الذي هو أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض (٤) ومنها الدخول إلى السوق أولا قيل : والخروج منه أخيرا ، المنافي للإجمال في الطلب وغيره مما ورد الأمر به (٥) وإنما الذي ينبغي له أن يكون آخر داخل وأول خارج ، عكس المسجد (٦) ومنها مبايعة الأدنين الذين لا يبالون‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٩ من أبواب آداب التجارة الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ١٢ من أبواب آداب التجارة الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ١٨ من أبواب التعقيب الحديث ١٠.

(٥) الوسائل الباب ١٣ من أبواب مقدمات التجارة.

(٦) الوسائل الباب ٦٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ١.

٤٥٦

بما قالوا وما قيل لهم ولا يسرهم الإحسان ولا تسؤهم الاسائة ، والذين يحاسبون على الشي‌ء الدني ، وذوي العاهات والنقص في أبدانهم والأكراد والمحارف ومن لم ينشأ في الخير كمستجدي النعمة‌ فعن الصادق عليه‌السلام (١) « إياك ومخالطة السفلة فإن السفلة لا تؤل إلى خير » وعنه عليه‌السلام (٢) « لا تعامل ذا عاهة فإنهم أظلم شي‌ء » وفي‌ خبر الوليد (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « يا وليد لا تشتر من محارف فان صفقته لا بركة فيها » وعن الفقيه خلطته ، والتهذيب حرفته ، وعنه «ع» أيضا (٤) « لا تخالطوا ولا تعاملوا إلا من نشاء في الخير » وعنه عليه‌السلام أيضا (٥) « إنه قال : لقهرمان له استقرض من رجل طعاما فألح بالتقاضي له فقال : ألم أنهك أن تستقرض ممن لم يكن فكان » وعنه في خبر داود (٦) : « يا داود تدخل يدك في فم التنين إلى المرفق خير لك من طلب الحوائج إلى من لم يكن فكان » وعن أبي جعفر عليه‌السلام (٧) « مثل الحاجة إلى من أصاب ماله حديثا كمثل الدرهم في فم الأفعى أنت إليه محوج وأنت منها على خطر » وفي‌ خبر أبي الربيع الشامي (٨) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقلت له : ان عندنا قوما من الأكراد وإنهم لا يزالون يجيئون بالبيع فنخالطهم ونبايعهم فقال : يا أبا الربيع لا تخالطوهم فإن الأكراد حي من أحياء الجن كشف الله عنهم الغطاء فلا تخالطوهم ».

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب آداب التجارة الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ٢٢ من أبواب آداب التجارة الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ٢١ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ٢١ من أبواب آداب التجارة الحديث ٦.

(٥) الوسائل الباب ٢١ من أبواب آداب التجارة الحديث ٢.

(٦) الوسائل الباب ٢٦ من أبواب مقدمات التجارة الحديث ٢.

(٧) الوسائل الباب ٢٦ من أبواب مقدمات التجارة الحديث ١.

(٨) الوسائل الباب ٢٣ من أبواب آداب التجارة الحديث ١.

٤٥٧

ومنها التعرض للكيل أو الوزن بل والعد إذا لم يحسنه حذرا من الزيادة والنقصان المؤديين إلى المحرم ، بل في المسالك عن بعض تحريمه ، وهو كذلك مع تحقق التأدية المزبورة لا مع عدمها ، والخوف من ذلك لا يقتضي الحرمة ، وفي‌ مرسل المثنى الحناط (١) « عن أبي عبد الله عليه‌السلام قلت : له رجل من نيته الوفاء وهو إذا كال لم يحسن أن يكيل قال : فما يقول الذين حوله قلت : يقولون لا يوفي قال : هذا لا ينبغي له أن يكيل » ومنها الاستحطاط من الثمن بعد العقد ففي‌ خبر إبراهيم بن زياد (٢) « عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اشتريت له جارية فلما ذهبت أزن الدراهم قلت : أستحطهم قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن الاستحطاط بعد الصفقة » وفي‌ خبر الشحام (٣) « أتيت أبا عبد الله عليه‌السلام بجارية أعرضها فجعل يساومني وأساومه ، حتى بعته إياها وقبض على يدي فقلت : جعلت فداك إنما ساومتك لأنظر المساومة تبتغي أو لا تبتغي وقد حططت عنك عشرة دنانير ، فقال : هيهات إلا ما كان قبل الصفقة أما بلغك قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوضعية بعد الصفقة حرام » وظاهره كراهة الحط فضلا عن الاستحطاط ، لكن الظاهر إرادته منه وإلا كان إحسانا محضا ، والمراد من الحرمة فيه شدة الكراهة قطعا للعمومات وخصوص النصوص النافية للبأس عن ذلك (٤) فوسوسة بعض المحدثين فيه في غير محلها.

ومنها الزيادة في السلعة وقت النداء كما عن النهاية‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أبواب آداب التجارة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٤٤ من أبواب آداب التجارة الحديث ٦.

(٣) الوسائل الباب ٤٤ من أبواب آداب التجارة الحديث ١ و ٧.

(٤) الوسائل الباب ٤٤ من أبواب آداب التجارة الحديث ٦ و ١ و ٧.

٤٥٨

ل‌ خبر أمية بن عمر الشعيري (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : إذا نادى المنادي فليس لك أن تزيد وإنما يحرم الزيادة الندا ويحلها السكوت » المحمول على شدة الكراهة قطعا لكن ستسمع ما عن ابن إدريس.

ومنها دخول المؤمن في سوم أخيه بائعا كان أو مشتريا على الأظهر الأشهر بل المشهور لخبر الحسين بن زيد (٢) « عن الصادق عليه‌السلام ونهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يدخل الرجل في سوم أخيه المسلم » المحمول على ذلك لقصوره عن تخصيص الأصل والعمومات من وجوه ، خلافا لمن ستسمع ، قيل : والمراد به هنا الزيادة مثلا في الثمن أو بذل مبيع غير ما بذله البائع الأول ليكون البيع له بعد تراضي الأولين به وحينئذ فمع عدم التراضي لا سوم ، وفي محكي المبسوط وأما السوم على سوم أخيه فهو حرام ، لقوله عليه‌السلام (٣) « لا يسوم الرجل على سوم أخيه » هذا إذا لم يكن المبيع في المزايدة ، فإن كان كذلك فلا تحرم المزايدة ومقتضاه الحرمة مطلقا في غير حال المزايدة ، وأما فيها فظاهره عدمها قبل التراضي ، اللهم إلا أن يريد ذلك حتى بعد التراضي منهما ، وإرادة إيقاع العقد ، ولعل الوجه حينئذ في استثنائه ، وضع الشي‌ء على المزايدة فلا غضاضة على المدخول عليه ، لكن في محكي السرائر بعد أن حكى عن النهاية ، وإذا نادى المنادي على المتاع فلا يزيد في المتاع فإذا سكت زاد حينئذ إنشاء ، وعن المبسوط ما سمعت هذا هو الصحيح دون ما ذكره في نهايته ، لأن ذلك على ظاهره غير مستقيم ، لأن الزيادة في حال النداء غير محرمة ولا مكروهة ، فإن الزيادة المنهي عنها هي عند الانتهاء وسكون‌

__________________

(١) ) الوسائل الباب ٤٩ من أبواب آداب التجارة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٤٩ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣.

(٣) المستدرك ج ٢ ص ٤٧٠.

٤٥٩

نفس كل واحد من البيعين على المبيع بعد استقرار الثمن ، والأخذ والشروع في الإيجاب والقبول وقطع المزايدة ، فعند هذا الحال لا يجوز السوم على سوم أخيه ، وفي محكي المنتهى انه اعتذر عن الشيخ بأنه عول على خبر الشعيري ولا بأس به ، لأن مثله صالح لإثبات مثلها ثم قال : والتحقيق أن نقول أن الحال لا يخلوا من أربعة أقسام أحدها أن يوجد من البائع التصريح بالرضاء بالبيع ، فهنا يحرم السوم ، الثاني أن يظهر منه ما يدل على عدم الرضا ، فهذا لا يحرم فيه الزيادة ، الثالث أن لا يوجد ما يدل على الرضا ولا على عدمه ، فهنا أيضا يجوز السوم ، الرابع أن يظهر منه ما يدل على الرضا من غير تصريح ، والوجه هنا التحريم أيضا ، وشدد النكير عليهما في الحدائق بما حاصله من الفرق الواضح بين مسئلتي النداء والسوم ، قلت : لا ريب في صدق السوم على مجرد إرادة الشراء والتشاغل في قطع الثمن ، ومنه المقبوض بالسوم وكان مقتضى الخبر المزبور وحرمته مطلقا أو كراهته كذلك في غير المزايدة ، بل هو مقتضى ما سمعته من المبسوط أيضا فيحرم أو يكره الدخول فيه ، وإن لم يحصل التراضي.

نعم في المسالك إنما يحرم أو يكره بعد تراضيهما أو قربه فلو ظهر منه ما يدل على عدم الرضا وطلب الزيادة أو جهل حاله لم يحرم ولم يكره اتفاقا ، فان ثبت ذلك صح تخصيصه أيضا به ، وإلا كان المتجه الحرمة أو الكراهة بمطلق تحقق المساومة إلا أن يعرض أو يكون الشي‌ء مبنيا على المزايدة والأمر سهل عندنا بعد أن كان المختار الكراهة مطلقا ، وإن كان الأحوط الاجتناب ، وأشد منه البيع على البيع‌ المروي في المرسل (١) « عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه نهى عنه » بمعنى امره بالفسخ في زمن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١٢.

٤٦٠