جواهر الكلام - ج ٢٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ان اتفق ، إذ لا يخفى عليك ما فيه أيضا بعد الإحاطة بما ذكرنا.

ولعله لذلك قال في الروضة : وما عدا الموضع الأول من هذه المواضع غير منصوص بخصوصه ، وللنظر فيه مجال ، وقد حكاها في الدروس بلفظ قيل ، وبعضها جعله احتمالا من غير ترجيح لشي‌ء منها قلت : وكذا النظر أيضا فيما زيد على هذه الصور كما لو أسلمت قبل مولاها الكافر ، وإذا جنت على مولاها جناية تستغرق قيمتها ، وإذا قتلته خطأ ، وإذا حملت في زمن خيار البائع أو المشترك ، ثم يفسخ البائع بخياره وإذا خرج مولاها عن الذمة وملكت أمواله التي هي منها ، وإذا لحقت بدار الحرب ثم استرقت ، وإذا كانت لمكاتب مشروط ثم فسخ كتابته وإذا شرط أداء الضمان منها قبل الاستيلاد ، وإذا أسلم أبوها أو جدها وهي مجنونة أو صغيرة ثم استولدها الكافر بعد البلوغ قبل أن تخرج من ملكه ، بل ينبغي القطع بفساد الثانية والثالثة ، ضرورة عدم اقتضاء كل من الأمرين جواز البيع ، وخصوصا الأخير منهما الذي لا ريب في تحريرها به من نصيب ولدها نصا (١) وفتوى ولا يثبت للمولى في كل منهما على ماله مال ولا استرقاق كما هو واضح.

ولعل مبني هذه الصور الزائدة على محل النص هو الترجيح في الأدلة بعد التعارض من وجه ، وفيه بحث أو منع ، أو أن أم الولد حكمها حكم غيرها من أموال السيد إلا في تلك الصورة الخاصة ، ولا يخفى ما فيه ، فإنه قياس مع الفارق ، لأن هذه قد تشبثت بالحرية بسبب الولد ، من الجائز أن الاستيلاد قد صار مانعا من التصرف فيها بهذه الوجوه التي ذكروها ومقدما عليه ، فتكون موروثة بعد موت السيد ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب المكاتبة وباب ٢٤ من أبواب بيع الحيوان الحديث ٣ و ١.

٣٨١

وإن كان عليه دين مستغرق أو نحو ذلك من الأمور التي ادعوا أنها مقدمة على الاستيلاد ، وابنها من جملة الورثة فتنعتق عليه حصته فتستسعى ، أو يفكها الولد كما تضمنه بعض الاخبار فيما إذا لم يخلف سواها ، ويخرج الصحيح (١) شاهدا على ذلك ، وكذا مفهوم‌ صحيح زرارة (٢) « أم الولد حدها حد الأمة ان لم يكن لها ولد » بناء على ارادة عدم مساواتها للأمة في أمثال تلك التصرفات ، لا أن المراد الحد في الجناية ، على أن جملة من الصور المزبورة يمكن دعوى خروجها عن محل البحث الذي هو عدم جواز بيعها ، ونحوه من الأسباب التي يخرجها بها المالك عن ملكه إلى مالك آخر فالفسخ والاسترقاق ونحوهما خارجة عن ذلك ، وبذلك ونحوه ظهر لك أن المهم حينئذ تحقيق كون مقتضى الأدلة عدم جواز نقلها إلا ما خرج بالدليل ، أو جوازه إلا ما خرج والظاهر الأول.

نعم لا يدخل فيه الانتقال بالفسخ ونحوه فتأمل جيدا كي تعرف وجه الكلام في الصور المزبورة التي منها إسلامها قبل مولاها ، فإنه وإن حكي عن الشيخ بيعها حينئذ عليه ، لكن عنه في الخلاف وموضع من المبسوط أنه يحال بينه وبينها عند مسلمة ، ويمنع من وطيها واستخدامها وفي الدروس أنه تفرد في المختلف باستسعائها فتنعتق بأداء القيمة ، تفاديا من الضرار به أو بها ، وقد تقدم منا في مسألة إسلام عبد الكافر ترجيح بيعها لو أسلمت. لكن الانصاف عدم خلوه من النظر ، ولعل احتمال فكها من الزكاة أو من بيت المال أو بالسعي في قيمتها أو نحو ذلك تكون به حرة مع وصول عوضها إلى مالكها جمعا بين الحقوق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب بيع الحيوان الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب الاستيلاد الحديث ١.

٣٨٢

كلها لا يخلو من قوة ، والله العالم هذا وليعلم أن تمام الكلام في جملة من مسائل المقام لا يكون إلا بالنظر فيما ذكرناه في بحث الاستيلاد وفي الجنايات فلاحظ وتأمل والله الهادي.

وكذا لا يجوز بيع الرهن من مالكه الا مع الاذن من المرتهن أو فك الرهن قبل رد المرتهن بناء على الاكتفاء به ، لعدم كونه طلقا له باعتبار تعلق حق الارتهان فيه المانع عن نفوذ ذلك ، بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النص (١) وقد ، أشبعنا الكلام فيه وفي تصرف المرتهن في باب الرهن على وجه لا مزيد عليه فلاحظ وتأمل » ولا تمنع جناية العبد عن بيعه ولا من عتقه ، عمدا كانت الجناية أو خطأ للأصل وإطلاق الأدلة وعمومها (٢) بعد عدم خروجه بذلك عن الملك ، ولكن مع ذلك على تردد فيه ينشأ مما عرفت ، ومن تعلق الحق بعينه ، فلا يكون ملكا طلقا ، بل عن الشيخ الجزم بعدم بيع الجاني عمدا الذي يكون التخيير فيه للمجنى عليه بين القتل والاسترقاق (٣) إلا أن ذلك كله كما ترى ضرورة أعمية تعلق الحق من اقتضاء عدم جواز البيع ، خصوصا فيما كان التخيير فيه للمولى بين الفداء بأقل الأمرين من الأرش والقيمة ، وبين الدفع للمجنى عليه ، فإنه يمكن أن يكون بيعه له التزاما له بالفداء ، بل لو لم نقل بكونه التزاما بذلك لم يمنع تعلق الحق من البيع ، أقصاه أنه إن لم يفده يتسلط على فسخ البيع وأخذ العبد ، فلا منافاة حينئذ في البيع لحقه ، وكذا في الجناية عمدا.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب أحكام الرهن الحديث ١ و ٢.

(٢) سورة البقرة الآية ٢٧ سورة النساء الآية ٢٩.

(٣) الوسائل الباب ٤١ من أبواب قصاص النفس الحديث ١ ـ ٣.

٣٨٣

نعم لو لم يعلم المشتري بذلك تخير ما لم يفده المولى ، وتفصيل ذلك أن الجناية إن كانت خطأ استوعبت القيمة أو لم تستوعب فالخيار للمولى بين فكه بأقل الأمرين القيمة وأرش الجناية ، لأن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه ، وبين دفعه للمجنى عليه ليسترقه بقدر جنايته فان باعه والحال هذه ، وقلنا بأن ذلك اختيار منه للفداء كما هو أحد القولين صح ، والتزم المولى بالفداء ، فلو فرض امتناعه أو كان معسرا كان للمجنى عليه أو وليه انتزاع العبد ، فيبطل البيع حينئذ فيه أو في بعضه ، وللمشتري الخيار مع الجهل بحال العبد ما لم يفده المولى ، بل وإن فداه في وجه ، ولو كانت الجناية عمدا كان الخيار بين القتل لو كانت الجناية موجبة له ، والاسترقاق للمجنى عليه أو وليه ، فلو باعه والحال هذه صح أيضا على الأقوى ، فإن فداه المولى أو المشتري لزم البيع ، وإلا بأن قتل أو استرق بطل ورجع بالثمن ، ولو استرق بعضه ، فالباقي مبيع ورجع بقدر ، ما فات من مقابل الثمن ، وللمشتري خيار التبعض مع الجهل ، وإلا فلا ، بل له الخيار معه ، وإن لم يتبعض إذا علم بعد العقد قبل فداء المولى له برضى المجني عليه ، لكونه كالعيب ولتمام الكلام في هذه الاحكام وأدلتها وفي مضى عتقه مع عدم الفداء وفي الجناية عمدا محل آخر.

الثالث من الشروط أن يكون المبيع مقدورا على تسليمه إجماعا في محكي التذكرة وكنز الفوائد وحواشي التحرير ، فلا يصح بيع ما يتعذر تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء كما عن المبسوط الإجماع عليهما ، والتذكرة في الأول منهما ، وفي الثاني نسبته إلى أكثر العلماء كالإمامية والفقهاء الأربعة من الجمهور وغيرهم ، ثم قال‌

٣٨٤

ولا نعلم لهم مخالفا ، وعن الغنية واعتبرنا أن يكون أي المعقود عليه مقدورا على تسليمه ، تحفظا مما لا يمكن فيه ذلك كالسمك في الماء والطير في الهواء ، فان ما هذه حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف ، نعم قد يظهر من هذه العبارة بل وغيرها عند التأمل أن المراد من هذا الشرط عدم جواز بيع ما يعجز عن تسليمه كالأمثلة السابقة ، وقد يطلق اشتراط القدرة على ارادة كون العجز مانعا ، نحو ما ذكروه في كون القدرة شرطا في التكاليف ، وتظهر الثمرة في المشكوك فيه ، فإنه بناء على شرطية القدرة يمتنع بيعه ، بخلافه بناء على مانعية العجز ومما يرشد إلى ذلك انهم قد ذكروا الإجماع كما عرفت على اشتراط القدرة ، مع أنهم قد حكوا الخلاف في أمور.

منها بيع الضال فإنه قد قيل فيه وجوه الأول صحة بيعه مع الضميمة لا مطلقا ، غير مراعى بالتسليم وإن لم أجد به مصرحا على التعيين ، كما اعترف به بعض الأساطين الثاني صحته مطلقا مراعاة بالتسليم ، فلو تعذر تخير المشتري ، وهو اختيار اللمعة والمعالم ، الثالث صحة بيعه مترددا بين الحاقه بالآبق فيفتقر إلى الضميمة ووقوعه مراعى مطلقا ، فلا يحتاج إليها قاله في التذكرة والقواعد ، الرابع بطلان بيعه منفردا ، مع التردد فيه منضما ، وفي التقسيط والاختصاص على تقدير الصحة وتعذر التسليم وهو للعلامة في النهاية ، الخامس البطلان مطلقا كما في ظاهر الروضة والمسالك وحواشي التحرير ، ومنها بيع الضالة وفيها احتمالات أولها الصحة بشرط الضميمة ، إلحاقا لها بالآبق لأنها في معناه بل هي أولى منه بها ، فان الآبق ممتنع على صاحبه بخلاف الضالة وإن كان فيه منع ، لأن الآبق لتمدنه يظهر امره ولا كذلك‌

٣٨٥

الضالة ، ثانيها الصحة مراعاة بالتسليم كالضال ، قاله في المجمع ، ثالثها البطلان لتعذر التسليم وهو خيرة الدروس ، ومنها ما في معنى الآبق من الحيوان الممتنع كالجمل الشارد والفرس الغائر ونحوهما ، وفيه أيضا وجوه البطلان كما هو خيرة الشهيدين ، والصحة مع الضميمة كالآبق ، وفي النهاية بطلانه منفردا ، مع التردد فيه منضما ، والصحة مطلقا ، كما هو مقتضى إطلاق المجمع صحة بيع الضالة ، والغرض من ذلك كله بيان أن المراد بالإجماع المزبور على اشتراط القدرة ما عرفت من عدم جواز بيع ما تحقق العجز عن تسليمه ، كبيع طير صيد ثم فر ومضى في الهواء ، وسمك صيد ثم مضى في الماء ورجعا على حالهما السابق قبل أن يصطادا ، لا أن المراد اشتراط القدرة فعلا على تسليمه كي يتجه عدم جواز مطلق ما لا يعلم حاله من الضال والضالة وغيرهما ، وإلا لم يكن لما عرفت من الخلاف في الأمور المزبورة وجه ، ضرورة عدم تحقق القدرة فعلا في شي‌ء منها ، ومن هنا كان المتجه فيها جميعها الصحة مطلقا ، لإطلاق الأدلة ، نعم لو بان بعد ذلك التعذر ، تخير المشتري كما سمعته من اللمعة والمعالم ، كما أن وجه الفساد في الذي قد عجز عن تسليمه على وجه يكون كالمثالين السفه وغيره مما تعرفه ، هذا

ولكن قد يستدل على اشتراط القدرة مضافا إلى الإجماع الذي قد عرفت حاله بحديث النهي عن بيع الغرر (١) المشهور المعتبرة المتلقى بالقبول بل قيل انه قد اجمع عليه المؤالف والمخالف القائل بحجية خبر الواحد وغيره ، كالسيد المرتضى وابني زهرة وإدريس ، بل رد به كثير من الأخبار المسندة المروية من طرق الأصحاب ، والغرر فيه الخطر قاله : في الصحاح والمصباح والأساس والمغرب والمجمل يقال : هو على غرر ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣.

٣٨٦

أي على خطر ، من قولهم غرر بنفسه إذا خاطر بها ، ومنه الدعاء وتعاطى ما نهيت عنه تغريرا » (١) أي مخاطرة وغفلة والمخاطرة في غير المقدور ظاهرة ، فيكون غررا ، وعن الأصمعي والأزهري أن بيع الغرر ما كان على غير عهدة ولا ثقة ، وهو راجع إلى الأول ، وكذا ما في القاموس وغرر بنفسه تغريرا أعرضها للهلكة ، والاسم الغرر ، وقيل : هو ما كان له ظاهر يغر المشتري ، وباطن مجهول ، قاله ابن الأثير في نهايته ، وحكاه الهروي في الغريبين عن ابن عرفه ، والظاهر أن المراد بالمجهول ما يعم مجهول الأصل ، ومجهول الحصول فيوافق ما تقدم في الصحاح والمجمل والمغرب ومجمع البحرين من تمثيل بيع الغرر ببيع السمك في الماء والطير في الهواء ، وهو نص في المدعى ، وفي التذكرة أنه قد فسره به ، وهو محمول على التمثيل ، وفي جامع ابن سعيد الغرر ما انطوى أمره ، وهو تعريف جامع ، وروى ابن أبي المكارم الفقهي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ان الغرر عمل ما لا يؤمن معه الغرر (٢) وهذا ناظم لجميع ما قالوه وتحريم بيع الغرر يقتضي فساده ، لتوجه النهي فيه إلى ركن المعاملة بناء على أن الإضافة فيه من المصدر إلى المفعول ، وللملابسة والمراد الغرر الحاصل من أحد العوضين.

وقيل : بل الفساد في مثله لفقد دليل الصحة ، فإن قوله تعالى ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٣) لا يدل على صحة بيع المحرم ، وأما النهي فلا دلالة فيه ، لأنه في المعاملة لا يقتضي الفساد ، وفيه منع حصر المقتضي في الآية ، وثبوت الاقتضاء في النهي مطلقا بحسب الشرع ، وتحقيقه في‌

__________________

(١) صحيفة السجادية الدعاء ٣٣ في التوبة.

(٢) ما عثرنا على هذه الرواية بعد الفحص عنه في مضانه.

(٣) سورة البقرة الآية ٢٧٥.

٣٨٧

الأصول ، ولا أثر للخلاف هنا للإجماع على فساد المنهي عنه بهذا المعنى وهو كاف في المطلوب ، قلت : المنساق من الغرر المنهي عنه الخطر من حيث الجهل بصفات المبيع ومقداره ، لا مطلق الخطر الشامل لتسلمه وعدمه ، ضرورة حصوله في كل مبيع غائب ، خصوصا إذا كان في بحر ونحوه ، بل هو أوضح شي‌ء في بيع الثمار والزرع ونحوهما ، مضافا إلى‌ ما في الدعائم روينا (١) « عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع الغرر ، وهو كل بيع يعقد على شي‌ء مجهول عند المتبايعين أو أحدهما » والحاصل أن من الواضح عدم المخاطرة في بيع مجهول الحال بالنسبة إلى التسلم وعدمه خصوصا بعد جبره بالخيار لو تعذر كما لا يخفى ، وبذلك سقط الاستدلال بالحديث المزبور على اشتراط القدرة بالمعنى المذكور ، كما انه يسقط الاستدلال على ذلك بصحيح سليمان بن صالح (٢) « عن أبي عبد الله عليه‌السلام نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن سلف وبيع ، وعن بيعين في بيع ، وعن بيع ما ليس عندك ، وعن ربح ما لم يضمن » فإنه قد وجه الاستدلال به بأن ليس لمنع عن بيع ما ليس عند البائع إلا لاشتراط القدرة ، لا لعدم حضور المبيع ، للإجماع على صحة بيع الغائب ، ولا لوجوده بالفعل لانتقاضه بالسلف ، بل ولا لاشتراط ملكية البائع كي يكون بيع الفضولي باطلا ، لأن المنهي عنه بيع ما ليس عنده دون ما ليس له ، وقد يكون الشي‌ء عنده وليس له وقد يكون إرادة غيره ، بعموم اللفظ فان قوله ما ليس عنده ، يشمل المملوك والمعتذر تسليمه ، وإن دخل فيه ملك الغير أيضا على القول ببطلان بيع الفضولي‌

__________________

(١) الدعائم ج ٢ ص ١٩.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام العقود الحديث ٤.

٣٨٨

لعدم تنافي الإرادتين ، فيصح التمسك به في المطلوب وإن لم يختص النهي به.

ولكن قد يقال أن المراد به الإشارة إلى ما هو مستعمل الآن وفي السابق ، من بيع الشي‌ء المخصوص مظهرا له انه ما له وعنده ، ثم يمضي بعد ذلك إلى صاحبه ويشتريه منه بأنقص مما باعه ثم يدفعه إلى الذي باعه إياه أولا ، على أنه قد ورد من طريق الأصحاب ما ينافي ذلك كصحيح عبد الرحمن ابن الحجاج أو حسنه (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يجي‌ء يطلب المتاع فأقاوله على الربح ثم أشتريه فأبيعه منه ، فقال : أليس إنشاء أخذ وإنشاء ترك؟ قلت بلى ، قال : لا بأس به فقلت : ان من عندنا يفسده قال : ولم؟ قال : باع ما ليس عنده ، قال : فما يقول في السلف باع صاحبه ما ليس عنده؟ فقلت بلى ، قال : فإنما صلح من قبل أنهم يسمونه سلما ، إن أبي كان يقول لا بأس بكل متاع كنت تجده في الوقت الذي بعته فيه » وفي صحيحه الآخر (٢) أيضا « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده ، فيشتري منه حالا؟ قال : ليس به بأس قلت : انه يفسده من عندنا قال : وأي شي‌ء يقولون في السلم؟ قلت : لا يرون به بأسا يقولون هذا إلى أجل ، فإذا كان إلى غير أجل وليس عند صاحبه فلا يصلح ، فقال : إذا لم يكن أجل كان أجود ، ثم قال : لا بأس أن يشتري الطعام وليس هو عند صاحبه إلى أجل أو حالا لا يسمى له أجلا إلا أن يكون بيعا لا يوجد مثل البطيخ والعنب وشبهه في غير زمانه فلا ينبغي شراء ذلك حالا » بل قد ينقدح من الأخير وجه آخر لقوله ما ليس عنده وهو بيع الشي‌ء حالا في غير وقته.

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب أحكام العقود الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ٧ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

٣٨٩

وعلى كل حال فحمله على متعذر التسليم أو ما يشمله كما ترى ، لا إشعار في شي‌ء من النصوص به ، على أنه يمكن أن يكون ما قلنا بفساد بيعه وهو بيع ما تحقق فيه ذلك كالطير في الهواء والسمك في الماء ونحوهما ، لا أنه يدل على اشتراط القدرة على التسليم ، بحيث لا يصح بيع مجهول الحال فتأمل ، والاستناد في ذلك إلى خصوص ما دل على منع بيع الآبق باعتبار انه لا مانع منه إلا عدم القدرة على تسليمه يدفعه أن نصوصه (١) كما اشتملت على ذلك قد اشتملت أيضا على جواز بيعه منضما إلى غيره ، ولو كانت القدرة على التسليم شرطا لوجب اعتباره في جميع اجزاء المبيع ، وإلا لكان القدرة على التسليم شرطا في الجملة ، ولو في جزء المبيع كما حكي عن ظاهر جماعة من الأصحاب ، ولذا اجتزوا بالضميمة إلى كل ما تعذر تسليمه في صحة البيع ، من غير فرق بين الآبق وغيره ، إلا أن ذلك خلاف ظاهر العبارات السابقة ومعاقد الإجماعات ، وعليه يتجه حينئذ عدم إرادة ظاهرها ، وليس ذلك بأولى مما ذكرنا.

وربما استدل أيضا على اشتراطها بوجوب تسليم كل من المتبايعين ما انتقل عنه بالبيع إلى صاحبه ، فيجب أن يكون مقدورا لاستحالة التكليف بالممتنع ، وأن الغرض من البيع انتفاع كل منهما بما يصير إليه من العوض ، ولا يتم إلا بالتسليم فيكون القدرة عليه شرطا ، وإن بذل الثمن على غير المقدور سفه ، وتضييع للمال فيكون ممنوعا منه ، ويتوجه على الأول أنه إن أريد إثبات اشتراط القدرة على التسليم ، بوجوب التسليم منجزا فذلك باطل ، لأنه مشروط بالبيع ، وإن أريد إثبات اشتراطها بوجوب الاقدام على ما يتمكن معه من فعل الواجب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أبواب عقد البيع وشروطه.

٣٩٠

إذا وجب ، منعنا الوجوب على الإطلاق ، فإن التكليف مشروط بالقدرة والعجز السابق على البيع كالمتجدد ، فكما لا يجب التسليم في الثاني فكذا في الأول ، لا يقال الأصل في الوجوب عدم التقييد. وقد ثبت بالقياس إلى العجز المتجدد ، بخلاف السابق لأن القدرة على التسليم إذا كانت شرطا كان الوجوب بالقياس إليها مطلقا ، لكونها مفروضة الحصول على هذا التقدير ، لأن هذا الأصل معارض بمثله في جانب البيع ، فإن الأصل عدم اشتراطه بالقدرة على التسليم فيجب تقييد وجوب التسليم بحصول القدرة السابقة كاللاحقة ، وعلى الثاني منع كون الغرض من البيع الانتفاع مطلقا بل بعد تسليمه ، والانتفاع بالمتعذر حال البيع كالانتفاع بالمتعذر بعده ، وعلى الثالث المنع من لزوم السفه والتضيع على الإطلاق ، فإن بذل القليل من المال في مقابلة الخطير المتوقع الحصول مما يقدم عليه العقلاء ، ولا يعد مثله سفها ولا تضييعا ، وإذا قلنا بعدم الاجتزاء بالضميمة في بيع غير المقدور كما هو المشهور ، كان توجه المنع عليه أبين وأظهر.

كل ذلك مع أن هذا وشبهه إنما يقتضي المنع من بيع ما تحقق العجز عن تسليمه على وجه تعد المعاوضة عليه سفها عرفا ونحن نقول به ، إنما الكلام في اعتبار القدرة على التسليم وهو أمر غير هذا ، ومن ذلك كله يظهر لك الحال فيما ذكره القائل باعتبارها أي القدرة شرطا ، قال : التي هي شرط في البيع القدرة المعلومة للمتبايعين حال العقد ، دون القدرة الواقعية لأن الغرر لا يندفع بمصادفة الواقع ، وإنما يرتفع بالعلم ، فلو باع ما لا يعلم حصولها فيه بطل البيع ، وإن قدر عليه بعده ، ولو باع ما يعتقد تمكنه منه صح ، وإن تجدد العجز ، والمعتبر في العلم الوثوق بالتمكن فلا يشترط اليقين ، ولا يكفي فيه مطلق الظن‌

٣٩١

ضرورة أن هذا ثمرة الخلاف ، فإنه بناء على كون العجز مانعا لا كون القدرة شرطا ، صحة بيع ما زعمه غير مقدور ثم بان العدم ، كما أنه لا يجدي في الصحة زعم القدرة ثم بان الخلاف ، وهو غير تجدد العجز فتأمل ، وكذا يظهر لك الحال فيما ذكره أيضا من أن القدرة المعتبرة هي قدرة العاقد إذا كان مالكا ووليا أو وكيلا في البيع ولوازمه ، أما إذا كان وكيلا على خصوص العقد وإجراء الصيغة فالشرط قدرة الموكل ، لأنه المطالب بالتسليم دون الوكيل ، وتظهر الفائدة فيما إذا قدر أحدهما على التسليم دون الآخر ، فإنه إن كان الموكل صح البيع ، وإلا بطل ، ولو كان أحد المتعاقدين وكيلا على البيع وما يتبعه من اللوازم وعلم الأخر بذلك ورضى بتسليم الموكل كفى في صحة البيع قدرة أحدهما إن رضى الموكل برجوعه عليه ، فلو عجزا معا بطل البيع.

وأما الفضولي فهذا الشرط غير متحقق فيه ، ومن ثم ترجح بطلانه ، وذلك لأن اجازة المالك غير معلومة الحصول ، إذ قد لا تحصل القدرة على التسليم مطلقا وقد تحصل ، لكن بالقياس إلى نفس العقد دون لوازمه فلا تحصل من العاقد ، وقدرة المالك إنما تؤثر لو بنى العقد عليها وحصل التراضي بها حال البيع ، لما عرفت أن بيع المأذون لا يكفي فيه قدرة الاذن مطلقا ، بل مع الشرط المذكور وهو غير متحقق في الفضولي ، والبناء على القدرة الواقعية باطل ، إذ القدرة المشروطة هي القدرة المعلومة دون الواقعية كما سبق بيانه ، والقدرة الواقعية إنما تتحقق حال الإجازة لا قبلها ضرورة ان الإجازة اللاحقة لا تؤثر القدرة السابقة ، والمعتبر من القدرة على ما ستعرفه ما كان حال البيع وقريبا منه في البيع الحال ، وعند حلول الأجل ، وما يقرب منه في المؤجل ، ولا ريب أن ذلك غير‌

٣٩٢

حاصل في بيع الفضولي ، والتأجيل بالإجازة غير مأخوذ في العقد ، ولو اشترط لم يصح لجهالة الأجل ، والحاصل أن القدرة قبل الإجازة لم توجد وبعدها ان وجدت فلا تنفع ، لا يقال إنه قد يحصل الوثوق للفضولي بإرضاء المالك ، وانه لا يخرج عن رأيه فيتحقق له بذلك القدرة على التسليم حال العقد ، لأن هذا الفرض يخرج الفضولي عن كونه فضوليا لمصاحبة الاذن للبيع ، غايته حصوله بالفحوى وشاهد الحال ، وهما من أنواع الاذن ومع الاذن لا يكون فضوليا ، ولا يتوقف صحته على الإجازة ولو سلمنا بقائه على الصفة ، فمعلوم أن القائلين بصحة بيع الفضولي لا يقصرون الحكم على هذا الفرض ، كما يعلم من الرجوع إلى كلامهم وتفريعاتهم التي فرعوها على هذا الأصل ، بل فيه نظر من وجوه ، منها حكمهم ببطلان الفضولي تفريعا على هذا الشرط ، مع أنه لا ريب في كفاية قدرة المجيز على ذلك ، وفي كفاية احتمال الإجازة كما لا يخفى ، بل لا يخفى ما فيه من غير ذلك أيضا.

وكيف كان فلا يتوهم من عبارة المتن اختصاص هذا الشرط في المبيع ، وإن اقتصر عليه فيها كغيره من كتب الجماعة ، لكن المراد التنصيص على المبيع ليعرف حكم الثمن بالمقايسة ، ومن هنا أطلق الأكثر بحيث يتناول العوضين معا ، بل قد سمعت ما عن الغنية من جعل العنوان المعقود عليه ، بل عن كنز الفوائد وغيره التصريح بالثمن والمثمن ، ووجهه واضح بعد الاشتراك في المقتضي كما هو ظاهر ، وعلى كل حال فقد فرع المصنف الآبق على هذا الشرط حيث قال فلا يصح بيع الآبق منفردا بلا خلاف محقق معتد به أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وهو الحجة مضافا إلى‌ الصحيح (١) « سألت أبا الحسن موسى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

٣٩٣

عليه‌السلام فقلت أيصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة وأعطيهم الثمن وأطلبها أنا؟ فقال : لا يصلح شراؤها إلا أن تشتري منهم معها ثوبا أو متاعا فتقول لهم أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهما فان ذلك جائز » والموثق (١) « عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله ، قال : لا يصلح إلا أن يشتري معه شيئا آخر ويقول أشتري منك هذا الشي‌ء وعبدك بكذا وكذا فان لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه » والظاهر ان المراد من الصلاح المنفي فيهما هنا الصحة ، ولو لفهم الأصحاب نعم ظاهرهما عدم صلاحية بيعه منفردا ممن لم يعلم حصوله له.

أما لمن كان في يده ، فيبقى على إطلاق الأدلة ، وفاقا للمحكي عن ظاهر العلامة في النهاية والقواعد والشهيد في الدروس وصريح غيرهما ، بل المحكي عنهم عدم جواز بيعه إلا على من هو في يده ، وإن كان فيه ان الأقوى جواز بيعه أيضا على من يقدر على تحصيله وإن لم يكن في يده وفاقا لصريح جماعة ، بل عن المرتضى الإجماع عليه لإطلاق الأدلة السالم عن المعارض ، فإن الغاية المقصودة من التسليم حصول المبيع بيد المشتري وهو ممكن بالفرض ، غاية الأمر استناده إليه وهذا ان لم يكن أولى من تمكن البائع فلا ريب انه لا يقصر عنه ، والغرر في مثله منتف ، وكذا السفه والإجماع على منعه ممنوع والمنقول منه معارض بما هو أقوى منه ، وإطلاق النص منزل على الغالب من تعذر الوصول أو المشكوك فيه أو مقيد به ، فان الحكم معلل قطعا ، وليس تعبدا محضا حتى يناط بصدق اسم الإباق ، وحينئذ فالشرط تمكن المشتري من المبيع بنفسه ، أو بواسطة البائع ، أو قدرة البائع على التسليم ولو بواسطة المشتري كالأجنبي ،

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٢.

٣٩٤

مضافا إلى ما قد عرفت من أن المراد باشتراط القدرة عدم جواز بيع المأيوس من تحصيله عادة كالطير في الهواء والسمك في الماء ، ولو فرض كون الآبق كذلك في بعض الأحوال لم يجز بيعه فيها منفردا ولا منضما كما في كل ما يؤس منه ، بخلاف غير المأيوس منه.

نعم مقتضى ذلك جواز بيع الآبق منفردا إذا لم يكن كذلك ، إلا أن النص والفتوى قد اتفقا على عدمه ما لم يكن في يد المشتري أو يتمكن منه ، ويمكن أن ينزل المنع فيهما على إرادة الشراء اللازم الذي ليس للمشتري بعد ذلك فسخه اختيارا ، ولا ريب في احتياج ذلك إلى الضميمة فإنه بذلك يكون كذلك إذا أقدم كل من البائع والمشتري على ذلك ، فإنه لو فرض تعذر تحصيل الآبق يكون الثمن في مقابل الضميمة ، ولا يكون ثمن بلا مبيع كي يترتب عليه الفساد باعتبار عدم تحقق المعاوضة فيه عرفا ، وكذلك الضميمة في بيع الثمار ، وحينئذ (١) فيكون ذلك من الامام تعليما للسائل وإرشادا له إلى الطريق الذي يحصل به ذلك ، لا أنه لإفادة حكم جديد ، بل هو نحو ما صدر منهم عليهم‌السلام في تعليم التخلص من الربا بضم غير الجنس ونحوه (٢) وحينئذ فمقتضى ذلك جواز بيعه منفردا إذا كان على ضمان البائع بمعنى كونه مراعى بحصوله ، وإلا كان من مال البائع ، ويرجع المشتري على ثمنه.

ولعله إلى هذا نظر ابن الجنيد فإنه قال : في المحكي عنه ولا يشتري أي الآبق وحده ، إلا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري أو يضمنه البائع ، وعن التحرير أنه حكي ذلك عن ابن الجنيد فقال : فيه عنه أنه يجوز بيعه منفردا ويضمنه البائع ، لكن قال بعض الأساطين : أن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أبواب بيع الثمار.

(٢) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب الربا.

٣٩٥

مراد ابن الجنيد بالضمان المزبور كون البائع قادرا عليه ، إذ كون الآبق بحيث يضمنه البائع يستلزم قدرته عليه لأن ما يتعذر تسليمه يمتنع ضمانه ، وليس المراد به اشتراط ضمانه في البيع ولا الحكم على البائع بالضمان كما يوهمه ظاهر التحرير وإلا لزم أن يكون مذهب ابن الجنيد جواز بيع الآبق منفردا ، وإن لم يكن مقدورا ، وهذا خلاف الإجماع ، ثم حكي عن التذكرة ان المشهور بين علمائنا أنه لا يصح بيع الآبق وإن عرف مكانه ، وقال بعض علمائنا : بالجواز وقال : هذا محمول على الجواز حيث يتحقق الشرط ، ويدل عليه تصريحه بالإجماع على اشتراط القدرة على التسليم في صحة البيع قبل ذكره الخلاف ، والظاهر ان هذا البعض الذي نسب إليه القول بالجواز هو ابن الجنيد ، فيجب تنزيل ما حكاه عنه على ما عرفته من المحكي عنه سابقا ليتوافق النقلان ، ولا يخفى عليك ما فيه.

وعلى كل حال فالظاهر أن الإباق من حيث كونه إباقا لا يمنع البيع لما عرفت من جوازه إذا كان في يد المشتري أو قادرا عليه أو كان البائع قادرا عليه ، فان الظاهر الصحة وإن تحقق الإباق لإطلاق الأدلة السالم عن معارضة ما عدا إطلاق المنع من بيع الآبق المحمول على غير ذلك ، قال : في محكي نهاية الأحكام ولو عرف مكان الآبق وعلم أنه يصل إليه إذا رام الوصول إليه ، فليس له حكم الآبق وفي المسالك وإنما يمتنع بيع الآبق مع تعذر تسليمه ، فلو أمكن صح ، وإن سمي آبقا إلى غير ذلك من عباراتهم ، بل قيل في مصابيح العلامة الطباطبائي ظاهرهم أنه لا خلاف في ذلك ، وهو كذلك لاتفاق أصحابنا على أن القدرة على التسليم شرط في صحة البيع ، وان المنع من بيع الآبق لتعذر تسليمه ، كما ينبه عليه استدلالهم به على المنع ، وتفريع المنع عليه ، وجعله من توابع هذا الشرط ، ومعلوم ان مجرد الإباق لا يقتضي تعذر‌

٣٩٦

التسليم ، فان منه ما يتعذر تسليمه ومنه ما لا يتعذر ، والمانع يجوز الثاني لوجود الشرط ، والمجيز يمنع الأول لفقده ، فارتفع النزاع وعاد الخلاف إلى الوفاق ، ولم يبق إلا إطلاق المنع الموهم لإرادة المنع على الإطلاق ، والخطب فيه هين بعد وضوح المراد ، قلت قد يقال أن ظاهر النص والفتوى المنع من بيع الآبق المجهول الحصول لا خصوص المتعذر تسليمه ، ومن ذلك يتجه أنه لا وجه لتعليل المنع من بيعه بتعذر تسليمه ، بل ولا تفريعه على اشتراط القدرة على التسليم ، بناء على ما سمعته منا في بيان المراد من ذلك ، وإلا لم تجد الضميمة في رفع هذا المانع كما هو ظاهر النص ، فالمتجه حينئذ الاستناد في المنع منفردا ، والجواز منضما إلى النص (١) والإجماع ، مع انك قد سمعت سابقا وتسمع لاحقا احتمال المراد منهما ، وليس القول بأن الأصل يقتضي عدم جواز بيع الآبق منفردا ومنضما ، لعدم القدرة على التسليم بأولى من القول بالعكس ، الذي قد سمعته بل قد يشهد له ما سمعته سابقا من تجويز بعضهم بيع ما هو كالآبق من الضال ، ونحوه من دون ضم كما تقدم الكلام فيه ، وكيف كان فهذا كله في بيع الآبق منفردا.

وأما أنه يصح منضما إلى ما يصح بيعه فلا خلاف فيه نصا وفتوى ، بل في محكي الانتصار والغنية والخلاف وكشف الرموز والتنقيح الإجماع عليه ، بل عن كثير منهم كالمفيد والفاضلين والشهيدين وغيرهم التصريح بأن المشتري حينئذ ان ظفر به قسط الثمن عليه ، وانه لو لم يظفر به لم يكن له الرجوع على البائع وكان الثمن مقابلا للضميمة نحو ما سمعته في موثق سماعة (٢) بل لعله ظاهر الصحيح أيضا (٣)

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل الباب ١١ من أبواب عقد البيع وشروطه.

(٣) الوسائل الباب ١١ من أبواب عقد البيع وشروطه.

٣٩٧

باعتبار كون المستفاد منه ، عدم توقف مضي البيع على الظفر بالآبق ، ولو بالنظر إلى ترك البيان في محل البيان الراجع إلى الجواز على الإطلاق وليس المراد به مجرد انتفاء التحريم بدلالة المقام ، وقرينة السؤال ، بل من ذلك يعلم عدم إرادة التقسيط في كلام من اقتصر على إطلاق جواز بيعه مع الضميمة ، فإنه ظاهر في لزوم العقد مطلقا ، ولو كان المراد لزومه بعد الظفر به لنبهوا على ذلك كما هو شأنهم في مثله ، خصوصا مع وقوع التصريح بخلافه في النص المعتبر (١) وحينئذ فلا تكون المسألة خلافية بالنسبة إلى ذلك.

ومن هنا قال في محكي التنقيح ، أن رواية سماعة (٢) مؤيدة بعمل الأصحاب ، حتى أنه إجماع منهم ، كل ذلك مضافا إلى أصالة لزوم العقد المحكوم بصحته ، وإلى أن بقاء العقد متزلزلا لا إلى غاية معلومة في قوة بطلانه ، نعم ما يحكي عن الآبي منهم من توقف انتقال الآبق إلى المشتري على الظفر به محل نظر ، قال : الآبق ما دام آبقا ليس مبيعا في الحقيقة ولا جزء مبيع ، أما أنه ليس مبيعا بانفراده فظاهر ، وأما انه ليس جزء مبيع فلأنه ليس له شي‌ء من الثمن ، إلى أن قال : ولو وجد وتمكن منه المشتري فإنه يصير جزء من المبيع ويكون له قسط من الثمن لزوال العلة التي هي العجز عن قبضه ، ضرورة مخالفته للأصل وظاهر النص والفتوى ، وقدرة التسليم ليست شرطا في الآبق المنضم إجماعا واختصاصها بالثمن مع التعذر لا ينافي التوزيع عليه قبله ، بل الأقوى أنه لا يخرج عن ملك المشتري بالتعذر وان اختصت الضميمة حينئذ بالثمن ، لأنه قد صار ملكا له بالعقد ، فلا يخرج عنه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أبواب عقد البيع وشروطه.

(٢) الوسائل الباب ١١ من أبواب عقد البيع وشروطه.

٣٩٨

من غير سبب فيكون المراد بالاختصاص على تقدير العجز عدم الرجوع بحصة الآبق من الثمن وخروجه عن ضمان البائع ، لا عدم مقابلته بشي‌ء منه في الواقع ، كما عن ثاني المحققين والشهيدين التصريح به ، فيصح له حينئذ عتقه قبل العجز وبعده ، وبيعه كذلك مع الضميمة وغير ذلك مما يترتب على الملك ، ثم أنه ينبغي أن تكون الضميمة من مالك الآبق ومما يقع عليها البيع منفردة.

هذا ، وقد بان لك من جميع ما ذكرنا قوة القول بأن للآبق أحوالا ثلاثة ، أحدها ان يكون مأيوسا منه نحو الطير في الهواء والسمك في الماء ، وهذا لا يصح بيعه ولو مع الضميمة ، ثانيهما أن يكون مقدورا عليه للبائع أو للمشتري ، وهذا يصح بيعه من غير حاجة إلى الضميمة ، ثالثها أن يكون مرجو الحصول ، وهذا يحتاج إلى الضميمة إن أريد بيعه على وجه اللزوم ، وأنه لا رجوع للمشتري على البائع حتى لو تعذر ، أما لو أريد بيعه لا على الوجه المزبور بل بيعا مراعى بالتسليم صح بلا ضميمة ، وإن كان لا يوافق إطلاق من عرفت من الأصحاب جواز بيعه مع الضميمة ، وعدمه مع عدمها ، بل قد يقال : أن الأصل يقتضي جوازه في الأول من الثالث من دون ضميمة ، إذا اشترط البائع على المشتري سقوط الخيار الذي يحصل بتعذر التسليم ، ولو سلم مخالفة ذلك في خصوص الآبق باعتبار ظهور النص والفتوى في انحصار صحة بيعه على الوجه المزبور في الضميمة ، أمكن منعها في غيره من الضال والمجحود ونحوهما ، لعدم ما يدل على الإلحاق.

ومنه ينقدح عدم سقوط الخيار معها في غيره لو تعذر تسليمه أيضا فيكون الحكم المختص بالآبق عدم الخيار لو تعذر تسليمه مع الضميمة ، وانحصار صحة بيعه على وجه اللزوم في الضميمة ، ويحتمل قويا منع‌

٣٩٩

الثاني فيه أيضا ، بدعوى حصول اللزوم فيه باشتراط الاسقاط حال عدم الضميمة ، فيختص حينئذ بالحكم الأول فقط ، ويمكن إلحاق غيره به في ذلك أيضا ، باعتبار ظهور التعليل في النص في عدم اختصاص الآبق بذلك ، فلا يختص في حكم أصلا بل لعله الظاهر ، ولكن لتصادم الامارات وقع الاشكال والتردد والخلاف في كلمات الأصحاب بالنسبة إلى ذلك ، قال في مصابيح العلامة الطباطبائي : قال ابن حمزة : انه لا يصح بيع ما فيه غرر إلا إذا ضم معه شي‌ء مما لم يكن فيه غرر ، وظاهره أن الضميمة مصححة لبيع ما يشتمل على الغرر مطلقا ، بل قيل أنه قضية كلام السيدين حيث ذكرا في الانتصار والغنية ان بيع الآبق منضما ليس من بيع الغرر ، لأن ما ينضم إليه مما لا غرر فيه يخرجه عن الغرر ، وفي التحرير القدرة على تسليم المبيع شرط في صحته ، فلو باع العبد الآبق منفردا لم يصح سواء علم مكانه أو لا ، إلى أن قال : وكذا الجمل الشارد والفرس الغائر وشبههما كالآبق في بطلان البيع ولو ضم إلى هذه غيرها صح بيعه ، وفي النهاية والضال والجمل الشارد والفرس الغائر وشبهها كالإشكال ، فإن قلنا به فلو تعذر تسليمه احتمل كون الثمن في مقابلة الضميمة والتقسيط ، وفي التذكرة الضال يمكن حمله على الآبق لثبوت المقتضي وهو تعذر التسليم أو العدم لوجود المقتضي لصحة البيع وهو العقد ، فعلى الأول يفتقر إلى الضميمة ، وعلى الثاني لا يفتقر ، ويكون في ضمان البائع إلى أن يسلمه أو يسقط عنه ونحوه قال : في القواعد.

وقال الشهيد في الدروس : ولو باع بعيرا شاردا أو ضالا بطل ، ولو باع الآبق منفردا لم يصح ، وفي اللمعة أما الضال والمجحود فيصح‌

٤٠٠