جواهر الكلام - ج ٢٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الجهل هو الوجه ، قلت : قد يتجه البطلان فيها مع الجهل أيضا إذا فرض قصد مقابلتها بالثمن أيضا ، لعدم حصول العلم ولو بالتقسيط ، ضرورة عدم السبيل إلى معرفة ما يخصها منه ، فبان من ذلك كله أن الحكم هنا كالحكم في المسألة السابقة حتى في التقسيط أيضا ، لاتحادهما في المدرك ، ويرجع في قيمة الخمر ونحوه عند مستحليه ، ومن كان بحكمهم من عصاة المسلمين ، لا بمعنى قبول قولهم فيه ، لمعلومية اشتراط العدالة في المقوم ، بل المراد ملاحظة قيمته عندهم ولو بشهادة عدلين مطلعين على ذلك ، نعم يمكن الاكتفاء بإخبار جماعة منهم على وجه يحصل العلم بكون قيمته كذلك عندهم ، أو الظن الغالب الذي هو في العادة كالعلم في ترتب نحو ذلك ، أما تقويم الحر فهو يفرضه مملوكا بصفاته التي هي فيه ، ولها مدخلية بالقيمة ويلحظ التقسيط بعد ذلك على النحو الذي عرفته ، ومن ذلك يظهر لك ما في المحكي عن عميد الدين من أنه يقوم الخمر عند مستحليه بانفراده ، وتقوم الشاة عند عدول المسلمين ، اللهم إلا أن يحمل على ما قلناه ، وكذا يظهر ما في المحكي عن حواشي الشهيد قال : أن التقويم في الحر والعبد بين ، وفي الباقيين تفصيل ، وهو أنه إن تساوت قيمة الخل المنضم إلى الخمر والشاة المنضمة إلى الخنزير عند الملتين قوما معا عند أهل الذمة ، وإن كان الخل أرفع قيمة عند المسلمين ، فالظاهر التقويم منفردين لاشتمال الاجتماع على غبن البائع أو امتناع التقويم لأنه إن كان عند أهل الذمة لزم الأول ، وإن كان عند المسلمين فالثاني ، ولقد أجاد في جامع المقاصد حيث قال : بعد نقله ليس لهذا الكلام كثير محصل ، لأن الأصل في التقويم اعتباره عند المسلمين ، لأن الحكم إنما هو لأهل الإسلام ، فما دام يمكن ذلك وجب المصير إليه ولا يعدل عنه الا عند التعذر ، وهو فيما يملك ممكن فتعين اعتباره‌

٣٢١

ولا اعتبار بالتساوي وعدمه أما ما لا يملك فلا بد من الرجوع في تقويمه إلى من يرى له قيمة من غير المسلمين ، للضرورة فيقتصر على محلها ولا يقبل قول الكافر في التقويم لاشتراط العدالة فيه ، بل يرجع في ذلك إلى قول العدل كالذي أسلم عن كفر أو المسلم المجاور للكفار ، وقول المصنف عند مستحليه لا ينافي ذلك ، لانه ضرب القيمة فيه لا التقويم وهو راجع إلى ما ذكر والأمر سهل.

ولكن ينبغي أن يعلم أنه قد ذكر ثاني المحققين أيضا والشهيدين أن الرجوع بالثمن على حسب التقسيط بعد إقباضه للبائع إنما هو مع جهل المشتري ، وإلا لم يرجع به مطلقا أو مع تلف العين ، على حسب ما سمعته في المغصوب ، وجعلا ذلك إشكالا على إطلاق الأصحاب ، وفيه أولا أن المراد هنا بيان كون الحكم على التقسيط بالنحو المزبور على الاجمال ، وثانيا أنه يمكن منع جريان الحكم المزبور هنا لما عرفته من مخالفته للقواعد ، فيقتصر فيه على محل الإجماع كما أومأنا إليه سابقا ، والله اعلم هذا كله في تصرف المالك والفضولي.

وأما الأب والجد للأب وإن علا لا للام ولو أم الأب على الأصح الذين قد عرفت أن لهما أن يبيعا عن المالك فلا خلاف في أنه يمضي تصرفهما المقرون بالمصلحة أو عدم المفسدة على اختلاف القولين في مال الطفل ، بل وفي غير المال ما دام الولد ذكرا أو أنثى غير رشيد لصغر من شانه ذلك أو سفه أو جنون ولو متصلا بالبلوغ ، لكونهما وليين له في هذا الحال وإنما تنقطع ولايتهما عنه بثبوت البلوغ والرشد بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص المستفيضة أو المتواترة (١) وإن كان‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٨ و ٧٩ من أبواب ما يكتسب به وباب ١٥ من أبواب عقد البيع وشروطه وباب ٨٨ من أبواب أحكام الوصايا وغيرها.

٣٢٢

أكثرها أو جميعها في الأب لكن يمكن إرادة ما يشمل الجد منه هنا ، ولو للقرينة على أن في الإجماع المزبور كفاية ، نعم لو حصل نقص بعد ذلك بجنون أو سفه لم تعد ولايتهما ، بل كانت للحاكم ، للأصل المعتضد بإطلاق ما دل عليها بخلاف المتصلين ، فإن الأصل يقضي ببقائها وهو مع اعتضاده بما يظهر من قوله ( فَإِنْ آنَسْتُمْ ) إلى آخره (١) من استمرار الولاية لمن كان إذا لم يستأنس ، وبإطلاق ما دل على ولاية الأب مخصص أو مقيد لما دل على ولاية الحاكم الذي هو بعد الإغضاء عما ذكرنا معارض ، لما دل على ولاية الأب من وجه ، ولا ريب في أن الترجيح له ، ولو للأصل والشهرة أو الإجماع ، كما أن الترجيح لما دل على ولاية الحاكم في صورة التجدد بذلك أيضا ، ومن ذلك يظهر لك ما في شرح الأستاد من أنه لو عاد النقص بالجنون عادت ولايتهما على الأقوى ، ثم قال : وفي عودها بعود نقص السفه وجهان ، أقواهما العدم ، لكن ستسمع في كتاب الطلاق إنشاء الله تعالى إطلاق بعض النص والفتوى ثبوت ولايتهما في الطلاق ، ولو مع التجدد (٢) نعم لو نقص الوليان بجنون ونحوه ثم كملا عادت الولاية لتناول الإطلاقات حينئذ ، ولو كان أحدهما كافرا والولد بحكم المسلم بتبعيته لأحدهما ، فالظاهر عدم ولايته لأنها سبيل للكافر على المسلم ، و ( لَنْ يَجْعَلَ اللهُ ) له (٣) نعم لو أسلم ثبتت له الولاية ولا يعتبر فيهما العدالة ، للإطلاق نعم قد يقال باعتبار عدم العلم بخيانتهما ، وإلا انعزلا والله اعلم ، وربما يأتي لذلك تتمة في محله كما أنه يأتي تمام الكلام في غيره من مباحث‌

__________________

(١) سورة النساء الآية ٦.

(٢) الوسائل الباب ٣٤ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٣) سورة النساء الآية ١٤١.

٣٢٣

المقام ، وإنما المراد بيان كيفية الولاية في الجملة.

وكيف كان فـ ( يجوز لهما أن يتوليا طرفي العقد ) كما يجوز لهما تولي أحد طرفيه فيجوز أن يبيع كل منهما عن ولده من غيره وعن نفسه من ولده وعن ولده من نفسه بلا خلاف محقق أو معتد به أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى السيرة ونصوص تقويم جاريته عليه (١) واقتراض ماله (٢) وغيرهما وإلى عمومات العقود جنسا ونوعا ، وإطلاق ما دل على ولايته الشامل لذلك ، والحيثية مع المغايرة الاعتبارية كافية في تحقق الفعل والانفعال والفاعلية والقابلية والتضايف ، فلا إشكال في المقام حينئذ من هذه الجهة حتى يحتاج في مراعاتها إلى الوكالة عنه ، أو المولى عليه التي ترجع في الحقيقة إليه أيضا ، كما لا إشكال في شمول الولاية لذلك ، وعدم اختصاصها بالعقد مع الغير كما هو واضح.

وأما الوكيل فـ ( يمضي تصرفه على الموكل ما دام الموكل حيا جائز التصرف ) بلا خلاف ولا إشكال لإطلاق ما دل عليه بخلاف ما لو مات فإنه تنقطع إذنه بذلك وإن لم يبلغه الخبر إلا بعد التصرف ضرورة بطلانها في الواقع والصحة مع العزل إذا لم يبلغه إنما هو للدليل القاضي بعدم بطلانها بذلك حتى يبلغه الخبر (٣) ، فموته حينئذ كموت الوكيل مبطل لها ، ولا ينتقل حكمها إلى وارث كل منهما كما هو واضح ، مضافا إلى ما عن الغنية من الإجماع عليه ، وفي‌ المرسل (٤) « في الوكيل على العقد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٩ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٥ و ٦.

(٣) الوسائل الباب ١ و ٢ من أبواب الوكالة الحديث ١ و ٢.

(٤) الوسائل الباب ٥٨ من أبواب المهور الحديث ١٦.

٣٢٤

ثم مات الموكل فقال : إن كان أي الوكيل أملك بعد ما توفي فليس لها صداق ولا ميراث ، وإن كان أملك قبل أن يتوفى فلها نصف الصداق وهي وارثة وعليها العدة » إلى آخره وكذا لو خرج الموكل عن جواز التصرف بجنون أو إغماء في بطلان الوكالة بها ، بل في المسالك أن بطلانها بذلك من كل واحد منهما موضع وفاق ، بل فيها أيضا أنه لا فرق عندنا بين طول زمان الإغماء وقصره ، ولا بين الجنون المطبق والأدوار ، وكذا لا فرق بين أن يعلم الموكل بعروض المبطل وعدمه ، بل عن التذكرة الإجماع على ذلك ، مضافا إلى وضوح الوجه فيه بالنسبة إلى الوكالة وما شابهها من العقود الجائزة التي من المعلوم أن المقتضي لصحة ما يترتب عليها من الآثار حصول الإذن الذي يصدق كون التصرف مصاحبا لها ، مع فرض عدم مثل هذه الموانع أما معه فلا ريب في عدم الإذن المعتبرة ، لكون المفروض خروجه عن القابلية ، وكذا في الوكيل الذي صحح تصرفه رضاه بإيقاع متعلق الاذن ، فمع فرض خروجه عن قابلية الرضا بل والاذن له بأحدهما لم تبق وكالته.

ومن ذلك يظهر لك أن السكر ونحوه مما يزيل العقل مثلهما في الحكم المزبور ، بخلاف النوم الذي هو بسبب اعتياده صار كالسهو والنسيان لا يبطل به شي‌ء من العقود الجائزة ، بل ولا الإباحات بشي‌ء منها ، أما الجنون والإغماء ونحوهما مما لم يكن معتادا لنوع الإنسان ، فلا ريب في البطلان بها ، من غير فرق بين عروضها للأصل أو لفرعه ، نعم في المسالك ويجي‌ء على احتمال جواز تصرفه مع رده ، ومع بطلان الوكالة بتعليقها على شرط جواز تصرفه هنا بعد زوال المانع بالاذن العام ، وفيه بعد الإحاطة بما ذكرنا أنه يمكن الفرق بينهما بل هو واضح مع فرض المانع في الأصيل ، الذي لا ريب بارتفاع الاذن العامة تبعا لارتفاع‌

٣٢٥

القابلية ، بل والوكيل أيضا لخروجه بذلك عن قابلية الإذن له ، فلم يبق إذن عام كي يعود بخلاف ما ذكره مثالا.

ومن ذلك يظهر لك ما في شرح الأستاد أيضا قال : إن في عود الوكالة والوصاية أي بعود الكمال وجهين مبنيين على أن العقود هل فيها عموم للازمان فيستثنى منها ما علم إخراجه ويبقى الباقي ، أو هي متعلقة بزمان الوقوع وينجر الحكم بالاستصحاب ، فإذا انقطع استصحب انقطاعه حتى يقوم الدليل على عوده ، ظاهرهم اختيار الأخير ، ونقل الإجماع فيه ، ولولاه أشكل الحكم ، حيث أنهم حكموا بعود الوكالة بعد انقضاء الإحرام المانع من مضيها في النكاح ، ويجرى مثله في الاعتكاف المانع من البيع ، وفيما إذا خص العزل بوقت معين ، وفي الخيانة والتفريط من غير الولي القهري ، يقوى عدم العود بالتوبة ومثله ما لو وكل على بيع مسلم أو مصحف فارتد عن ملة وتاب ، أو أذن لزوجته أو عبده أو شريكه فزالت الصفة ثم عادت ، وكذا لو انتقل عن المالك بعقد لازم أو جائز في عين أو منفعة ثم عاد إليه ، أو زوجت نفسها ثم عادت خلية ، أو كان وصيا لأحد الأبوين ، يمضي تصرفه لنقص الأخر ثم كمل ثم نقص ، وفي الجميع بحث ، والاحتياط في أموال الناس يقضي بالعدم.

إذ لا يخفى عليك أيضا إمكان الفرق بين مفروض البحث ، وبين جميع ما ذكره مما لم ترتفع معه قابلية الاذن وإن منع العمل بمقتضاها مانع شرعي كالإحرام والاعتكاف ، وربما يأتي لذلك في محله تتمة إنشاء الله كما أنه يأتي الكلام في باقي موانع جواز التصرف كالسفه والفلس الذين لا ريب في عدم بطلان الوكالة بعروضهما للوكيل ، خصوصا الأخير بل والأول أيضا مع فرض عدم ظهور التوكيل من حيث‌

٣٢٦

صفة الرشد ، وعدم وقوع تصرف منه فيما وكل فيه على مقتضى السفه في ماله ، بل وكذا لا يبطلانها لو عرضا للموكل إذا لم تكن في المال الذي قد حصل الحجر فيه عليه ، فتأمل ، وحينئذ فمراد المتن بجواز التصرف خصوص الجنون والإغماء كما هو ظاهر القواعد وغيرها والله أعلم.

وكيف كان فـ ( هل يجوز له ) أي للوكيل من حيث كونه وكيلا مع قطع النظر عن عبارات التوكيل المقتضية ، ولو بالقرائن الحالية أو المقالية ذلك أو عدمه أن يتولى طرفي العقد قيل والقائل أبو الصلاح والفاضل في جملة من كتبه وولده في الإيضاح والشهيد في حواشيه واللمعة على ما حكي عن بعضهم نعم له ذلك ، سواء أعلم الموكل بذلك أو لا وقيل والقائل أبو على والشيخ في النهاية والخلاف وموضع من المبسوط وابن إدريس في السرائر على ما حكي عن بعضها لا يجوز له ذلك وإن أعلمه ، بل عن غاية المراد نسبته إلى كثير من أصحابنا وإن كنا لم نتحققه وقيل والقائل جماعة ان أعلم الموكل جاز وإلا لم يجز ، بل ربما نسب إلى ظاهر أكثر المتأخرين بل عن التذكرة أنه المشهور وهو الأشبه عند المصنف بأصول المذهب وقواعده المقتضية عدم نقل المال مثلا عن مالكه وحينئذ فإن أوقع قبل إعلامه وقف على الإجازة لعدم تناول التوكيل له ، بل لعله ظاهر في البيع من غيره ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في الصحيح أو الحسن (١) « إذا قال : لك الرجل اشتر لي فلا تعطه من عندك وإن كان الذي عندك خيرا منه » وموثق إسحاق بن عمار (٢) « سألت‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب آداب التجارة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٥ من أبواب آداب التجارة الحديث ٢.

٣٢٧

أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول له ابتع لي ثوبا فيطلب له في السوق فيكون عنده ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده ، فقال : لا يقربن هذا ولا يدنس نفسه ، إن الله عز وجل يقول (١) ( إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) وإن كان ما عنده خيرا مما يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده » والرضوي (٢) « وإذا سألك رجل شراء ثوب فلا تعطه من عندك ولو كان الذي عندك أجود مما عند غيرك » مضافا إلى ما سمعته من النص وغيره في مسألة دفع المال لشخص ليصرفه في محاويج وكان منهم (٣) الا أن الجميع كما ترى ، خصوصا بعد الإحاطة بما قدمناه في مسألة الأمر بتفريق المال فان منه يظهر عدم اقتضاء نفس الوكالة إخراج هذا الفرد من مسمى متعلقها بعد تناول له لكونه بيعا وشراء مثلا قطعا ، بل هو المفروض ، والوكالة التي هي ليست إلا استنابة في التصرف لا تقتضي إرادة غير هذا الفرد ، ولا تصلح للتقييد ولا للتخصيص.

نعم ربما ينساق إلى الذهن غيره لكنه ليس انسياقا على وجه لا يراد الفرد الآخر ، بل هو من انسياق أفراد المشكك أو شبهه مما لا يقتضي الاختصاص ، كما لا يخفى على من اعطى النظر حقه في انتقاد أفراد الظهور ، والصحيح المزبور بعد تسليم صحته مع أنه في خصوص عبارة اشتر لي ، فهو أخص من المدعى ، بل ربما التزم ما فيه في خصوص ذلك‌

__________________

(١) سورة الأحزاب الآية ٧٢.

(٢) المستدرك ج ٢ ص ٤٦٤.

(٣) الوسائل الباب ٨٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٣.

٣٢٨

لظهوره في إرادة الشراء من غيره ، أو لعدم ظهوره في الأعم منه والنفس فيبقى على الأصل محتمل لإرادة الإرشاد من النهي فيه باعتبار تطرق التهمة إلى ذلك ، كما أومى إليه في‌ موثق إسحاق بقوله لا يدنس نفسه‌ خصوصا بعد عدم الطمأنينة من النفس الامارة بالسوء التي قد تدلس على الحس فتريه الشي‌ء حسنا ومصلحة وليس كذلك ، وخصوصا بعد شدة التأكيد في الكتاب والسنة في أمر الأمانة ، وأنه ينبغي كمال الاحتياط في التجنب عما يشبه خيانتها ، كما أومى إليه أيضا في موثق إسحاق المزبور ، والرضوي محتمل أيضا لما عرفت ، مع أنا لم نتحقق نسبته ، والخبر في الأمر بتفريق المال معارض بالخبر الآخر فيه (١) الدال على الجواز ، المعتضد بما سمعته سابقا ، وتسمعه أيضا مما‌ ورد في « أن للموصي ان يحج عمن أوصاه » (٢) مع أن الوصي وكيل في المعنى ، بل لا يتصور فرق بينهما بالنسبة إلى العبارة ، بل قد يؤيده أيضا في الجملة ما سمعته في الولي الإجباري.

ومن ذلك يظهر لك ما في شرح الأستاد من الاستدلال بالانصراف إلى المغايرة الحقيقية لأنها الفرد الشائع ، وبأن غرض الموكل مما كستة الوكيل ، مع أن الشرع حاكم بها عليه ، وهي ممتنعة من الوكلاء بعيدة مع النفس الأمارة عادة ، والحاصل أن المتكلم والمخاطب لا يدخلان في متعلق الخطاب إلا مع القرينة ، ولا يرد الولي لخروجه بالإجماع ، وفي الشك في الدخول تحت الإطلاق كفاية ، فلا يسوغ ذلك ، إذ قد عرفت عدم الشيوع على وجه يقتضي الاقتصار عليه ، والمماكسة المحكوم بها من الشرع إنما تراد لمصلحة الزيادة والنقصان التي قد تفرض في هذا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل الباب ٣٦ من أبواب النيابة في الحج الحديث ٤.

٣٢٩

الفرد ، خصوصا بعد استعمالها في غيره مما هو أدنى منه ، والفرض القطع بالمساواة للغير أو كونه أصلح ، ولو بإعراضه على الغير تخلصا من السوء الذي تأمر به النفس ، وقد عرفت أن محل البحث في اقتضاء الوكالة المغايرة وعدمه ، فلا مدخلية لمسألة اندراج المتكلم والمخاطب في متعلق الخطاب لو سلمت له ، ودعوى الشك ممنوعة ، والإجماع على الجواز في الولي لا ينافي الاستدلال بفحواه.

وقد ظهر بذلك أن القول الأول هو الأقوى ، ضرورة أنه مما ذكرنا ظهر لك ضعف القول الثاني ، الذي لا مستند له يختص به عن الثالث في صورة الاعلام الاشتراط تعدد الموجب والقابل ، وأنه لا تكفي الحيثية والمغايرة الاعتبارية ، للشك في إرادة ما يشمل ذلك من العقد أو لظهوره باعتبار ما سمعت في المتعدد ، خصوصا بعد‌ موثق عمار (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المرأة تكون في أهل بيت وتكره أن يعلم بها أهل بيتها أيحل لها أن توكل رجلا يريد أن يتزوجها تقول له وكلتك فاشهد على تزويجي؟ قال : لا قلت جعلت فداك وإن كانت آيسا؟ قال : وإن كانت آيسا ، قلت : له فان وكلت غيره يزوجها؟ قال : نعم » بناء على أن المنع فيه ليس إلا لتولي الطرفين ، ولأن شرط اللزوم التفرق وهو لا يحصل بين الشي‌ء ونفسه ، وفي الجميع ما عرفت من منع عدم تناول العقود له جنسا ونوعا ، بل هو من افرادها الشائعة التي جرت عادة الناس عليها ، كما يومي إليه ما سمعته في الأب والجد (٢) مضافا إلى شهرة القول به نقلا وتحصيلا ، بل الإجماع المنقول ظاهرا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد الحديث.

(٢) الوسائل الباب ٧٨ و ٧٩ من أبواب ما يكتسب به وباب ٦ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.

٣٣٠

عليه ، والموثق المزبور مع أنه في التزويج وقاصر عن معارضة غيره من وجوه ، يمكن منع كون الداعي فيه ذلك إذ لعل الداعي فيه وصمة التواطي والمواعدة سرا ونحوهما ، مما هو منبع الفتن ومثارها ، باعتبار تعلقه في الاعراض التي لا ترضى النفوس بأمثال ذلك فيها ، وعدم حصول اللزوم لعدم حصول شرطه لا يقتضي عدم الصحة ، مع أنه يمكن أن يقال به لأصالة اللزوم بعد تخصيص ما دل على الجواز مع عدم التفرق بالمتعدد ، مضافا إلى ما عن الخلاف من الجواب عنه باللزوم من دون تفرق ، بل بأن يقول بعد العقد أجزت هذا البيع ، وأمضيته أو بأن يقوم من مقامه فيكون بمنزلة افتراق المتبايعين ، وعلى كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور أيضا وإن كان هو أحوط ، إلا أن الأول أقوى منه ومن القول الآخر ، دونه في القوة الثالث ، والله اعلم‌

واما الوصي الذي هو أحد الأولياء فـ ( لا يمضي تصرفه إلا بعد الوفاة ) ضرورة اشتراط ولايته بذلك كاشتراط ولايته على الصغير والمجنون والسفيه المتصل جنونهما وسفههما به بعدم الأب والجد وإن كان هو وصيا لأحدهما وفي المتن وغيره أن التردد في تولية طرفي العقد كالوكيل الذي قد عرفت البحث فيه ، بل هو أولى منه باعتبار كونه وليا ، وما ورد من أن له أن يحج عن الموصى في صورة (١) ومن هنا ربما قيل بجوازه للوصي دون الوكيل وهو الذي أشار إليه المصنف بلفظ القيل وكذلك الحكم في غيره من الأولياء حتى المحتسبين لوجود المقتضي وعدم المانع ، مضافا إلى ما ورد من أن علي ابن الحسين عليه‌السلام كان يقترض من مال أطفال كانت تحت يده (٢)

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من أبواب النيابة في الحج الحديث ٤١.

(٢) الوسائل الباب ٧٦ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١٠.

٣٣١

بل لعلهم أولى من الوصي بذلك لبعدهم عن الوكالة ، بخلاف الوصاية وإن كان الأقوى فيه أيضا ذلك من غير فرق بين الاعلام وغيره.

وحينئذ ففي محله ما قيل من أنه يجوز للوصي أن يقوم على نفسه بأن يدخله في ملكه بالقيمة ببيع أو صلح أو نحوهما متوليا هو للإيجاب والقبول وإن يقترض إذا كان مليا ووضع مع ذلك رهنا ، وأشهد أو اقتصر عليهما لعدم الفائدة في الملاءة بعد فرض الرهانة ، أو الضامن الوفي الملي على اختلاف كلماتهم فيما يأتي ، وعلى كل حال إنما للوصي ذلك ، مع فرض حصول المصلحة للموصى عليه بذلك ، لأنها شرط جواز تصرف من له الولاية كما صرح به الفاضل في القواعد ، بل في مفتاح الكرامة وشرح الأستاد أن ظاهرهم الإجماع ، وإن كان فيه ما فيه ، خصوصا بالنسبة إلى الأبوين فإن النصوص واضحة الدلالة في جواز الاقتراض لهما ، والمعاملة وتقويم الجارية ونحو ذلك من غير اعتبارها (١) ، ولذلك اكتفى الأستاد في شرحه فيهما بعدم المفسدة ، بل قال : وكذا مطلق الأولياء في الاقتراض مع الملأة ، ولعله لما دل على الاقتراض في الوصي وغيره ، الظاهر في عدم المصلحة بذلك ، اللهم إلا أن تكون أخروية أو يخشى عليه من التلف مع بقاء العين أو نحو ذلك مما يوافق قوله تعالى (٢) ( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) وغيره مما يدل على ذلك ، نعم قد يفهم في خصوص الأبوين التوسعة لهما مع أن الأحوط فيهما وفي غيرهما مراعاة المصلحة ، كما اعترف به الأستاد في شرحه حيث أنه بعد أن‌

__________________

(١) سورة الأنعام الآية ١٥٢.

(٢) الوسائل الباب ٧٨ وباب ٧٩ من أبواب ما يكتسب به.

٣٣٢

ذكر الاكتفاء بعدم المفسدة ، قال : والاقتصار على ما ذكره الفقهاء وتنزيل الروايات أوفق في النظر ، وأسلم من الخطر ، وتمام التحقيق في هذه المسائل مضى شطر منه ، ويأتي الباقي في محله.

وأما الحاكم وامينه منصوبا خاصا أو عاما بان يكون مجتهدا مطلقا مع فقدهما ، بل في شرح الأستاد أو عدلا محتسبا مع فقدهم أو وكيلا لأحدهم أو فاسقا مع تعذر العدل ، فلا يليان إلا على المحجور عليه ، لصغر ولا ولي له من أب أو جد أو وصي أو سفه أو جنون كذلك كما لو كان متجددا بعد البلوغ أو فلس كذلك أيضا بمعنى أنه فلس غير مولى عليه وإلا كانت الولاية في ماله لوليه أيضا ، كما عن حواشي الشهيد التصريح به قال : إن الصغير المفلس امره إلى الأب ، لأن قيد الفلس يلغى وكان مراده بلغوه كونه محجرا عليه بدونه ، وفيه أنه يمكن أن تكون ثمرته منع وليه التصرف في غير قضاء ديونه ، واحتمال منع وليه التصرف مطلقا فتنتقل الولاية حينئذ للحاكم يبعده إطلاق الولاية نصا وفتوى ، اللهم إلا أن يدعي انسياق غير ذلك منه ، ولكن قد يعارض بانسياق غيره أيضا من المفلس الذي وليه الحاكم ، فينقدح الشك حينئذ في اندراجه في كل منهما ولعل الرجوع حينئذ إلى استصحاب الولاية أولى من دعوى اندراجه في عموم ولاية الحاكم الذي مرجعه إلى أصالة ولايته.

وعلى كل حال فهما لا يليان الا على ما عرفت ، أو على حكم على غائب غيبة يحصل بانتظارها بعض المضار ، فيبيعان ماله في نفقة مثلا ، أو لحفظه أو لنحو ذلك ، وكذا لا يليان السكران والمغمى عليه والأمور العامة المتعلقة ، بالزكوات والأخماس ونحوها ، وفي شرح الأستاد أنهما يليان أيضا كل ممتنع أو عاجز عن عقد أو إيقاع‌

٣٣٣

أو تسليم حق مخلوقي ، وفي الحقوق الإلهية كالنذر والعهد واليمين وجه ثم قال : ومع التعذر يقوم عدول المسلمين مقامهما ، ومع تعذرهم يجب على المسلمين المكلفين مطلقا القيام به ، كفاية لدفع الضرر ولانه من المصالح العامة ، قلت : بل لا يمكن استقصاء أفراد ولاية الحاكم وأمينه لأن التحقيق عمومها في كل ما احتيج فيه إلى ولاية في مال أو غيره ، إذ هو ولي من لا ولي له ، ولهما تولية طرفي العقد في الاقتراض وغيره من التصرفات التي فيها المصلحة أو لا مفسدة فيها ، ولتفصيل الحال فيها بل وفي غيرها من الولايات مقام آخر.

وكيف كان فمن الشروط المتعلقة بالمتعاقدين أيضا ان يكون المشتري مسلما إذا ابتاع عبدا مسلما على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، بل لم أتحقق الخلاف فيه صريحا ، وإن أرسله المصنف تبعا للمحكي عن المبسوط بقوله وقيل يجوز ولو كان كافرا ولكن يجبر على بيعه من مسلم وعلى كل حال فالأول أشبه للأصل السالم عن معارضة العمومات بعد اختصاصها في غيره ، بالإجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة وفحوى‌ خبر حماد (١) المنجبر بهما « ان أمير المؤمنين عليه‌السلام أتي بعبد أسلم فقال : اذهبوا فبيعوه على المسلمين وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ولا تقروه عنده » وما دل على إعزاز المسلم وتعظيمه وعدم إهانته‌ « وأن الإسلام يعلوا ولا يعلى عليه » (٢) ونحو ذلك مما أشير إليه بقوله تعالى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٨ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب موانع الإرث الحديث ١١.

٣٣٤

( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (١) الذي هو معظم عمدة دليل الأصحاب على ذلك ، باعتبار اقتضاء البيع تمليكا للكافر وهو سبيل ، وقد نفى الله تعالى شأنه السبيل له عليه ، وهو وإن كان بينه وبين ما دل على مشروعيته البيع مثلا ، العموم من وجه إلا أنه لا ريب في رجحانه عليه بما عرفت ، فيتجه حينئذ تخصيصه به.

واحتمال الجميع بينهما بصحة البيع ، ولكن يجبر على بيعه ، بل لعل مثل هذا التمليك الذي يجبر مالكه على رفعه عنه ، ولا يقر عنده ويفرق بينه وبينه ليس سبيلا ، ولذا اكتفى به في رفع السبيل في استدامة الملك كما لو أسلم العبد في يده أو حصوله بالإرث ، يدفعه أولا منع عدم صدق السبيل عليه بذلك بعد ثبوت الملك الذي هو بمعنى السلطنة على المملوك ، على أنه قد لا يتمكن من الجبر على البيع ، وربما لم يحصل راغب في شرائه أو يمنع مانع. وثانيا منع صحة مثل هذا البيع الذي لم يترتب عليه سوى اسم الملك من دون ترتب أكثر لوازمه مع أن معناه نقل سلطنة البائع للمشتري فشرائه حينئذ أشبه بشراء ما لا منفعة له فيه ، ونحوه مما يكون كالسفه أو مناف لمعظم المقصود بالبيع وبذلك افترق عن الملك المستدام الذي كان مقتضى الاستصحاب بقاؤه والموروث الذي أدلته في غاية القوة ، ولم يعتبر فيهما ما يعتبر في المعاملات الاختيارية ، من كونها جارية مجرى أفعال العقلاء ومقاصدهم على وجه لا تعد سفها ، ولذا لم يجز بيع ما لا منفعة فيه وما حرمت منافعه الغالبة ونحو ذلك ، إلا أنه باعتبار عموم نفي السبيل عنه الشامل لذلك ، مضافا إلى خبر حماد لم يكن مناص حينئذ في رفع السبيل عنه فيه ، إلا بالجبر على بيعه مع وجود الراغب ، والحيلولة بينه وبينه مع‌

__________________

(١) سورة النساء الآية ١٤١.

٣٣٥

عدمه ، كما صرح به بعضهم بل عن جامع المقاصد الإجماع ، وقد سمعت النهي عن الإقرار في يده في الخبر المزبور ، وكل ذلك مراعاة للجميع بين الحقين والدليلين.

وبذلك ونحوه اتضح الفرق بينهما كما يومي إليه في الجملة ثبوت الملك بهما للمحرم في الصيد دون الابتداء كما أنه اتضح وجه الاستدلال بالآية المزبورة في المقام ، والمناقشة فيها بأن المراد من السبيل فيها الحجة كما ورد في‌ تفسيرها (١) لما قيل له عليه‌السلام عن بعض الناس أنهم يقولون أن الحسين عليه من الله السلام لم يقتل وإنما شبه لهم ، محتجا بهذه الآية كذبوا وقد كذبوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث أخبر بقتله ، إلى أن قال : وأن معنى الآية لن يجعل الله لكافر على مؤمن حجة ولقد أخبر الله تعالى عن كفار قتلوا نبيين بغير حق ، ومع قتلهم إياهم لم يجعل لهم على أنبيائه سبيلا من طريق الحجة » فلا يتم حينئذ الاستدلال بها على أنه لو أريد منه ما يدعونه من الملك والدخول تحت الأمر ، لا متنقض في ذلك بما أوجبه الله تعالى على أئمة العدل من الانقياد إلى أئمة الجور ، وربما أوقعوه بالأنبياء والأئمة صلوات الله وسلامه عليهم من القتل ، فضلا عن غيره يدفعها ، صحة الاستدلال بها على هذا التقدير ، ضرورة كون الدخول في الملك أعظم حجة له عليه ، وجوب الانقياد المزبور دفعا لظلمهم ، ليس سبيلا من الله لهم عليهم ، كالتسلط على قتلهم وعلى ما فعلوه بهم كما هو واضح.

نعم لو قيل بكون المراد من الآية لن يجعل الله لليهود على المؤمنين نصرا ولا ظهورا كما عن بعضهم أو ان المراد منها انه لا حجة في‌

__________________

(١) عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ج ٢ ص ٢٠٣ الطبع الحديث.

٣٣٦

الآخرة للكافر على المسلم ، كما يومي إليه قوله تعالى (١) ( فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) أمكن بطلان الاستدلال بها حينئذ ، على أنه قد يقال بإمكان الاستدلال بها على التقدير الثاني أيضا ، اللهم إلا أن يراد نفي الحجة من حيث الإسلام والكفر ، وعلى كل حال فهذه الاحتمالات لا تمنع الاستدلال بالظاهر ، مضافا إلى ما عرفت من عدم انحصار الاستدلال بها على عدم جواز إدخاله في ملكه اختيارا ، نعم قد صرح الشهيدان وغيرهما باختصاص ذلك فيه ، أما دخوله بالإرث من كافر أو بقاؤه على الملك ، كما لو أسلم وهو في يده ، فلا ، للأصل في الثاني وقوة دليل الإرث في الأول ، مضافا إلى ما عن جامع المقاصد من الإجماع عليه في الأول ، وظاهر نفي الخلاف فيه في الثاني عن التذكرة ، ولكن يجبر على بيعه من الراغب ، ومع عدمه يحال بينه وبينه إلى أن يوجد ، لعموم نفي السبيل الذي لا منافاة بين تخصيصه بالابتداء ، ووجوب إزالته عنه ، لعدم التمليك بسبب من الأسباب الاختيارية ، ولفحوى خبر حماد المزبور (٢) ولغير ذلك مما يقتضي الحكم المذكور ، وإن كان كسبه له في هذ ، المدة أي إلى أن يباع ، لكونه مملوكا له فيها ونفقته عليه ، وربما احتمل عدم الملك له أيضا فيها ، وإنما له تعلق بأخذ ثمنه خاصة لكنه كما ترى هذا.

والمراد بالمسلم من وصف الإسلام وهو الإقرار بالشهادتين ولم يصدر منه ما يقتضي الكفر ، ويلحق به من هو في حكمه ممن ستعرف. لكن في المسالك يمكن أن يراد به من حكم بإسلامه ظاهرا ، لأن ذلك هو المتبادر فيدخل فرق المسلمين المحكوم بكفرهم كالخوارج والنواصب لعنهم الله ، وفيه أن المحكوم بكفره داخل في الكفار ، فتجري عليه أحكامهم‌

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١١٣.

(٢) الوسائل الباب ٢٨ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

٣٣٧

من النجاسة وغيرها ، ودعوى كون ذلك من الأحكام الخفية واضحة المنع ثم أن ظاهر النص كتابا وسنة ، عدم اعتبار الايمان بالمعنى الأخص في تملك المؤمن كذلك ، لكن في شرح الأستاد بعد الاعتراف بذلك انه لا يبعد اشتراطه في الإماء ، لظاهر بعض النصوص ولعله أشار بذلك إلى ما في النكاح من عدم جواز تزويج المخالف المؤمنة مخافة على دينها فلا يكون كفوا لها (١) ولكنه كما ترى ، لا يصلح بمجرد ذلك للخروج عن مقتضى العمومات جنسا ونوعا ، وإن كان الاحتياط مع إمكانه لا ينبغي تركه ، هذا.

وقد الحق الفاضل ومن تأخر عنه بالعبد المسلم المصحف وهو ظاهر المصنف في كتاب الجهاد بل في المسالك والروضة التصريح بذلك في أبعاضه أيضا ، بل في شرح الأستاد أنه يقوى لحوق الاضطرار والاستدامة هنا ، كما أن فيه الجزم أيضا بعدم الفرق بين الجملة والأبعاض المنفصلة والمتصلة مما لا يغلب عليه اسمه وفي الغالب إشكال ، وبين منسوخ الحكم وعدمه ، نعم في منسوخ التلاوة بحث ، وفيه أيضا أن في إلحاق المكتوب بخط العربي أو بالحفر أو الرقم أو البصم أو بالعكس أو الحروف المقطعة أو فرج البياض ونحوها قوة ، بل ربما حكي عن ثاني المحققين أن كتب الحديث والفقه في حكم المصحف ، لكن عن الفاضل ان في كتب الحديث النبوية وجهين ، بل عن فخر الإسلام جواز بيع الأحاديث النبوية على الكافر ، وفي المتن في كتاب الجهاد بعد أن حكى القول بالجواز على كراهة ، قال : وهو أشبه ، وفيه أنه مناف للدليل المشترك بين الجميع ، وهو وجوب التعظيم وحرمة الإهانة وأن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه الحديث ٣ و ٤ و ٥.

٣٣٨

ملك الكافر للمحترم مناف لذلك كما يومي إليه ما تقدم من عدم تملكه للعبد المسلم الذي ما نحن فيه أولى منه من وجوه ، بل الإهانة للمصحف مثلا إهانة لنفس الإسلام.

ومن هنا قال في شرح الأستاد : أنه يقوى إلحاق كتب الحديث والتفسير والمزارات والخطب والمواعظ والدعوات والتربة الحسينية وتراب الضرائح المقدسة ورضاض الصناديق الشريفة وثوب الكعبة ، بل قال : وأما بيع الأرض الشريفة وما يصنع منها من آجر أو خزف وبيع الآلات والقرطاس من الكتب المحترمة بعد ذهاب الصورة ففيه وجهان بل قال : وفي نفوذ العقد في الآلات أي لو بيع المصحف وثبوت خيار التبعيض كما لو بيع القرآن مع غيره وجهان ، أقواهما العدم ، نعم قد استثنى من حرمة البيع ونحوه ما لو اشترط الوقف على مسلم أو التملك له بمجرد الشرط أو بصيغة متصلة على نحو ما مر أو أقر بالوقف على المسلمين أو الملك لهم أو كان مرتدا فطريا وجوزنا معاملته ، وكان الوارث مسلما ، ولعله لفحوى ما سمعته في شراء الكافر من ينعتق عليه ، ومن يشترط عتقه عليه من عدم منافاة مثل ذلك للتعظيم ، وعدم اقتضائه الإهانة.

بل قد يتخرج مما سمعته في بيع العبد المؤمن على المخالف ، نحوه بالنسبة إلى بيع ما يختص بالمؤمنين مما هو محترم من حيث الايمان كالتربة الحسينية ، وكتب فقه الإمامية وحديثهم ونحو ذلك على المخالفين كما أنه قد يتخرج على ما سمعته من تبعية قرطاس المصحف وجلده وغيرهما من الآلات في الاحترام خروج قرطاس الكافر عن ملكه لو كتب عليه قرآن ، وكذا مداده لو كتب به ولو على وجه الغصب لحصول وصف الاحترام له فيمنع عن استدامة ملك الكافر له إلا أنه كما ترى‌

٣٣٩

لا يخلو من بحث بل لا يخلو أصل المسألة من ذلك أيضا ، لإمكان منع منافاة ملكية الكافر للاحترام ، خصوصا إذا اتخذه هو على جهة التبجيل والتبرك والاحترام ، كما يصنعه بعض النصارى في تراب الحسين عليه‌السلام عند الطوفان ، وخصوصا في استدامة الملك والسبب القهري كالإرث ونحوه ، هذا كله في المتخذ للاحترام وما علم من شريعة الإسلام وجوب التبجيل له والإعظام ، اما ما كان له شرف ولكن لم يكن متخذا لذلك عند المسلمين ، كأراضي النجف وكربلاء وغيرها من الأماكن التي شرفت بمجاورة قبورهم عليهم‌السلام ، فيقوى جواز دخولها في ملك الكافر ، لإطلاق الأدلة ، وعدم كون الشرف فيها على وجه يمنع من ذلك ، من غير فرق بين الآجر والخزف وغيرهما ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

وعلى كل حال فـ ( لو ابتاع ) الكافر أباه المسلم هل يصح فيه تردد بل وخلاف فعن المبسوط وابن البراج لا يصح ، بل هو مقتضى المحكي عن الخلاف فيما لو قال الكافر للمسلم أعتق عبدك المسلم عن كفارتي كما أنه أحد وجهي الشافعية ، والأشبه عند المصنف ومحكي المقنعة والنهاية والسرائر وكافة المتأخرين الجواز لانتفاء السبيل بالعتق بل عن السرائر أنه مجمع عليه ، وهو الحجة بعد العموم جنسا ونوعا (١) ، السالم عن معارضة الآية (٢) بعد ان كان الحكم الانعتاق قهرا وإن قلنا باستلزامه الملك الضمني الذي هو مقارن للعتق زمانا متقدما عليه ذاتا كتقدم العلة على المعلول ، لعدم اندراجه في السبيل المنفي ، ومن ذلك يعرف حينئذ عموم الحكم لكل من ينعتق عليه قهرا من غير فرق بين الأب وغيره ، ولو كانوا من رضاع بناء على‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ١ سورة النساء الآية ٢٩.

(٢) سورة النساء الآية ١٤١.

٣٤٠